وجهة نظر

توجيهات حكيمة إلى القضاة الجدد… و إلى سواهم التخليق أولا… التخليق حتما

جميل أن نحتفل بتخرج قاضيات و قضاة جدد و نزودهم بتوجيهات لكي يكونوا خير ممثلي مؤسسة كلفت بالسهر على العدل و الإنصاف. القاضي عبد النبوي الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية تكلم بحكمة رجل يعترف الكثير من الملاحظين أنه صادق في أداء دوره. أساتذة المعهد العالي للقضاء زودوا القضاة الجدد بأدوات العمل و بمبادىء مزاولة مهنة خطيرة تتطلب السيطرة على النفس الأمارة بالسوء و كثيرا من الإطلاع و الإجتهاد في قراءة نصوص القانون و الذكاء في التعامل مع المساطر. و للتذكير فالقاضي ليس ذلك الذي يعتلي فقط منصة و يسيطر على سير جلسات و يصدر أحكاما بالسرعة التي يقدر أنها مطلوبة. القاضي في هذا الزمن فاعل في التنمية الإقتصادية و الإجتماعية و ممثل للدولة لضمان استقرار مؤسساتها و للمواطن لكي يمارس كافة حقوقه الدستورية.

قال السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية و الرئيس الأول لمحكمة النقض أن المجتمع صارم نحو القاضي و ذلك بفعل جسامة دوره. و قول السيد عبد النبوي ذو عمق كبير ينم عن قراءة واقعية لما تختزله النظرة المجتمعية للقاضي. و هذه الصرامة هي نوع من التقييم السلبي عن واقع الممارسة في دنيا إنتاج الأحكام بإسم جلالة الملك. ” صرامة المجتمع”كل لا يتجزأ لأنه يضم آليات الإقتصاد الضامن لإنتاج الثروات و فرص العمل و لأنه تلك الحقنة السيكولوجية التي تغذي جسم المواطنة بالاطمئنان على الحقوق . و لأنه ذلك الباب الذي لا يغلق في وجه الفقراء و يفتح للاغنياء لأنهم يمتلكون أدوات الدفاع عن مصالحهم و قهر الآخر. المجتمع قد لا يظلم و لكنه يرسم الصورة الحقيقية عن جميع مكوناته. فالداخل إلى دنيا الرخاء و الاغتناء قد يراوغ المؤسسات القضائية و الضريبية و التشريعية، لكنه لن يسلم من حكم مجتمع يعرف أصله و فصله و جذور كل درهم تقاضاه أو أخفى مصدره.

و قد إستخدم السيد عبد النبوي كلمات و مفاهيم عميقة لكي يوجه القاضيات و القضاة الجدد إلى ساحة العمل. ” فالقضاء يوجد في صلب المعارك المصيرية في حياة الأمم “. و هنا نتكلم عن مصير الأمة و الأمم حتى نفهم أن تناول القاضية أو القاضي لملف ليس مجرد مهمة إدارية أو روتين يومي و لكنه فعل له آثار على العيش المشترك و على مسيرة الشعوب و ثقتهم في المؤسسات.

و حتى يصل الخطاب بشكل مباشر، ركز السيد عبد النباوي على أهمية السلوك و التصرفات واللباس و المظهر والابتعاد عن الأماكن التي قد تسيء للمهنة و العلاقات التي قد تضر بسمعة القاضي. لا أظن أن هذه التوجيهات غير ضرورية و أتمنى أن يستحضرها كل من ينتمي إلى الجسم القضائي كل يوم. و أظن أن الإلحاح في تكرار توجيهها ضروري كل سنة كذلك الأمر اليومي الذي يوجهه ملك البلاد إلى القوات المسلحة الملكية في ذكرى تأسيسها. و لكل هذا وجب تقديس العمل القضائي من طرف من هم مطوقون بأمانة العدل و إصدار الأحكام بعد إطلاع جيد و دراسة معمقة و تطبيق جيد للقانون و الخضوع لتكوين مستمر لأن المستجد كبير و يومي في مجال القانون.

إن خطابا كالذي وجه إلى المتخرجات و المتخرجين من المعهد العالي للقضاء قد وصل إلى آذان من يمارسون في محاكم المملكة منذ سنين. إنها لحظة في زمن التغيير الذي سيأتي لا محالة. بلادنا ستدخل مناطق التقدم بالقضاء على كل أسباب التخلف و غياب المحاسبة و سوء التدبير. إن القاضي المتمكن و النزيه يشكل قوة استثمارية و عنصرا من عناصر التنمية المستدامة و الإستقرار الوطني. فمزيدا من الإصلاحات التي تقوي ثقة المواطن في وطنه و سوى ذلك هلاك و شؤم و ضياع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *