وجهة نظر

بالقانون: التهميش مرة أخرى بالأقاليم المعنية بزراعة الكيف

لا بد من التوضيح في البداية بأن غرض هذه السطور ليس الخوض في جدوى وشرعية ووجاهة تقنين زراعة “الكيف” من عدمه ولا غرضها دعم أو معارضة هذا التقنين ؛ إن هدف هذه السطور هو تسليط الضوء على جملة أمور ذات الصلة بمشروع قانون يتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي كما عرضته وزارة الداخلية وذلك من خلال رصد مجموعة من الاشكالات على مستوى علاقة نص المشروع بالواقع الذي سيحكمه في حال تم اعتماده. وهي الاشكالات التي تقودنا الى خلاصة عامة مفادها أن مشروع ‘تقنين الكيف’ بعيد كل البعد عن إشكالات التنمية الحقيقية في المناطق التي يعيش سكانها على زراعة القنب الهندي كما أنه لن يستطيع القضاء على الاستعمالات غير المشروعة لهذه النبتة بدون تكلفة باهضة بينما ستستمر سياسة التهميش التي عمرت في هذه المناطق لعقود من الزمن.

إن مسارعة المجلس الحكومي للمصادقة على المشروع وعرضه على البرلمان ومحاولة ربح الوقت ما أمكن لتمريره في أسرع وقت ممكن يجعلنا نتساءل عن سبب الاستعجال والحسم النهائي ، في حين يقتضي المشروع فتح نقاش وطني حوله وانجاز دراسات تجيب على عدد من الاشكالات ذات أبعاد تنموية وبيئية وأمنية، وتنوير الرأي العام المحلي بمناطق زراعة الكيف والرأي العام الوطني بكل المعطيات التي تجعل الانتقال من المنع إلى التقنين إنتقالا إيجابيا بأهداف تنموية حقيقية وضمانات وقائية وواقعية وانفراج حقوقي تطوى معه عقودا من المعاناة. ومن هذا المنطلق، وفي غياب مبادرة فتح النقاش العمومي بعيدا عن التجاذبات السياسية والانتخابية، ومع الاستعجال لتمرير القانون و الحديث عن دراسات لم يطلع عليها حتى نواب الأمة لحد الآن، ستحاول هذه السطور أن تقدم رأيا متواضعا ومقتضبا حول مشروع القانون وما يرتبط به واقعا ومآلا من خلال ثلاثة محاور: (1) مشروع القانون وسؤال التنمية (2) الفلاح قبل وبعد قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي (3) “الكيف” الممنوع بعد صدور القانون.

مشروع القانون وسؤال التنمية:

يفترض أن تكون منطلقات مشروع قانون يرمي إلى ضبط وتطوير وعصرنة مجال زراعي معين تتعلق بالدرجة الأولى بتنمية المناطق المعنية بتلك الزراعة أولا؛ ولذلك يعتبر سؤال التنمية والتنمية المحلية على الخصوص في هذا الاطار سؤالا موجًها وبمثابة معيار للحكم على قانون من هذا النوع فضلا عن تناسب أحكامه مع المجال الذي جاء ليقننه؛ إن مشروع القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي جاء ليضبط واقعا كان موجودا لكن وجوده كان خارج القانون لمدة طويلة؛ وخلال تلك المدة التي تزيد عن خمسة عقود بالنسبة للمناطق التي شرعت متأخرة في زراعة الكيف دون غيرها من المناطق التي عرفت هذه الزراعة بشكل مبكر جدا، كان من الطبيعي أن يتشكل واقعا لا يمكن القفز عليه وتجاهله؛ وإذا أردنا أن نقدم وصفا موجزا نستطيع أن نقول بأننا اليوم إزاء واقع جديد على مستوى معطيات التنمية وفرص الشغل التي توفرت خارج القانون، كما أننا إيزاء ثلاثة أجيال عاشت واقعها وتطبعت به وواجهت قدرها مع التنمية الحقيقية التي كانت الغائب الأكبر في حياتها إلى اليوم؛ فحتى فتح مسالك فك العزلة كان الناس يدفعون من جيوبهم لفك العزلة عن أنفسهم. وأخيرا وليس آخرا نحن إزاء واقع تكونت فيه وعلى هامشه شبكات الاتجار في المخدرات باعتبارها تمثل جهة “الطلب” في قواعد السوق السوداء مقابل المزارعين الذين يوفرون “العرض”، وبين العرض والطلب هناك قدرة هائلة على التكيف مع ما يتطلبه العيش خارج القانون حيث تصبح الدولة في شخص بعض مراقبيها و ممثلي مؤسساتها متورطة في لعبة ‘مغامرات خارج القانون’.

وبما أن حال الواقع كما وصفنا، دعونا نرى هل أخذ مشروع القانون في حسبانه قضية التنمية المحلية في المناطق الخاضعة لزراعة القنب الهندي أم أنه يوحي بذلك ظاهرا ويؤسس لاستدامة سياسة التهميش؟ وبعبارة أخرى هل يرمي مشروع القانون الى بناء تنمية صلبة على أرضية القانون الجديد؟

للأسف وخلافا لما صرح به وزير الداخلية في جلسة برلمانية بأن الهدف من المشروع هو تنمية مناطق الكيف تشير مذكرة تقديم مشروع القانون في أول سطر إلى أن المشروع يندرج في إطار مسايرة التدرج الذي عرفه القانون الدولي من منع استعمال نبتة القنب الهندي إلى الترخيص باستعمالها لأغراض طبية وصناعية بغض النظر عن المقصود بالغرض الطبي أو الصناعي الذي لم يحدده القانون. ومعنى ذلك أن مشروع القانون لا يعدو أن يكون اعترافا قانونيا بزراعة الكيف مع حصر ذلك في استعمالات مشروعة أي أنه لا ينطلق من معاناة موجودة وتنمية متخلى عنها وآفاق تشغيل منعدمة في الاقاليم التي تعتمد على الكيف كزراعة أساسية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار مدة إعداد المشروع التي استغرقت سنتين حسب تصريح وزير الداخلية في نفس الجلسة فإننا نرى بأن تلك المدة كانت كافية لإعداد مخطط تنموي لأقاليم الشمال لا يراهن على تقنين الكيف الذي يلفه غموض كبير، ولا يراهن على الحلول الترقيعية التي فشلت في مهدها بل يراهن على سياسة تنموية استثمارية في كل ما يلائم تلك المناطق اقتصاديا وبيئيا واجتماعيا وثقافيا. لكن مشروع القانون أخذ كل تلك المدة ليأتي عليلا وفاقدا لأي روح تنموية حقيقية ممكنة على أرض الواقع.

وطبعا هذا لا يحتاج الى كثير جهد للوقوف على حقيقة ما ينتظر مناطق الكيف من إطالة عمر التهميش والمعاناة التي ستظهر بمجرد الشروع في تنزيل أحكام القانون بعد اعتماده. تقول المذكرة بعدما ذكرت بالتوصيات التي اعتمدتها اللجنة الوطنية للمخدرات انسجاما مع التوجه العالمي:

“وسيرا على نفس التوجه، تم انجاز دراسات حول جدوى تطوير القنب الهندي وطنيا لأغراض طبية وتجميلية وصناعية.”

وواضح هنا بأن الحديث عن تطوير القنب الهندي يتعلق حصريا بالبعد الوطني ولم تشر المذكرة الى البعد المحلي لا من قريب ولا من بعيد ولا حتى في إطار الجهوية المتقدمة التي يفترض أن تكون معطى يفرض نفسه على الاقل من الناحية الاقتصادية والإدارية بالنسبة لجهة طنجة تطوان الحسيمة.

وتأكيدا للبعد الوطني في المشروع الذي يذوب أمام هيمنته البعد المحلي والجهوي نذكر:

أولا: أن المذكرة بعدما ذكرت الدول التي ” قننت الكيف” وختمت بالإشارة الى 30 ولاية أمريكية، وهي الاشارة التي كان ينبغي أن يلتقطها معدو مشروع القانون ويضعوه في قلب الجهوية التي تعد اختيارا استراتيجيا بالنسبة للمغرب ولم يفعلوا، أكدت:

“أن المغرب يمكن له في هذا السياق أن يستثمر هذه الفرص التي تتيحها السوق العالمية للقنب الهندي المشروع بالنظر لمؤهلاته البشرية والبيئية…”

ثانيا: أن مشروع القانون يذكر في الباب السابع المتعلق بالوكالة الوطنية لتقنين الانشطة المتعلقة بالقنب الهندي بأنه تحدث وكالة تحت هذا الاسم ويحدد مقرها المركزي في الرباط، ويمكن إحداث فروع لها جهوية أو أقليمية بقرار لمجلس إدارتها. ولا بأس أن نوضح هنا بأن صفة ” الوطنية” التي أضيفت للوكالة مع وجودها بالرباط يؤكدان مرة أخرى على أن البعد المحلي أو الجهوي إن كانا حاضرين فهما حاضرين فقط على الهامش وهو ما يطرح مخاوف حقيقية بخصوص مستقبل التنمية في مناطق زراعة ‘الكيف’. ولنا مثل في “وكالة إنعاش وتنمية الشمال” التي كان يمكن أن يعاد هيكلتها وتصبح وكالة ذات اختصاصات من بينها زراعة القنب الهندي المشروع إذا كان لا مفر من تلك الزراعة.

تجدر الاشارة هنا إلى أن الاشارة الوحيدة للتنمية في بعدها المحلي ذكرت بمناسبة الحديث عن الاختصاصات التي تناط بالوكالة المذكورة آنفا منها: “المساهمة في تنمية الزراعات البديلة والأنشطة غير الفلاحية لفائدة ساكنة الاقاليم المعنية للحد من الزراعات غيرالمشروعة للقنب الهندي” وكذلك “تشجيع المرأة القروية اعتمادا على مقاربة النوع للقيام بالأنشطة الخاضعة لهذا القانون”. وليس هناك اي تفصيل حول المقصود بالزراعات البديلة والأنشطة غير الفلاحية التي يبدو أنها خارج سياق التقنين، ولا المقصود بتشجيع المرأة القروية التي تعمل أصلا إلى جانب الرجل في كل ما يتعلق بالحياة الزراعية.

وللمزيد من التأكيد على أن مشروع القانون لم يضع التنمية المحلية في حسبانه نجد أن التنصيص على تأسيس تعاونيات والانضمام اليها هدفه الوحيد هو الوساطة بين المزارعين والشركات من أجل نقل المحصول الخام وفق الشروط التي يحددها القانون، أي أنها مجرد نقطة تجميع للمحاصيل حيث تأتي الشركات لتتسلم ما تريد.

ويذهب المشروع إلى أنه يمكن للوكالة أن تتولى عملية تسليم المحاصيل إذا تبين لها أن شروط التسليم من التعاونيات الى الشركات غير مستوفاة. وهو ما يبصم على الدور الشكلي والثانوي للتعاونيات؛ بينما التنمية تقتضي أن تكون لها أدوار تنموية حقيقية بدلا من القيام بمهام تقنية لا فائدة تعود من ورائها فيما يتعلق بشق طريق التنمية وبناء اقتصاد محلي يحفز على ارتباط الناس بأقاليمهم وخدمتها بدل الهجرة إلى الحواضر الكبرى خصوصا القريبة منها.

وخلاصة الكلام في هذه النقطة هي أنه بقدر ما يتضمن مشروع قانون تقنين الكيف وعودا بجلب الشركات العالمية وفتح الحدود أمام المبادلات التجارية في مجال القنب الهندي غير المجرم وضمان اقتصاد شفاف طالما كان موجودا تحت ملاحقة القانون، بقدر ما يبتعد عن التنمية الملحة لمناطق الكيف ويكرس بداية مرحلة جديدة من التهميش في ظل نظام الترخيص بعد زمن طويل من التهميش في ظل نظام المنع.

الفلاح قبل وبعد قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي:

يبدو بأن الفلاحين أخذوا نصيبا من التكرار في مشروع القانون باسم المزارعين أحيانا وبأسماء أخرى مثل” المنتجين” و” طلاب الرخص” و “أصحاب الرخص” أحيانا أخرى مع التنبيه على أن طالب الرخصة أو صاحب الرخصة لا يقتصر فقط على المزارع. فما قيمة حضور المزارع في مشروع القانون من حيث المكاسب التي يفترض أن يجنيها والمنزلة الجديدة التي يُعْتقد أنه سيتبوؤها؟

قبل الجواب عن السؤال لا بأس نلقي نظرة قصيرة على وضع الفلاح قبل مشروع القانون حتى نستطيع أن نفهم وضعه في نظام الترخيص. إذا أخذنا مثلا اقليم شفشاون كنموذج فسنجد بأن الفلاح هناك قبل أن يتعاطى زراعة القنب الهندي في بداية الثمانينات من القرن الماضي كان يمارس -الى جانب الزراعة التقليدية- زراعة نوع من التبغ يسمى ” الشتوكية” بتعبير المزارعين آنذاك. وكان انتاج هذه النبتة التي تستعمل في صناعة السجائر يتطلب مشقة تفوق مشقة انتاج الحبوب وغيرها من المزروعات. وكانت شركة للتبغ هي الشركة الوحيدة التي تشتري هذا المنتوج. ولذلك كانت تشتري المحصول الذي يروق لها من حيث الجودة بأثمان زهيدة للغاية وتترك المحاصيل التي لا تريدها تذروها الرياح. هذا الوضع دفع بعض المزارعين الى البحث عن زراعة بديلة قريبة ” للشتوكية” من حيث الاستعمال بحكم الاخبار التي كانت تأتي من مكان آخر. ومن هنا بدأ انتشار زراعة الكيف بالإقليم بعدما كانت هذه الزراعة توجد حصريا في منطقة كتامة بالريف.

بقيت زراعة الكيف رغم ذلك محدودة لمدة لا بأس بها وكان استهلاك المحاصيل يقتصر على تدخينها بواسطة ” السبسي” بعد انتزاع أجزاء من سنبلة النبتة وتنقيتها وتقطيعها إلى جزيئات صغيرة جدا ومزجها بجزيئات من نوع آخر من التبغ يعرف بـ” الطابة” أو ” الطابة البلدية” تمييزا لها عن ” الشتوكية”. وكانت في الغالب موجهة للاستهلاك المحلي. ولم يلبث المزارعون أن انتبهوا الى تصدير المنتوج الى الحواضر القريبة كتطوان وطنجة والقصر الكبير وغيرها. وبذلك ظهرت فرص شغل جديدة تتعلق بحمل أكياس الكيف الخام على ظهور الرجال قبل أن تتطور فيما بعد الى استخدام البغال. ولم تعمر هذه الفرص طويلا حتى بدأ بارونات كتامة ذوي التاريخ الطويل في الاستعمال “الأمثل” للقنب الهندي بشراء المحاصيل وتحويلها الى مسحوق “الشيرة” باستعمال صناديق كبيرة معدة خصيصا لهذا الغرض وتهريبها خارج المغرب. ومع هذه الطريقة الجديدة تضاعف حجم الأراضي المزروعة؛ وسرعان ما تعلم المزراعون الطريقة الجديدة وعمدوا الى تحويل محاصلهم وبيعها ” حشيشا” بدل بيعها خامة. وهكذا حتى انتهت الى طرق أكثر احترافية باستعمال “البانيو” وتقنيات جديدة تمكن من استخلاص درجات متفاوتة الجودة من مخدر الشيرة مع ظهور طرق حديثة لنقلها وتهريبها. والمهم في هذا السياق هو أنه في كل نقلة كانت الأرباح تتضاعف والسوق تعرف تنوعا في الطلب والأسعار والمزارع يبيع لمن يدفع أكثر، وله أن يبقي على بضاعته ليبيعها لمن شاء وقت ما شاء حسب تقلبات الاسعار. وكلما تطور استعمال القنب الهندي كلما ظهرت مشاكل معقدة تنعكس سلبا على المزارعين بالدرجة الأولى.

لكن مع وجود هذه الزراعة خارج نظام الترخيص كان لها أثر على حياة وبيئة المزارعين وأسرهم. ويمكن أن نرصد في هذا الاطار مجموعة من النقاط والمظاهر الايجابية منها:

تحسن دخل المزارعين وبالتالي تحسن في نمط العيش.

انقلاب جذري في نمط السكن بحيث انتقل المزارعون من السكن في بيوت من الحجر والطوب وسقف من القش الى بيوت من الحجر والطوب وسقف من ألواح ألياف الخشب المضغوط وصفائح القصدير المجلفن إلى بيوت الأجور والاسمنت المدعمة بالحديد.

فتح المسالك الطرقية لفك العزلة حيث تم فتح أغلبها من جيوب المزارعين وبسواعدهم.

امتلاك وسائل النقل الحديثة ( السيارات الخاصة – سيارات النقل بدون رخصة)

امتلاك أعداد لا بأس بها من المزارعين لعقارات في المدن والمناطق شبه الحضرية .

حفر آبار للشرب وأخرى للسقي وتحول كبير في استعمال تقنيات الري.

الاستعانة بيد عاملة مهمة من أقاليم أخرى وحتى من مختلف جهات المملكة ( ما بين 1 إلى 5 عمال لكل مزارع تقريبا)

الاستعانة بالآلات الحديثة في الحرث ودرس القمح.

الولوج الى التعليم الذي لم يكن متاحا من قبل إما بسبب غياب المدارس أو بسبب عدم القدرة على أداء تكاليف الدراسة في المراكز شبه الحضرية أو المدن حيث يتطلب ذلك مصاريف كبيرة بدأ من كراء السكن وانتهاء بتوفير مستلزمات الدراسة.

استصلاح الأراضي الزراعية وتسميدها بالاستعانة بالجرافات واليد العاملة.

التوفر على خدمة بيع المواد الغذائية من خلال محلات تجارية قريبة من السكان

إمتلاك أدوات منزلية حديثة ( ثلاجات، مبردات، غسالات، أفران وغيرها)

امتلاك وسائل إتصال حديثة ( هواتف، شاشات، لاقطات..)

القدرة على تحمل تكاليف العلاج في حالة المرض حيث يتطلب العلاج السفر الى المدن المجاورة وأحيانا إلى مدن بعيدة كالرباط والبيضاء في ظل غياب مراكز صحية الى اليوم.

كما يمكن رصد مجموعة من المظاهر السلبية منها:

حرق الغابات وتحويلها لأراض زراعية

استنزاف المياه الجوفية

معدلات عالية للهدر المدرسي

استهلاك المخدرات للترفيه

ارتفاع حالات الانتحار

ظهور أساليب معقدة للغش

سيطرة الرشوة على كل مرافق الحياة الادارية

تراجع قيمة التضامن والتعاون

رواج مخدرات أجنبية

ارتفاع عدد الملاحقات القانونية

ارتفاع أسعار جميع المواد الاستهلاكية

هذه النقاط بعض من كثير ليس المجال هنا لحصرها، والملاحظ من خلالها هو أن مظاهر التنمية التي تتطلب تدخل الدولة من خلال مؤسساتها تبقى غائبة بشكل كامل إذا استثنينا وجود مؤسسات فرعية للتعليم الابتدائي هنا وهناك.

وإذا عدنا الى السؤال الذي طرحناه حول المكاسب التي يفترض أن يحققها المزارع في إطار نظام الترخيص فسنجد بأن مذكرة تقديم المشروع تنص على أن تطوير الزراعات المشروعة للقنب الهندي كفيل بتحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات. كيف ذلك وبأية ضمانة وعلى أية قاعدة تم حساب ذلك؟ لا ندري. لكن الذي نعرفه بالنسبة لدخل المزارعين هو أنه تابع لتقلبات أسعار منتوجات الكيف غير المقنن بحيث كلما نشط التهريب زاد الثمن وتحسن الدخل وبالمقابل كلما تم التضييق على التهريب تراجع الثمن وتقلص الدخل. غير أن مشروع القانون ينص على مقتضيات لا تصب في اتجاه تحسين الدخل بالنسبة للمزارعين، ربما كانت تعني الشركات التي ما زال كل شيء غامض حولها. وأول تلك المقتضيات هي أن المزارع ليس من حقه انتاج ما يريد هو حيث تقول المادة 5 من الباب الثاني المتعلق بزراعة وإنتاج القنب الهندي: ” لا تمنح رخصة زراعة وانتاج القنب الهندي إلا في حدود الكميات الضرورية لتلبية حاجيات أنشطة انتاج مواد لأغراض طبية وصيدلية وصناعية” أي حسب طلب الشركات دون زيادة أو نقصان وهو ما يعني أن يشتغل المزارع “خمَاسا” بلغته. وإذا كان الانتاج أكبر من المطلوب فإن مصيره الإتلاف؛ وهذا ما تتضمنه المادة 10 من غير أن تحدد من سيتحمل خسارة المحصول الزائد عن الحاجة لكن نستطيع الجزم بأن الفلاح وحده من سيتحمل الخسارة حيث تقول بالحرف: ” تقوم اللجنة ( أي لجنة مكونة من ممثلي الوكالة والسلطات الادارية والأمنية) بالاتلاف الفوري لفائض الانتاج الذي يتجاوز الكميات المتعاقد بشأنها بين التعاونيات والشركات”؛ كما سيخضع المزارع لدفتر تحملات يجبره على التقيد بالتناوب الزراعي وذلك حسب المادة 8 من نفس الباب التي تنص على ” القواعد المتعلقة بالتناوب الزراعي بما في ذلك عدد الدورات الفلاحية المسموح بها”.

وعلاوة على ذلك فإن تحديد ثمن المحصول سيصبح بيد التعاونيات والشركات من خلال العقود التي ستبرمها مع بعضها البعض مما يعني خضوع التعاونيات لسلطة الشركات ومنطق الوساطات التي تدخل على الخط في هذه الحالات أخذا في الحسبان حداثة التجربة والموارد البشرية المؤهلة لتسيير التعاونيات دون الحديث عن تفوق الشركات على مستوى التفاوض في حالة تحديد الأسعار عن طريق تدخل الوكالة الوطنية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار المصاريف التي ستتطلبها هذه الزراعة على مستوى اقتناء المستلزمات الضرورية بموجب القانون من بذور وشتائل وأسمدة ومبيدات وعلى مستوى ضمان الجودة التي تتطلب يد عاملة إضافية ورعاية خاصة، وإذا أضفنا الى ذلك إمكانية تضرر أو هلاك محاصيل معينة ونقل السليم منها الى التعاونيات، فإن المزارعين سيتحملون من دون شك أعباء إضافية. وبالتالي قد يكون الثمن المحدد بموجب العقد مناسبا لبعض المزارعين وغير مناسب للبعض الآخر؛ ومن الطبيعي جدا أن نتصور بأن الشركات إذا تعددت ستلجأ إلى أقرب نقطة إلى مقراتها ولن تكلف نفسها عناء السفر إلى عمق الريف. وعليه يبدو بأن مشروع القانون يتعامل مع المزارع كما تتعامل الشركات مع عمالها الذين يكدحون من أجل تأمين دخل بالكاد يكفي للمعيشة اليومية.

وإذا افترضنا أن المزارعين وجدوا أنفسهم يزرعون ليستفيد غيرهم ورفضوا هذه الزراعة أو رفضوا طلب الرخص الخاصة بها، كلهم أو بعضهم أو حتى قليل منهم ما هي البدائل الأخرى التي سيلجأ اليها هؤلاء؟ لا شك أن هذا السؤال يطرح مسألة غاية في الأهمية وهي الحل المستدام والمعقول لا يمكن أن يكون عبر مدخل تقنين الكيف وحده سواء بالصيغة المهرولة التي يطرحها مشروع القانون الحالي أو بأية صيغة أخرى معدلة..

ومن هنا وجب التفكير في حال شامل لكسب رهان التنمية الحقيقة من خلال مداخل متعددة واستثمار الموارد الطبيعية والبشرية للمناطق الخاضعة لزارعة الكيف.

ولعله حان الوقت أن تكون الدولة جادة في تأهيل تلك المناطق وتشجيع الاستثمار فيها على مستويات كثيرة أهمها السياحة والصناعة والطاقات المتجددة والزراعات البديلة وتربية الدواجن والتجارة والنقل والحرف والتأهيل المهني وغير ذلك مما يضمن التنمية المنشودة.

“الكيف” الممنوع بعد صدور القانون.

هل سيتوقف ” الكيف” الممنوع بعد صدور القانون؟ للجواب على هذا السؤال سيتطلب الأمر اسقاط نظام العقوبات على الواقع بما يكتنفه من تحديات وعقبات. لكن حسبنا هنا أن نشير تلميحا إلى بعض الجوانب المهمة في هذا الاطار.

أولا: نلاحظ بأن مشروع القانون يحيل على ظهائر وقوانين تنظيمة أخرى جاري بها العمل في الوضع الحالي وهو ما يفقده القدرة على الاستقلال بذاته ومن ثم عدم القدرة على التفاعل مع الواقع بشكل مباشر وعبر نفس الآليات التي يحددها.

ثانيا: لقد خصص مشروع القانون بابا كاملا لنظام المراقبة وآخر لضبط المخالفات وترتيب العقوبات وهما الباب الثامن والباب التاسع. وهذا الأخير يبقي على العقوبات المنصوص عليها في الظهير الشريف المؤرخ في 28 ربيع الثاني 1394 الموافق لـ 21 مايو 1974 ويضيف عقوبات أخرى تصل إلى سنتين سجنا و100000 درهم غرامة في بعض الحالات المنصوص عليها. كل ذلك من أجل منع أية إمكانية لإستغلال “الكيف” في أي مجال غير مرخص له. لكن إذا استحضرنا الواقع الذي تحدثنا عنه سابقا بما يحتويه من خبرات توافرت لدى المهربين ومن يشتغل معهم من خلال قواعد السوق السوداء وبما يعكسه من قدرات على اختراق أنظمة المراقبة، وإذا اخذنا بعين الاعتبار أن الكيف غير المشروع قانونا انتشر وتطور في ظل نظام المنع بموجب ظهير 24 ابريل 1954 وعَمًر لفترة طويلة جدا، فإننا نستنتج بأن تشديد العقوبات عبر النصوص القانونية لا يحل المشكلة بل يعقدها ويعيد المشاكل المتعلقة بالملاحقات إلى المربع الأول.

ومن خلال هذا التقابل بين وضع ساد لمدة طويلة من الزمن ووضع آخر جديد يريد أن يقطع مع الوضع الأول نهائيا ندرك بأن مسألة استمرار الاستعمالات غير المشروعة للقنب الهندي واردة جدا وليس ثمة ما يضمن الانتقال النهائي الى الوضع القانوني السليم. ولنا في قوانين أخرى الدليل الواضح على استمرار الوضع السابق بأشكال تناسب الامكانات المتوفرة في كل المراحل التي تقطعها دورة الانتاج. ولعل المثال الأقرب إلى حالتنا هو القرار الصادر عن المدير العام للديوان الملكي تحت رقم 66.177.3 بتاريخ 17 يوليوز 1967 القاضي بتنظيم الاتجار في المشروبات الكحولية أو الممزوجة بالكحول حيث نجد بأن عددا من مقتضيات الفرع الخامس من الباب الثاني تحولت على ممارسات عادية ضدا على القانون مما أدى إلى ارتفاع صاروخي في معدلات استهلاك الخمور والممارسات المتعلقة بها.

يضاف إلى ذلك مخاوف بأن يصبح استعمال الكيف من أجل الترفيه متاحا قانونيا أو على الأقل واقعيا في حال فشل القانون الجديد من الحد من الزراعات الممنوعة. وإذا قرأنا خريطة المصوتين لصالح رفع التجريم عن الكيف المقنن فسنجد أغلب تلك الدول تسمح بالاستخدام الترفيهي في إطار القانون. ولذلك ليس مستبعدا أن يتدرج المغرب ليبيح الكيف من أجل الترفيه قانونيا.

وختاما يبدو بأن تقنين القنب الهندي يحتاج إلى نقاش عمومي صريح وإلى تفكير جدي بعيدا عن المطايا الانتخابية وفرض الأمر الواقع؛ ولا بد في هذا الاطار من التفكير وفق بوصلة الرهانات الاستراتيجية المتعلقة بالجهوية المتقدمة والتنمية المستدامة للأقاليم المعنية بهذه الزراعة. وإذا كان ضروريا من الناحية السياسية أن يمضي المغرب في اتجاه تقنين القنب الهندي فلا مناص من أن نعالج المسألة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والبيئة والحقوقية، فلا يكون التقنين مدخل وحيدا لأي تفكير في هذا الاتجاه وإلا كان استئنافا للتهميش وفتحا لباب الممنوعات بطرق أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *