وجهة نظر

منذ البداية قلنا …

منذ البداية قلنا أنه لا يوجد شيء إسمه “أزمة ثنائية” في واقع معولم ومتعدد الأقطاب. منذ البداية قلنا؛ إنه من السذاجة الاعتقاد أننا في “أزمة ثنائية مع إسبانيا”، لأن هذه الأخيرة تعتبر جزءً لا يتجزأ من تكتلٍ وقطبٍ اقتصادي وسياسي وعسكري محوري، لن يسمح أبداً بالانفراد بها.

ومنذ البداية قلنا؛ إن الذكاء الدبلوماسي والجيوستراتيجي كان يفرض علينا البدء بالتفريق بين المملكة والشعب الإسبانيين من جهة والحكومة الإسبانية من جهة أخرى، وطالبنا بالبدء بعزل “الحكومة الإسبانية” وحصر المشكلة مع تيار سياسي وليس مع الدولة الإسبانية.

ومنذ البداية قلنا؛ إن سحب السفيرة المغربية من مدريد، سَهّل عمل اللوبي الإسباني المعادي للمغرب ومكنه من تأليب البعثات الدبلوماسية العاملة بإسبانيا ضد مصالح المغرب وقضيته الأولى.

ومنذ البداية قلنا؛ بأن هذه الأزمة فيها معركتان، واحدة جوهرية وضرورية وعادلة تتعلق بالدفاع عن الثوابت والحق والأخرى إجرائية تحولت إلى مَفسدة للأولى.

ومنذ البداية قلنا؛ إن التهاون في منع المراهقين والقاصرين من العبور نحو سبتة المحتلة سيكلف المغرب غاليا على المستويات السياسية والحقوقية وسيجر المغرب لمعارك هامشية لسنا بحاجة إليه، لأن الآلة الإعلامية المهيمنة على الساحة ليست إلى جانبنا.

ومنذ البداية قلنا؛ بأن صورة المغرب ومكاسبه السياسية والحقوقية معرضة للتلف بسبب طريقة تدبير الأزمة مع جيراننا في الشمال.

ومنذ البداية طالبن بتغليب صوت العقل وعدم السير وراء مطبلي الجنائز. للأسف لم يلتفت أحد إلى ما قلنا، وها نحن نقول مرة أخرى… مهما كانت نتائج النقاش والتصويت الذي سيجريه البرلمان الأوروبي حول ملتمس النواب الإسبان بإدانة المغرب بخصوص السماح للقاصرين بالهجرة غير الشرعية والدخول إلى سبتة المحتلة، وهو حتما لن يزكي موقف المغرب بهذا الشأن، لأنه سيركز على رفض الخلط بين الخلاف السياسي والمعاهدات الحقوقية وخصوصا تلك المتعلقة بالطفل، مهما كانت نتيجة التصويت فإن الضرر قد وقع فعلا، لأن هناك تيارا أصبح الآن مهيكلا ضد مصالح المغرب السياسية والإقتصادية.

وها نحن نقول مرة أخرى؛ إن تغليب منطق مثل: “هذا النقاش ليس وقته الآن” لمصادرة الرأي المخالف، هو منطق تبريري يسمح للزلل والخطأ أن يستمر، وبالتالي يصعب كثيرا علاجه بعد فوات أوانه، ويصعب حصر أضراره حالا ومستقبلا.

وها نحن نقول مرة أخرى؛ إن السير وراء المطبلين والمزغردين والمهللين، وإقصاء الآراء الصادرة عن العقل والمنطق، كل هذا لا يمكنه أن ينتهي لغير ما انتهى إليه، ونتمنى أن يتوقف فيما انتهى إليه. وها نحن اليوم أيضا نقول؛ حددوا المسؤوليات وحدوا من التداعيات وأخرسوا طبول العبث وحركات القفز في الهواء رجاءً.

وها نحن نقول مرة أخرى؛ هناك تيار واسع، سياسي ومجتمعي، مقتنع ومتعاطف مع الموقف المغربي، وجب استثماره والتواصل بل والتحالف معه ومحاصرة الحكومة الإسبانية التي كانت أصل المشكلة، والسير بحكمة في اتجاه صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، لأن الزمن السياسي، وخصوصا في البنيات الديمقراطية، يسير بخطى سريعة، ولن ينتظر تخبطنا وترددنا، ولكنه حتما سيتفاعل مع مبادراتنا… العقلانية طبعاً.

وللسيد الحبيب المالكي، نقول؛ يبدو أنه لا يفهم آليات العمل الديمقراطي ولم يتعود عليها، حيث يعتبر تعليقه على إدراج مشروع قانون في البرلمان الأوروبي بتلك الطريقة، فضيحة أخرى حول ما آلت إليه الثقافة والممارسة السياسية لديه ولدى الغالبية الساحقة من المسؤولين السياسيين، بسبب مستنقع الريع والفساد الذي تغرق فيه الساحة السياسية والحزبية، ولذلك من مصلحة المغرب عدم تداول تصريحه ليوم أمس حول انتقاده للبرلمان الأوروبي، لأنه ينقل المواجهة علنا للساحة الأوروبية، ولن يستسيغه عدد كبير من النواب الأوروبيين الذين مازالوا إلى اليوم محايدين أو داعمين بشكل أو بآخر للمغرب، وقد تأتي قفزته هذه في الهواء بنتائج عكسية تماما.

فهذه الأشياء يجدر التداول فيها سراً وبشكل مباشر وليس عبر تصريحات لا تصلح سوى للاستهلاك الداخلي ولا تنفع سوى في تأجيج الموقف وتعقيد مهمة الدبلوماسية المغربية.

فمنطق البلاغات النارية والرسائل الحزبية والتصريحات تحت الطلب الذي تشتغل به الأحزاب والهيئات السياسية ببلدنا، مضى زمنه وأصبح يحيل بالفعل على مرحلة من التاريخ انتهت منذ ثلاثة عقود وأكثر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *