وجهة نظر

العلاقات المغربية الإسبانية.. إلى أين؟

عبر المغرب بشكل رسمي عن أسفه لموقف إسبانيا التي تستضيف على ترابها المدعو إبراهيم غالي زعيم البوليزاريو، المتهم بارتكاب جرائم حرب خطيرة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ويعتبر الرد الرسمي المغربي فيه الكثير من التحفظ ولم يصل الى الإدانة الصريحة مستعملا عبارة ” الأسف ” و”خيبة الامل ” وهو ما يعني ان الرباط كانت تنتظر العكس تماما من اسبانيا خاصة مع اقتراب حل ملف الصحراء نهائيا بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء. وقد طرحت الرباط أسئلة محددة اعتمدت عليها عند استدعاء السفير الاسباني بالرباط انطلاقا من استغراب الرباط من موقف اسبانيا متمثلة في عدم اخطار المغرب بإدخال المدعو إبراهيم غالي الى اسبانيا وبجواز سفر مزور وبهوية مزورة ومن جهة أخرى عن سبب صمت القضاء الاسباني اتجاه المدعو غالي رغم الشكاوى الكثيرة ضده منذ عام 2008 الى الان.

وبالتالي فإن المغرب استخدم الدبلوماسية الناعمة وليس الصلبة ولم يرد تصعيد الوضع المتوتر أصلا بين الطرفين . ان المغرب بحكمته ورؤيته الاستراتيجية وضع رده الرسمي في إطاره من خلال الاستغراب وطرح استفسارات محددة على سفير اسبانيا بالرباط وهي قناة دبلوماسية معتادة في العمل الدبلوماسي.

ان اسبانيا تنظر للمغرب كبلد بدأ يسحب الكثير من الأوراق تحتها حيث بدأت مبكراً مع تربع الملك محمد السادس على العرش، وبلورته لاستراتيجية تنمية شمال المغرب، وبناء الميناء المتوسطي، الذي حاصر مدينة سبتة، وقضى بشكل نهائي على وضعها الاقتصادي والتجاري، لتساعده بعد ذلك جائحة كورونا في الإنهاء الكلي لتهريب السلع من المدينتين سبتة ومليلية إلى الداخل المغربي، حتى أصبحتا عبئاً ثقيلاً على الحكومة المركزية في مدريد.

ان ورقة الضغط مهمة للمغرب هي ورقة سبتة ومليلية المحتلتين ، حيث جاءت اللحظة التي يستعمل فيها المغرب هذه الورقة، ومعها أوراق أخرى أكثر قوة مثل ورقة الهجرة غير الشرعية ، حتى يدفع إسبانيا إلى أن تساند طموحه في إنهاء ملف الصحراء، أو على الأقل تبقى في الحياد ولا تضطر لمعاندة سياسته.

فالرباط ينبغي ان تتحرك بحزم اكثر بخصوص ملف سبتة ومليلية وتضع طلبا في الموضوع لدى الأمم المتحدة ان لم ترضى اسبانيا المفاوضات الثنائية حول بداية حلحلة ملف سبتة ومليلية المحتلتين وينبغي من جهة أخرى تذكير المغرب لاسبانيا بأن هذا الملف قد حان وقته خاصة وان اسبانيا تعتقد ان سبنى ومليلية ” جزءا من أراضيها ” ووحدة أراضي اسبانيا ” فالضغط عليها بهذا الملف من شأنه اضعاف موقفها في قضية الصحراء وربما يتغير موقفها الى موقف مناصر للمبادرة المغربية في حل الحكم الذاتي.

ان قضية الصحراء بالنسبة إلى إسبانيا هي مجرد ورقة تتمسك بها للإبقاء على احتلالها لسبتة ومليلية والجزر الجعفرية، وهي تدرك أن الخطوة الثانية بعد إنهاء المغرب لملف الصحراء هو تحرير المدينتين، وأن معطيات التاريخ والجغرافيا والسياسة ومبادئ القانون الدولي كلها في صالح المغرب، وأنها لن تستطيع أن تصمد في مواجهة مطالب المغرب باسترجاع المدينتين، ولذلك تنظر لأي تقدم يحرزه المغرب في ملف وحدته الترابية باقتراب من ملف سبتة ومليلية.كما ان الضغط بورقة الهجرة السرية مهم جدا أيضا في هذا الاتجاه ينبغي الضغط بها على اعتبار ان بلدان الوصول ينبغي ان تتحمل المسؤولية الى جانب بلدان العبور.

وفي الأخير يمكنني توقع احد سيناريوهين في هذا الوضع :

1- سيناريو الدبلوماسية الصلبة من المغرب على اعتبار أن اسبانيا انتقلت في ملف الصحراء من الحياد إلى العداء وهو ما يعني أن المغرب حسب هذا السيناريو لن يتعاون مع اسبانيا في العديد من القضايا منها الهجرة غير الشرعية ولن يكون المغرب “دركي الهجرة” لحماية الحدود الاسبانية، معتبراً أن تدبير ملف الهجرة غير الشرعية هو مسؤولية دول المنشأ ودول الوصول، ولا ينبغي وضع ثقل الهجرة كله على بلدان العبور. للمهاجرين الافارقة المتوجهين إلى اسبانيا من جهة أخرى يعمل المغرب على تقديم طلب للامم المتحدة ضد اسبانيا باعتبارها بلد محتل لسبتة ومليلية وذلك من اجل اضعاف موقف اسبانيا في قضية الصحراء والتراجع عن تعاونها مع الجزائر وترك الحكومة الاسبانية للقضاء الاسباني يقوم بما ينبغي القيام به اتجاه كل الجناة من البوليزاريو المتهمين بالابادة الجماعية وانتهاكات حقوق الانسان .

2 – سيناريو الدبلوماسية المرنة وهو ان يقوم المغرب باستدعاء سفير اسبانيا في الرباط واستفساره وتسجيل احتجاج المغرب جراء هذا التصرف غير اللائق من اسبانيا اتجاه قضية مصيرية بالنسبة للمغرب وتأجيل القمة المشتركة المغربية الاسبانية المنتظرة وايضا تأجيل كل اللقاءات الثنائية المرتبطة بالتعاون بين الطرفين في جميع المجالات وخاصة في مجال دعم وتعزيز العلاقات الاقتصادية، وحضور الشركات، والمقاولات ، وكذا الانتقال الإيكولوجي، والتدبير المنظم للهجرة .

* محسن الندوي رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *