وجهة نظر

متى يعود التلاميذ إلى أقسامهم؟

مر الأسدوس الأول من السنة الدراسية في أجواء سيمتها الارتباك وهدر الزمن المدرسي، ومرد ذلك إلى التفويج المعتمد في المؤسسات التعليمية أو ما يسمى بالتعليم بالتناوب الذي سبب ضياع نصف الحصص المقررة، ناهيك عن العطل والأيام الوطنية والدينية التي تجعل “الأفواج السيئة الحظ” التي تتزامن مع حصصها لا تتلقى حتى نصفها في الشهر.

قد يبدو التفويج أو “التعليم بالتناوب” للبعيدين عن المجال مفيدا ومجديا، باعتبار أنه جاء للحد من انتشار جائحة كورونا، لكن الواقع-كما أسلفنا-، هو أن هذه الصيغة لها عواقب وخيمة إن لم يكن على حاضر التلاميذ فعلى مستقبلهم بشهادة الممارسين في الميدان وخاصة في المواد المتسلسة دروسها والتي يصعب تدارك ما لم يدرس منها بعد الانتقال إلى المستوى الموالي، بل إن هذا الانتقال لا يجب أن يتم إلا بعد تلقي جميع دروس تلك المواد كالرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة والأرض، دون أن يعني ذلك أن المواد الأخرى تقل أهمية، ولكن قصدنا أن هذه المواد يمكن تدارك الفائت منها في مستوى أعلى، فالأساتذة لم يتمكنوا من إنجاز حتى 40 بالمئة من المقرر، وأنى لهم ذلك والتلميذ لا يتلقى سوى نصف الحصص في الأسبوع، هذا إن لم تتزامن تلك الحصص مع مناسبة ما فتتقلص إلى درجة أنه يمكن أن يمر أسبوعان دون أن يتلقى حرفا واحدا وعندما يعود إلى القسم يعود كيوم ولدته أمه؟

أما التعليم عن بعد فتلك قصة أخرى عنوانها “تغطية الشمس بالغربال”، حيث أغلب التلاميذ وخاصة في الوسط القروي يفتقرون إلى التجهيزات والإمكانيات المادية من هواتف وحواسيب وتغطية الأنترنت…لمواكبة الدروس التي تلقى عن بعد، والأهم من ذلك أن هذا النوع من التعليم لا يمكن أن يعوض التعليم الحضوري بأي حال من الأحوال وإلى أجل غير مسمى.

لقد فطنت الوزارة نفسها إلى أن التعليم عن بعد لن يؤتي أكله على الأقل على المدى القريب فسارعت إلى إلغاء الامتحان المحلي والتهليل والتبشيربالنقط المتحسنة عفوا المنفوخة مقارنة مع السنوات الماضية والقول بأن”العام زين” والأسدوس الأول مر في أحسن الظروف وكل شيء بخير ولا ينقصنا سوى النظر في النقاط والمعدلات”الجيدة”، ومن يقول العكس فهو مجرد عدمي وحتى متآمر.

إذا افترضنا أن هذه الإجراءات قد حدت من انتشار كورونا في الوسط المدرسي، وهذا غير صحيح بالنظر إلى التجمعات التلاميذية التي تكون في مداخل المؤسسات التعليمية وفي النقل المدرسي والساحات والشوارع والأسواق، وبالنظر إلى عديد الحالات التي ظهرت في صفوف الأطر التربوية والإدارية(إذا افترضنا أنها حدت من تفشي كورونا)، فما فائدة تطبيقها في مناطق نائية لم تسجل أي حالة إصابة منذ بداية الجائحة لا في الأوساط المدرسية ولا خارجها؟ والأهم من ذلك هو متى يعود التلاميذ إلى أقسامهم لتلقي حصصهم الدراسية كاملة غير منقوصة خاصة وأننا سندخل في الأسدوس الثاني حيث التلاميذ مطالبون بإنهاء المقررات واجتياز الامتحانات الوطنية والجهوية؟ أم سيتم اللجوء مرة اخرى إلى حلول ترقيعية من قبيل حذف بعض الدروس وحتى إلغاء الامتحانات؟ و أي تعليم هذا الذي تلقاه أطباء ومهندسو وأساتذة وأطر المستقبل؟

لقد حان الوقت للاحتكام إلى العقل والمصلحة العامة للوطن ولأجيال المستقبل، عوض التشبث بالقرارات الخاطئة ولو بعد التأكد من عدم جدواها، وقبل كل ذلك امتلاك شجاعة التراجع عنها والاعتراف بالخطأ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *