سياسة

سمسرة وزبونية واختلالات .. تقرير برلماني أسود عن مستشفيات جهة فاس-مكناس

كشف تقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة لبعض المؤسسات الاستشفائية والمراكز الصحية بجهة فاس مكناس، المنبثقة عن لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين، (كشف) عن اختلالات وإكراهات بالمستشفيات والمراكز الصحية المعنية بالمهمة، وعن خصاص مهول في الموارد البشرية بعدد من مستشفيات الجهة، إضافة إلى اختلالات متعلقة بالتكفل بمرضى “كورونا”.

وزار أعضاء المهمة الاستطلاعية التي يترسها المستشار البرلماني عبد العال حامي الدين، كلا من المستشفى الجامعي الحسن الثاني بمدينة فاس؛ والمستشفى الجهوي الغساني؛ والمستشفى الإقليمي بمدينة تاونات؛ والمستشفى الإقليمي ابن باجة بمدينة تازة، والمستشفى الإقليمي محمد الخامس بمدينة صفرو؛ ومركز تصفية الدم بالمدينة نفسها.

كما زار أعضاء اللجنة الاستطلاعية، المستشفى الإقليمي محمد الخامس ومستشفى سيدي سعيد بمدينة مكناس؛ والمركز الصحي بالضويات؛ والمركز الصحي براس الماء؛ وورش المركز الصحي الخاص بالأمراض التنفسية؛ وكذا البقعة الأرضية التي سيقام عليها المستشفى الإقليمي، فضلا عن المستشفى الإقليمي 20 غشت بمدينة آزرو؛ والمستشفى الإقليمي المسيرة الخضراء بمدينة ميسور؛ والمستشفى الإقليمي الأمير مولاي الحسن بمدينة الحاجب.

خصاص حاد

وأشار التقرير الذي تتوفر “العمق” على نسخة منه، إلى النقص الحاصل في الموارد البشرية على مستوى بعض التخصصات المتواجدة في بعض المستشفيات الإقليمية التابعة للجهة، وخاصة في قسم المستعجلات، وقسم الانعاش، ومصلحة الجراحة، ومصلحة طب الأطفال، ومصلحة طب النسا والتوليد، ومصلحة الفحص بالصدى.

وأوضح التقرير البرلماني، إلى أنه على غرار باقي جهات المملكة تعاني جهة فاس مكناس من خصاص كبير في الأطر الطبية 4 أطباء لكل 10 آلاف مواطن، وفي الأطر التمريية 10.8 ممرض لكل 10 آلاف مواطن.

ورصد أعضاء المهمة الاستطلاعية، تفاوتات كثيرة بين أقاليم الجهة، حيث نجد أن عمالة فاس تتصدر الترتيب الجهوي فيما يخص عدد الأسرة المتوفرة مقارنة مع عدد السكان، (11.33 سرير لكل 10 آلاف نسمة) ونفس لاشيء بالنسبة للأطر الصحية بشكل عام 25.81 مهني لكل 10 آلاف نسمة، وهذا راجع لتوفر العمالة على عدد من المستشفيات المكونة للمركزين الاستشفائيين الجامعي والجهوي.

ويعتبر إقليم تاونات، بحسب التقرير، الأكثر خصاصا، حيث يتذيل الترتيب الجهوي في عدد الأسرة 1.3 لكل 10 آلاف نسمة، والمهنيين بشكل عام 8 مهني لكل 10 آلاف نسمة، والأطباء 1.33 لكل 10 آلاف نسمة، والممرضين 5.8 لكل 10 آلاف نسمة.

وخلال زيارة أعضاء المهمة الاستطلاعية للمستشفى الجامعي الحسن الثاني بفاس، تم التساؤل عن الأعطاب التي أصابت جهاز الرنين المغناطيسي IRM، حيث أوضح مدير المستشفى أن هذا الجهاز تم اقتناؤه منذ 2009، ومر على اشتغاله 11 سنة، ويعد الجهاز الوحيد في الجهة، ويعاني من ضغط كبير حيث ينجز 40 فحصا يوميا، مضيفا أن إدارة المركز تعكف على دراسة إمكانية إعادة تأهيله أو اقتناء جهاز جديد.

وأشار المدير، بحسب التقرير ذاته، إلى أن الاكراهات والمشاكل التي يعاني منها المركز الجامعي الحسن الثاني، تتمثل بالأساس في الاكتظاظ، بسبب عدم احترام تراتبية العلاج، حيث أن أغلب الحالات التي ترد على المستعجلات من الجهة أو الجهات المجاورة تعتبر من المستو الأول والثاني.

وفيما يتعلق بالموارد البشرية، فقد أوضح المدير أنه رغم توفر المركز الاستشفائي الجامعي على المناصب المالية الضرورية للتوظيف، إلا أنه سجل خلال السنوات الأخيرة عزوف بعض الفئات المهنية عن المشاركة في المباريات التي ينظمها المركز الاستشفائي.

وخلال زيارة المستشفى الجهوي الغساني، رد مسؤولي الصحة بالجهة على ملاحظات واقتراحات أعضاء اللجنة الاستطلاعية، بخصوص الموارد البشرية، بالتأكيد على ضرورة توفير الإمكانيات المادية والمعنوية لفائدة الأطر الطبية العامة في القطاع العامة، حتى لا تلجأ للعمل في القطاع الخاص.

وسجل التقرير حجم الخصاص الكبير في الموارد البشرية في الوحدات والمصالح الطبية بالمستشفى الجهوي “الغساني”، حيث أن كل وحدة تتطلب على الأقل إضافة طبيبين آخرين من أجل تلبية حاجيات ساكنة الجهة، كما طالب مسؤولي هذه المصالح بضرورة توفير المعدات والمستلزمات الطبية، من أجل تسهيل مهامهم، مع ضرورة توسيع البنية الاستشفائية بكل المستشفيات التابعة لمندوبية الصحة بفاس للتخفيف على مستشفى الغساني.

واكد التقرير، أن نقص مؤسسات الرعاية الصحية الأولية بعمالة فاس هو سبب الضغط المسجل على مستوى المركزين الاستشفائيين الجهوي والجامعي، حيث يتوجه المواطنون مباشرة إلى هذين المركزين من أجل مشاكل صحية يمكن التكفل بها بمؤسسات الرعاية الصحية الأولية.

حقائق صادمة

وخلال زيارة أعضاء اللجنة الاستطلاعية للمستشفى الإقليمي بتاونات، صاح أحد المرضى المصابين بـ”كورونا” من خلال نافذة غرفته ليؤكد للجنة بصوت عال وأمام الملأ أنهم لم يتوصلوا بالدواء ولا بالوجبات الغذائية، كما اشتكى من ضعف النظافة بكل أروقة الجناح المخصص لكوفيد-19، وخاصة الحالة المتدهورة للمراحيض، وهو ما اعتبره أحد مسؤولي المستشفى غير صحيح.

وللتؤكد من هذه الادعاءات، أشار التقرير أن 4 مستشارات تطوعن للوقوف على حقيق الأمر، وقد سجلن عدم مطابقة عدد المرضى المصرح بهم من طرف مدير المستشفى لما كان موجودا بالجناح: 6 مرض بدل الثلاثة المصرح بهم، إضافة إلى عدم مطابقة اللباس الواقي المستعمل من طرف الأطر الصحية للمعايير المستعملة في باقي مستشفيات المغرب.

ووقفت المستشارات على حقائق صادمة منها صحة ما ادعاه المرضى خاصة عدم توفير العلاج والأطل الكافي والمناسب، (تقديم وجبة غير مناسبة بتاتا لمريض بالسكري عبارة عن قطعة خبز بالجبن وكأس شاي بالسكر) والنظافة، إضافة إلى إقامة أقرباء المرضى معهم داخل غرفهم دون حماية ورغم عدم إصابتهم بالوباء.

وسجل التقرير عدم وضوح تصريحات مدير المستشفى فيما يخص التكفل بمرضى كوفيد 19 حيث أكد أعضاء اللجنة الاستطلاعية أن كل المرضى ولجوا المستشفى في اليوم السابق للزيارة، ويسهر على العناية بهم أقرباؤهم بدل الأطر الصحية ولا يحصلون على الأدوية الضرورية حيث يقتنونها من الصيدليات خارج المستشفى، إضافة إلى محاولة المسؤولين التستر على مجموعة من المشاكل خاصة عدم انخراط جميع الأطر الصحية في تقديم الخدمات وتعويضهم بمتعاقدين ومتدربين.

وشدد أعضاء المهمة الاستطلاعية، على ضرورة إضافة طبيبيين لمصلحة الولادة وطب النساء بهذا المستشفى ونقص ملحوظ في بعض المعدات والتجهيزات الطبية في مصلحة طب الأطفال، ونقص في المستلزمات الطبية بمختبر التحاليل الطبية.

وخلص التقرير إلى أن إقليم تاونات يعاني من خصاص مهول في الأطر الصحية حيث لا يتوفر إلا على 8 مهني لكل 10 آلاف نسمة وهو ما يمثل 0.44 من المعدل الجهوي و0.57 من المعدل الوطني، ولا يتوفر إلا على 1.3 طبيب و5.8 ممرض لكل 10 آلاف نسمة.

غياب الأطباء

وبخصوص الوضع الصحي بمستشفى ابن باجة بتازة، تساءل أعضاء اللجنة البرلمانية، خلال اجتماعهم مع مدير المستشفى عن أسباب “غياب بعض الأطباء عن العمل”، إذ لاحظوا أن “هناك 4 أطباء مختصين في الأشعة، ثلاثة منهم دائما في حالة غياب تام، في حين يوجد طبيب واحد يشتغل طيلة الأسبوع”.

وتساءل أعضاء المهمة الاستطلاعية، عن عدم وجود آليات الكشف عن أمراض القلب والشرايين داخل المستشفى، حيث أوضح مدير المستشفى في رده أن “المستشفى كان يتوفر على 3 أطباء اختصاصيين في أمراض القلب والشرايين، لكنهم غادروا جميعا، اثنين لأسباب عائلية والثالث صيني الجنسية انتهت عقدته والتحق ببلده، وحاليا يم الاستعانة بأطباء من صفرو وفاس”.

وفي السياق ذاته، وقفت اللجنة البرلمانية خلال زيارتها للمستشفى الاقليمي بصفرو، عند الخصاص المهول في الأسرة اللازمة للاستشفاء، حيث لا يتوفر إلا على 3,3 سرير لكل 10 آلاف نسمة وهو ما يمثل حوالي نصف المعدل الجهوي وأقل من نصف المعدل الوطني.

وأشار التقرير، إلى ضعف التجهيزات بمجموعة من المصالح خاصة المستعجلات ومختبر التحاليل البيولوجية وغرفة الجراحة بمصلحة طب النساء والتوليد ومصلحة حديثي الولادة والمركب الجراحي، حيث يتطلب الأمر على الأقل إضافة 3 أطباء في كل تخصص، و 4 أطباء على الأقل في تخصص طب النساء والتوليد.

وخلال رده على تساؤلات أعضاء المهمة الاستطلاعية، سجل المدير الجهوي للصحة ضعف كمية الأكسجين المخصصة للمستشفى، لان العرض المتوفر منها غير كاف مقابل الطلب المتزايد، كما صرح بأن بناية المستشفى قديمة جدا، وأن قنوات الماء والكهرباء أصبحت في حالة غير لائقة وهشة، مما يؤدي إلى حدوث أعطاب متكررة من حين لآخر.

أدوية في مسجد المستشفى

وخلال زيارة اللجنة للصيدلية المركزية، تبين أن المصلحة المعدة لصيانة وحفظ الأدوية غير كافية، حيث لوحظ أن مجموعة من العلب الخاصة بالأدوية مخزنة في أجد الجوانب التابعة لمصلحة الأشعة، وبعضها يوجد بالمسجد التابع للمستشفى الذي تم إغلاقه منذ بداية انتشار وباء “كورونا”.

وأكد التقرير البرلماني على ضرورة إعطاء توضيح بشأن أجهزة تم اقتناؤها في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ سنة 2017، ولم يتوصل بها المستشفى الإقليمي لحد الآن، كما طالب بتعيين الأطباء العامين بكل المراكز الصحية المتواجدة في عدد من الجماعات الترابية التابعة للإقليم، والتي يقدر عددها بحوالي 31 طبيبا.

وسجلت اللجنة البرلمانية، في تقريرها، نقصا حادا في الموارد البشرية بكل الأقاليم المندرجة ضمن جهة فاس مكناس، ومعظمها يقترب من سن التقاعد، حيث توجد أكثر من 60 بالمائة يفوق عمرها 50 سنة، مما يطرح مجموعة من الإكراهات خلال السنوات المقبلة.

محسوبية وزبونية

وكشف التقرير جانبا من الاجتماع الذي جمع بين اللجنة ومندوب الصحة ببولمان، حيث عبر أعضاء اللجنة عن أسفهم الشديد بخصوص انسحاب ممثل مستشفى القرب أوطاط الحاج غير المبرر الذي حل متأخرا إلى قاعة الاجتماع، وهو ما اعتبره التقرير “دليل على وجود نوع من التسيب الإداري واللامبالاة، وغياب محاور حقيقي بهذا الإقليم”.

ومن المعطيات المقلقة التي كشفها التقرير أن “القطاع الصحي بهذا الإقليم أصبحت تشوبه المحسوبية والزبونية الحزبية ويتحكم فيه بعض الأشخاص المحسوبين على جهات سياسية معينة، الشيء الذي يؤدي إلى عدم الاستقرار الإداري بمندوبية الصحة بالإقليم، ويعيق ولوج المواطنين للخدمات الصحية خاصة الخدمات الاستشفائية”.

كما تساءل أعضاء اللجنة عن الأسباب الكامنة وراء عدم الارتياح والاستقرار الإداري لمندوبي الصحة وعلاقته بتحكم جهات معينة في القطاع بهذا الإقليم والتسيب الإداري الناجم عنه، مشيرين إلى إشكالية عدم تعويض الأطباء الذين يغادرون الإقليم، والخصاص الكبير في طب الإنعاش والأطباء العام.

المتاجرة بالمواعيد الطبية

وفجر التقرير فضيحة الحصول على مواعيد التطبيب بالمستشفى الإقليمي بميسور، حيث كشف أن هناك شخص معروف لدى الجميع يقوم “بالسمسرة” فيها على مقربة من المدخل الرئيسي للمستشفى، وهو ما أكد المندوب بالنيابة الذي قال لأعضاء اللجنة إنه ” بالفعل، كان هناك شخص يتاجر في المواعيد الطبية، حيث كان يقوم بإعداد لائحة بأسماء المرضى، ويتقدم بها إلى المستشفى من أجل الحصول على المواعيد الطبية، الشيء الذي أدى إلى التصدي له من طرف السلطات المحلية”.

يشار إلى أن هذه المهمة الاستطلاعية للمستشفيات والمراكز الصحية بجهة فاس مكناس، جاءت استجابة للطلبات المقدمن طرف الفرق البرلمانية للعدالة والتنمية والاستقلال، والفريق الاشتراكي والفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي ومجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • هيثم
    منذ 3 سنوات

    هذا أمر ليس بغريب (من شحال هدي).. فمستشفيات مكناس وخصوصا مستشفى محمد الخامس موبوء بالرشوة وأشياء أخرى كثيرة...