وجهة نظر

من إسقاط التعاقد إلى إسقاط الرأسمالية‎

لقد استرعى انتباهنا ،كما هو الحال بالنسبة لفئة كبيرة من متتبعي احتجاجات و مرافعات و نضالات الاساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، البيان الأخير للتنسيقة الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد الصادر عن المجلس الوطني بتاريخ 29 أبريل 2021 و الذي جاء في أربع صفحات بلغة مغرقة في الإنشائية الايديولوجية المتخمة بالأحكام و المواقف السياسية و الايديولوجية.

بادئ ذي بدء، لابد من كلمة توضيحية في دواعي و محفزات الكتابة في هذا الموضوع. باستثناء مقالنا المندد بالعنف ضد الاساتذة، لم نكتب يوما عن ملف الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد. وذلك، لسبب بسيط هو أننا نناصر مطالبهم و ننتصر لها في كل لحظة و حين و لا نجد فيها ما ينزع عنها مشروعيتها. لكن اليوم نجد انفسنا مرغمين على التعبير عن موقفنا غيرة و مساهمة في النقد البناء لسبب جوهري هو ما يؤشر عليه هذا البيان من ارهاصات تحول عميق في مسار تنسيقية بوصفها إطار مطلبي (نقابي) بدأ يتلمس اتجاهات غير التي وجد من اجلها.

يتبين من خلال اللغة التي صيغ بها البيان و التي تنهل من معين خطاب تيار ايديولوجي معين أن التنسيقية في طور التهريب أو السرقة. الشيء الذي استقبله أغلب الاساتذة بالاستغراب سيما و أن البيان تحدث و فصل في كل شيء إلا في مطالب الأساتذة و على رأسهم مطلب الإدماج. لم تسلم أي جهة من بندقية البيان حيث أطلق الرصاص في كل الاتجاهات و فاءا لمقولة مواجهة كل ما يمكن مواجهته في أفق المواجهة الشاملة و المطلقة. يواجه كل من أشار إلى البيان من قريب أو بعيد بأنه يسعى إلى تشتيت الإطار و يعمل لصالح العدو. بل هناك من تفتق ذكائه و يتوجه في مطالبة أصحاب الآراء المخالفة من أساتذة بضرورة التحلي بالسرية و عدم النقد أمام الملأ من أجل تفويت الفرصة على اعداء القضية. كما لو أن الأمر يتعلق بتنظيم ثوري يشتغل بمنطق السرية و ليس تنسيقية مهنية مطلبية أفقها الادماج في أسلاك الوظيفة العمومية. لا شك أن من دبج البيان نسي أنه بصدد معركة أساتذة أي قطاع مهني منظم و له قوانين و ليس الامر يتعلق بمعركة طلابية منحصرة داخل أسوار الحرم الجامعي.

فماذا كان سيكون رد الفعل لو أن البيان جاء بصيغة” في خضم هجوم قوى الاستكبار العالمي الصهيونية الامبريالية على البلدان الإسلامية و السعي إلى تمزيق الأمة الإسلامية عن طريق استهداف أبناء المسلمين في تعليمهم العمومي و قيمهم الإسلامية.. “. أكيد أن الكل سيتحدث عن أن من حرر البيان تيار من تيارات الإسلام السياسي. إذن، لسنا ضد استعمال مفاهيم من قبيل الطبقية، و غيرها من المفاهيم التي تنهل من الأدبيات الماركسية.. إلخ. لكن نحاول أن نوضح بأن هذا الخطاب له الياته كما له تنظيماته التي تسمح بتصريفه و الأهم من هذا كله هو أن له سياقاته. و السياق الذي استعمل فيه هذا الخطاب لا علاقة له بالأهداف التي انتج من أجلها هذا الخطاب. فكل خطاب سياسي أو ايديولوجي إلا وهو بنية رمزية و نظام يقوم على ترسانة مفاهيمية و تصورات و تمثلات تنهل من مرجعية أو مرجعيات محددة، يهدف إلى إبداء موقف مما هو كائن و استشراف ما ينبغي أن يكون. و من الطبيعي، و الحال كذلك، أن تتواجد خطابات مختلفة.

كما لا يجب أن يفهم من كلامنا أننا ضد التصعيد النضالي حيث لاحظنا أن هناك من اعتبر لغة البيان نوع من التصعيد. إلا أنه لابد من التمييز حيث إن التصعيد ليس بالضرورة أن يتم بلغة اقرب إلى لغة الحرب منه إلى النضال المطلبي. فيكفي أن تعلن التنسيقية، مثلا، في جملة بسيطة و واضحة كالتالي ” قررت التنسيقية مقاطعة الامتحانات الاشهادية و التصحيح و الحراسة” لكي نتحدث عن تصعيد حقيقي. هل سيكون تأثير بيان محشو بلغة تعود إلى أزمنة غابرة أنجع من بيان يتضمن جمل فعلية مبنية على أفعال كلامية ؟

إن مثل هذه البيانات ،التي لها مقامتها الخاصة بها، ستساهم في تعويم وتعقيد الملف المطلبي. فقد يتساءل المرء كيف لمن يعتبر هذا النظام كذا و كذا و ينعته بأقدح النعوت أن يطالب بالإدماج في أنساقه ؟ أم أن الادماج في أسلاك الوظيفة العمومية مطلب اشتراكي و لا دراية لنا بذلك؟

لذلك لابد من صون التنسيقية و الحفاظ على استقلاليتها و الوقوف سدا منيعا أمام من يريد ادخالها في صراع مع الدولة لأن كل من يحتج من داخل التنسيقية يطالب، في نهاية المطاف، بحقه في الادماج في أسلاك الوظيفة أي في النظام كما يسمونه.

لا تفوتنا الاشارة إلى أن التنسيقية كتلة غير منسجمة تضم مختلف المشارب الفكرية و السياسية و الحزبية و اللامنتمية. أكيد أنها لن تجد نفسها في هذا البيان. و هذا ما تعبر عنه عبارة لا يمثلني المنتشرة.

لنفرض جدلا ان البيان كتب بحسن نية فالنتيجة، و بدأت بوادرها تظهر، هي انقسام حول البيان بين مؤيد و معارض مما سيؤدي بالكثيرين إلى الانسحاب و الانزواء و الدخول في مرحلة الانتظارية و الجمود النضالي و بالتالي نسف الحركة المطلبية.

و إذا كان البيان ناتج عن قراءة للأوضاع تقدر بأن الأساتذة هم الطليعة التكتيكية التي ستشعل شرارة الثورة الوطنية الشعبية. فاسمحوا لنا أن نقول لكم أن هذا تقدير أقل ما يقال عنه أنه خاطئ و مؤلفه يعيش ذهنيا و سياسيا و اجتماعيا في زمن اخر غير زماننا و في سياق بعيد عن النسق السياسي المغربي. و دعونا نذكركم بان اخلاقيات النضال تستوجب منكم احترام العقد النضالي الذي يجمعكم بالجماهير الاستاذية. فالتنسيقية الوطنية ليست تيار قاعدي يسعى إلى إشعال ثورة وطنية شعبية و إنما إطار مطلبي أقصى ما يطالب به هو الادماج في أسلاك الوظيفة العمومية و هذا هو التعاقد الحاصل بين الاساتذة و من يمثلونهم في الهياكل الوطنية و لم يفوضوا لأحد أن يشن حرب أو صراع طبقي أو حرب تحرير شعبية باسمهم.

خلاصة القول، نحن إزاء صيرورة نضالية مطلبية تستدعي الواقعية و التبصر و الحكمة في اختيار الأساليب النضالية و تحرص كل الحرص على أن توحد الصفوف بعيدا عن التخندق الايديولوجي. لابد من اتخاد خطوات انية من أجل استرجاع الثقة و الخروج من الضبابية القائمة. إن تغليب المصلحة العامة بدل الانتصار للانا الأيدولوجية و الذاتية السياسية ضرورة ملحة. وإلا فإن القضية ناجحة لكن في يد محامي فاشل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *