وجهة نظر

يتيم يكتب: لهذا يستحيل تشكيل مجلس النواب قبل الأغلبية

في إطار المناورات المتواصلة لإفراغ اقتراع السابع من أكتوبر من محتواه والالتفاف على نص وروح الدستور يروج البعض لإمكانية انتخاب رئيس مجلس النواب قبل انبثاق الأغلبية الحكومية بدعوى أن المؤسسات الدستورية مستقلة بعضها عن بعض وأنه لا ينبغي أن يرهن بعضها البعض.

ويستشهد البعض الآخر إما عن حسن أو سوء نية، وربما بجهل للمقتضيات الدستورية والقانونية ذات الصِّلة بان استعجالية المصادقة على مشروع قانون يقضي بالمصادقة على قانون الاتحاد الأفريقي هو مبرر لدعوة مجلس النواب من قبل المكتب الموقت لانتخاب رئيس المجلس وتكوين هياكله، ولو أن الأغلبية الحكومية لم يتم إفرازها بعد، ويستشهدون بقرار المجلس الدستوري رقم 955/15 بشأن الفقرة الثانية من المادة 37 من القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة المرتبطة بالاختصاصات المحدودة لحكومة تصريف الأعمال استثنى “ما قد تستلزمه حالة الضرورة من اتخاذ تدابير تشريعية أو تنظيمية لمواجهتها”.

وهو ما يعني أنه إذا اقتضت حالة الضرورة إحالة مشروع قانون معين إلى البرلمان، فبإمكانها ذلك، وفق المسطرة التشريعية.

كان هذا سيكون صحيحا لو كان البرلمان في وضعية عادية بمجلسيه معا ، أي في الحالة التي تكون فيه هياكلهما معا قائمة سواء تعلق الأمر بمكتب المجلس أو اللجن النيابية، والحال أن الأمر ليس كذلك الآن ولا هو ممكن دون انبثاق أغلبية برلمانية.

وحيث إن المنطق الدستوري يجعل الأغلبية الحكومية منبثقة انبثاقا ذاتيا من الأغلبية البرلمانية، وأنه لا مجال لانبثاق أغلبية حكومية إلا عبر تشكيل رئيس الحكومة المعين لتلك الأغلبية، ثم تشكيل الحكومة وعرضها على جلالة الملك لتعيينها ثم تقديم برنامجها الحكومي ليتم تنصيبها برلمانيا، وانه في حالة تعذر تشكيل رئيس الحكومة لتلك الأغلبية، فليس هناك من مخرج سوى حل مجلس النواب والدعوة لانتخابات سابقة لأوانها.

بناء على ذلك فإن الحديث عن انتخاب رئيس مجلس، وبالطبع انتخاب هياكله هو دفع لا يستقيم دستوريا وقانونيا، وحيث إن إحالة مشروع القانون المذكور على مجلس النواب الحالي تتطلب أن يكون للمجلس هياكل، ومن ثم انتخابها ويتعلق الأمر بمكتب المجلس واختيار رؤساء اللجان، فإن ذلك الانتخاب يقتضي أولا انبثاق أغلبية حكومية ومن ثم انبثاق معارضة حتى تتحدد المواقع في تلك الهيكلة، وهي المواقع التي لها محددات دستورية وقانونية (النظام الداخلي لمجلس النواب) ومنها على الخصوص: تحديد مختلف الفرق النيابية هل هي في الأغلبية الحكومية أم في المعارضة!

في هذا الصدد يتعين التذكير بالمقتضيات التالية:

– أولا المقتضيات الدستورية: التي أعطت حقوقا خاصة بالمعارضة ومنها رئاسة لجنة التشريع كما ورد في المادة 10 من الدستور.

– الفصل العاشر من الدستور الذي يحدد حقوق المعارضة ومنها رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع، فكيف يمكن تحديد ذلك دون انبثاق أغلبية ومعارضة؟

وفي الفصل 69 من الدستور ورد ما يلي:

يتعين على المجلسين، في وضعهما لنظاميهما الداخليين، مراعاة تناسقهما وتكاملهما، ضمانا لنجاعة العمل البرلماني.
يحدد النظام الداخلي بصفة خاصة:

– قواعد تأليف وتسيير الفرق والمجموعات البرلمانية والانتساب إليها، والحقوق الخاصة المعترف بها لفرق المعارضة؛

– واجبات الأعضاء في المشاركة الفعلية في أعمال اللجان والجلسات العامة، والجزاءات المطبقة في حالة الغياب؛

– عدد اللجان الدائمة واختصاصها وتنظيمها، مع تخصيص رئاسة لجنة أو لجنتين للمعارضة، على الأقل، مع مراعاة مقتضيات الفصل 10 من هذا الدستور.

ثانيا: مقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب؛ حيث ربط هذا النظام ربطا ضروريا هيكلة المجلس بانبثاق الأغلبية والمعارضة ولا يمكن تصور هيكلة ولا قيام مكتب للمجلس ولا مكاتب للجانه قبل انبثاق الأغلبية الحكومة وتحديد الفرق التي ستتموقع في الأغلبية أو في المعارضة

فى هذا الصدد يتعين الإشارة إلى ما يلي:

– النظام الداخلي للمجلس يعطي الحق للمعارضة في منصب أمين ومحاسب حيث ورد في المادة 14 منه ما يلي:

يتألف مكتب مجلس النواب من:

– الـرئيس؛ – ثمانية نواب للرئيس: النائب الأول، والنائب الثاني، والنائب الثالث، والنائب الرابع، والنائب الخامس، والنائب السادس، والنائب السابع، والنائب الثامن؛ – محاسبان اثنان؛ – ثلاثة أمناء.

تقدم فرق المعارضة أسماء مرشحيها لمنصب محاسب واحد و/أو أمين واحد ولا يحق الترشيح لأحدهما أو لهما إلا نائبة أو نائب من المعارضة.

– النظام الداخلي للمجلس في المادة 44 أعطى للمعارضة الحق في رئاسة لجنتين، وهو ما أكدته المادة 46 من النظام الداخلي مرة ثانية حيث ورد فيها؛

– ينتخب أعضاء مكتب المجلس بالتمثيل النسبي

– يُخصص بالأسبقية منصب محاسب و/أو منصب أمين لا يترشح لهما إلا نائب أو نائبة من المعارضة طبقا للمادة 14 من هذا النظام الداخلي.

وما ورد أيضا في المادة 58 من النظام الداخلي التي نصت على ما يلي:

– ينتخب المجلس رؤساء اللجن الدائمة عن طريق الاقتراع السري في مستهل الفترة النيابية ثم في سنتها الثالثة عند دورة أبريل لما تبقى من الفترة المذكورة تطبيقا للفصل الثاني والستين من الدستور.

– لا يحق لرئيس لجنة دائمة أن يرأس لجنة دائمة أخرى.

– يخصص المجلس رئاسة لجنتين على الأقل للمعارضة تكون من بينهما وجوبا اللجنة المكلفة بالتشريع وفقا لأحكام الفصلين 10 و69 من الدستور، ولا يحق الترشح لرئاستهما إلا لنائبة أو نائب من المعارضة.

– تؤكد المادة 35 والمادة 40 من النظام الداخلي: ضرورة إعلان الفرق عن انتمائها للمعارضة

خلاصة

يتضح من خلال المعطيات الدستورية والقانونية المشار إليها أنه من اللازم أن تتضح خريطة الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية والأحزاب المشكلة للمعارضة وتوضيح معالم الأغلبية الحكومية والأقلية المعارضة قبل انتخاب هياكل المجلس… وهو الانبثاق الذي يتم التعبير عنه من خلال التصويت على رئيس للمجلس من بين أعضاء الأغلبية الحكومية وهي الأغلبية التي ينبغي أن تنتظم حول رئيس الحكومة المعينة المخول للإعلان عن تشكيل هذه الأغلبية وتقديم مقترحات وزراء الحكومة لصاحب الجلالة من أجل تعيينهم.

وبناء على ذلك كله فإنه لا مجال من الناحية الدستورية أو القانونية لتصور إمكانية انبثاق أغلبية برلمانية عن أغلبية حكومية ولا مجال لتصور إمكانية تشكيل هياكل مجلس النواب سواء تعلق الأمر بمكتب المجلس أو تشكيل اللجان ورئاستها قبل تبين معالم الأغلبية النيابية أي الأغلبية الحكومية والمعارضة النيابية.