سياسة، وجهة نظر

بعد تصريحاته المثيرة للجدل حول الأحزاب .. وزير سابق يوجه رسالة إلى الجواهري

بعد تحية تقدير واحترام لكم على نجاحهم في تدبير القطاع الهام الذى عينكم على رأسه جلالة الملك نصره الله وأيده.

ولإن كان جل المغاربة يعرفون مسيرتكم كتقنقراطي مررتم بمناصب هامة، بما فيها وزيرا للمالية بنجاح، فإنهم يعرفون أيضا انكم لم تنضموا لحزب سياسي لتساهموا في بناء المشهد السياسي و لتناضلوا من داخله وتطلعوا على إكراهاته وإكراهات منخرطيه الذين، ورغم إصرارهم ومجهوداتهم خارج مهامهم الإدارية وتضحياتهم، غالبا ما يجدون أنفسهم أمام استحالة تحقيق ما يتطلب دورهم الدستوري، والذي يقتضي توفير مئات المقرات وإمكانيات مادية كبرى لضمان التأطير والتكوين والحضور إلى جانب المواطنين بطريقة مرضية، حيث لا توفر الدولة إلا جزءً بسيطا من المطلوب كما انتم تعلمون، ولم تنزل أبدا إلى الميدان الانتخابي ولو بدون انتماء سياسي لتساهموا في جودة المرشحين، و لتلمسوا عن قرب معاناة الساكنة ومعاناة المرشحين أيضا وتسمعوا بأم أذنكم مطالبهم. وباختصار حتى تعرفوا معرفة دقيقة هذا المجتمع.

إن من لم يسبق له أن ناضل من داخل حزب سياسي، واطلع على حجم إكراهاته المادية، يبقى تقديره للأمور نسبي جدا، ويجب وضع كلامكم على الأحزاب السياسية في هذا الإطار. ومن لم ينزل إلى ساحة الانتخابات ويشارك فيها مباشرة، لا يمكن أن يدعي أنه يعرف هذا المجتمع. ولا أدل على ذلك من تصريحات ثلة من رجال السلطة، ومنهم ولاة وعمال قضوا حياتهم المهنية يؤطرون الانتخابات، وأكدوا أنهم لم يعرف حقيقتها حتى أصبحوا مرشحين في استحقاقات انتخابية. فشتان أن تكون داخل المعركة وأن تكون مؤطرا لها أو مشاهدا.

سيدي والي بنك المغرب المحترم:
إن قراءة سريعة في الفصل الأول والفصل الثاني، والفصل السابع من الدستور، تشعرنا بمدى المجهودات الجبارة المعنوية والفكرية والتربوية والمادية التي علينا أن نبدلها معا في تقوية وإعطاء المصداقية والثقة لاحزابنا الحالية والتي ستأتي مستقبلا من أجل تحقيق مبتغى هذا الدستور المتقدم الذي أقر بوضوح أن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية. إن هذا يستوجب بناء أحزاب قوية متشبعة بالديمقراطية تؤطر المجتمع ويشارك في انتخابات تشريعية ينتخب خلالها برلمان يتكفل بالسلطة التشريعية في إطار ما يقوم عليه النظام الدستوري للمملكة من فصل السلط. كما على هذه الأحزاب أن تفرز مجالس منتخبة تحقق للمملكة التنظيم الترابي اللامركزي الذي تم إقراره.

فإن كان اختيار المغرب واضح من خلال ما سلف ذكره، فقد أوكل الدستور المغربي إنجاح وتنزيل هذا التصور إلى الأحزاب السياسية التي عليها التأطير والتكوين السياسي للمواطنين وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام، والمشاركة في ممارسة السلطة على أساس التعددية والتناوب بالوسائل الديموقراطية (وعلى التقنوقراط الذين راكموا التجارب ان يعززوا صفوفها لما في ذلك من فوائد للوطن).

وحتى تكون الثقة ثابتة في الأحزاب السياسية، علينا جميعا، وخصوصا المسؤولين على القطاعات الاستراتيجية في هذا البلد العزيز، أن نتوقف عن تبخيس عمل الأحزاب وعمل السياسيين، وأن نضع التصور اللازم ونوفر ما نحن بحاجة إليه لترميم ودعم الأحزاب القائمة وبناء الأحزاب المستقبلية، بناءً سليما يتماشى ومتطلبات الدستور المغربي، وأن نمكن اللامركزية المغربية من وسائل العمل، لينجز ممثلوا الأمة برامجهم، وفي ذلك نجاة مؤسستنا المنتخبة مما توصف به حاليا من عدم التزامها ببرامجها الانتخابية دون أن تعرف أن هذه اللامركزية لا يخصص لها إلا أقل من 3.6 % من الناتج الداخلي الخام للمغرب مقابل ما يفوق 50% لبعض الدول. وهو امر يجعل مجالسنا المنتخبة غير قادرة على إنجاز ما قدمته من برامج عن حسن نية واقتناع وبالتالي يضعها المواطن خارج مسار الثقة.

وأخيرا، آمل أن تساهم هذه الأسطر في انطلاق تفكير متعدد الابعاد بخصوص احزابنا السياسية ومؤسساتنا المنتخبة التي لا محيد عنها، حيث أعطاها الدستور المغربي دور بلورة اختياراته الديمقراطة.

ادريس مرون، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *