وجهة نظر

تأثيرات كورونا على السياسات العمومية بالمغرب

لقد مرت المراحل الأولى من جائحة كورونا في محاولة للخروج من الحجر الصحي ومحاولة إخراج البلاد من الأزمة.

وهي استراتيجية أعطت الأولوية لصحة المواطن على حساب الاقتصاد. وهو خيار اعتبر صائبا في منطلقاته، وحظي بإجماع وتفهم الجميع، لكن، عادت الأولويات الاقتصادية والاجتماعية إلى الواجهة فيما بعد بحدة وبإصرار.

فبعد التأكد من أن الأزمة حادة وشاملة على المستوى الاقتصادي، وأن انعكاساتها على الصعيد الاجتماعي قاسية، خصوصا في هذه الظرفية الخاصة، تركز الثقل وتوجه الاهتمام نحو الدولة ومؤسساتها، لإنقاذ كل ما يمكن إنقاذه: إنقاذ المقاولات من الإفلاس وإنقاذ المواطنين من شبح البطالة وقلة ذات اليد، وحماية العمال من التسريح من العمل ومساعدة الفئات الهشة .

وهذا الخطاب المهيمن والمسيطر موجه للدولة الراعية والحاضنة والموجهة، بضرورة لجوئها الى وضع سياسات عمومية[1] ناجعة متلائمة مع الوضع المحتقن بفعل الفيروس اللعين الحاصل و ذلك مقرونا طبعا بالرفع من ميزانيتها لمواجهة ذات الوضع، لاسيما و ان السياسة العمومية المغربية تفرضها التزامات دولية و خصوصية مغربية مما يستلزمها القيام بابتكار مخططات الإنقاذ والإقلاع مع ما رافقها من ضرورة الرفع من نفقات الدولة بالرغم من انخفاض وتقلص مداخيلها.

وهو ما سيؤدي حتما إلى ارتفاع في العجز وضعف طرق تمويله، إما عبر الضرائب أو الرفع من المديونية أو اعتماد سياسة نقدية مرنة وغير اعتيادية.

فاذا كان المغرب عاش ازمات على جميع الاصعدة بفعل هذا الوباء الفتاك فكيف استطاعت الدولة بسياستها العمومية استيعاب الوضع المشؤوم عبر صناعة قرار تنموي اقتصادي ومالي واجتماعي محكوم محوكم بشروطه الديمقراطية المعلومة بعيدا عن اي تعسف او انفراد قاهر هاضم للحقوق ؟ و اين تتجلى مظاهر تاثير الفيروس السيء الذكر على السياسات العمومية التنموية الحالية و افقها المستقبلي ؟

و تبعا لذلك فانني اود ان اتطرق-  بصدد التفكيك لعناصر هاته الاشكالية محاولين الاجابة عنها جهد المستطاع – الى  مايلي

  • المطلب الاول واقع حال السياسة العمومية اثناء وباء كورونا
  • المطلب الثاني الافق المستقبلي للسياسة العمومية بعد وباء كورونا

-المطلب الاول واقع حال السياسة العمومية ابان وباء كورونا

و ارتئي ضمن هذا المطلب التعرض لجانبين اثنين وهما الجانب المالي و الجانب القضائي علما ان هناك جوانب اخرى تستحق التشخيص في زمن كورونا التي زعزعت السياسة العمومية القائمة للبلاد وذلك من خلال فقرتين كمايلي

  • الفقرة الاولى تشخيص واقع السياسة المالية العمومية في زمن كورونا
  • الفقرة الثانية واقع السياسة القضائية – الالكترونية- العمومية في زمن كورونا

– الفقرة الاولى تشخيص واقع السياسة المالية العمومية في زمن كورونا

عن طريق السياسة المالية يمكن للحكومة التدخل في رسم الحياة الاقتصادية، وذلك من خلال إتخاذ مجموعة من التدابير المهمة وتبني توجهات واضحة، لمواجهة كافة الظروف المتغيرة، بغية تحقيق أثار مرغوبة وتجنب مخاطر واقعة أو توشك على الوقوع.

ولعل من أهم المتغيرات والأزمات الظرفية التي يواجهها العالم هو انتشار وباء كورونا في مختلف انحائه، فهذا الوباء شتت السياسات المالية[2] لجميع الدول التي تفشى فيها، وزعزع أكثر السياسات تماسكا وتصلبا، وقلب توجهاتها المالية رأسا على عقب وأخرجها من مسارها الطبيعي، هذا ما جعل كل الدول تتبنى مسلكا واحدا وتوجها لا بديل عنه ألا وهو كيفية الخروج من حالة الركود التي اصابت مختلف الاقتصادات العالمية.

فالمغرب لم يسلم من التداعيات السلبية لفيروس “كورونا”، في ظل التنامي المستمر لتأثيرات انتشار الفيروس على اقتصادات دول العالم، حيث تكبد الاقتصاد المغربي هو الأخر خسائر مهمة من جراء التوقف الشبه الكلي في شتى المجالات الصناعية منها والفلاحية، والتجارية، ومختلف القطاعات الأخرى.

وقد سارعت  الحكومة المغربية بتوجيهات ملكية والبنك المغربي المركزي ، الى اتخاذ عدة تدابير وإجراءات احترازية، بهدف احتواء التداعيات السلبية للجائحة ومواجهتها[3]، وذلك من خلال تبني سياسة مالية فورية تهدف بالأساس الى دعم الاقتصاد الوطني عبر تبنيها مجموعة من التدابير الاستباقية التي تتمثل أساسا في:

  • أولا – إحداث صندوق خاص بتدبير جائحة كورونا” كوفيد-19

تنفيذا للتعليمات السامية التي تفضل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بإعطائها للحكومة قصد الإحداث الفوري لصندوق خاص بتدبير ومواجهة وباء فيروس كورونا، بادرت الحكومة، بناء على هذه التعليمات الملكية، وعملا بمقتضيات القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، والمادة 29 من قانون المالية للسنة المالية 2020، والمادة 25 من المرسوم 2.15.426 المتعلق بإعداد وتنفيذ قوانين المالية، بإحداث حساب مرصد لأمور خصوصية في 17 مارس 2020، يحمل اسم “الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا “كوفيد-19”.

سيرصد لهذا الصندوق غلاف مالي يقدر بعشرة ملايير درهم، سيخصص بشكل أساسي للتكلفة بالنفقات المتعلقة بتأهيل الاليات والوسائل الصحية، كما أن هذا الصندوق ستكون له المساهمة في دعم الاقتصاد الوطني من خلال دعم القطاعات الأكثر تأثرا.[4]

  • ثانيا – إنشاء لجنة اليقظة الاقتصادية لمواجهة انعكاسات وباء فيروس كورونا

أعلنت الحكومة يوم الأربعاء 11 مارس 2020، عن إنشاء “لجنة اليقظة الاقتصادية” لمواجهة إنعكاسات وباء فيروس “كورونا المستجد” على الاقتصاد الوطني، وتحديد الإجراءات المواكبة، ويقوم بتنسيق عمل اللجنة وزير المالية محمد بنشعبون، وممثلون من 7 وزارات وممثل عن البنك المركزي، و4 منظمات مهنية متعلقة بالبنوك والمقاولات والصناعة والتجارة.تبنت لجنة اليقظة الاقتصادية حزمة من التدابير المهمة التي من شأنها التخفيف على الضغوطات المفروضة على المقاولات والأفراد على حد سواء، ويمكن صياغة هذه التدابير[5] فيما يلي:

  • تالثا – تدابير لفائدة المأجورين

– سيستفيد جميع المأجورين المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في فبراير 2020، المتوقفون عن العمل من طرف المقاولة في وضعية صعبة، من تعويض شهري ثابت وصافي قدره 2000 درهم، بالإضافة إلى التعويضات العائلية وتلك المتعلقة بالتأمين الإجباري عن المرض.

– سيتمكن الأجراء أيضا من الاستفادة من تأجيل سداد القروض البنكية (قروض الاستهلاك وقروض السكن) إلى غاية 30 يونيو 2020.

تدابير لفائدة المقاولات والمقاولات الصغيرة والمتوسطة والصغيرة جدا والمهن الحرة

  • الفقرة الثانية واقع السياسة القضائية – الالكترونية- العمومية في زمن كورونا

ان المتهم ينتظر البث في ملفه و محاكمته خاصة اذا كان في الاعتقال الاحتياطي بفارغ من الصبر مع توفير جميع ضمانات المحاكمة العادلة، وتمتيع المتهم بجميع حقوقه، وخاصة الحضور المادي أمام المحكمة خلال المحاكمة المباشرة التي ينص عليها قانون المسطرة الجنائية. وبناء على الظرف الطارئ المتعلق بالانتشار العالمي لوباء كورونا ووصوله للمغرب.وبناء على إصدار الحكومة لمرسومين [6]بسائر إرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد-19.وبناء على البلاغ المشترك لرئيس المجلس الأعلى لمحكمة النقض وبصفته الرئيس المنتدب للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة ووزير العدل بتعليق الجلسات وتأخير الملفات على الحالة باستثناء قضايا المعتقلين والقضايا الاستعجالية. وبناء على بلاغ مديرية السجون بعدم نقل السجناء إلى المحاكم تفاديا لتفشي وباء كورونا وانتقال ونقل العدوى من وإلى السجن والمحاكم. بدأت المحاكم المغربية في تطبيق تقنية المحاكمة عن بعد في قضايا المعتقلين الجنائية والجنحية، دون إحضار المتهمين المعتقلين إلى مقرات المحاكم، وتعويض الحضور المادي بالتواصل مع المتهمين عن بعد بالمؤِسسات السجنية.

ولما كان لهذا الإجراء ارتباط بشكل المحاكمة، فقد أثار نقاشا واسعا حول شرعيته وقانونيته ومدى ملائمته مع ضمانات المحاكمة العادلة، وتوفير كامل الحقوق التي يتمتع بها المتهم خلال المحاكمة المباشرة.

أثار هذا الشكل من المحاكمة جدلا بين مؤيد لاستعمال هذه التقنية في المحكمات الجنائية والجنحية، التي يكون فيها المتهم معتقلا وبين رافض لاستعمال هذه التقنية

و على العموم فاذا كانت كورونا دفعت الى تفعيل الادارة الرقمية و المحاكمة عن بعد فانها ايضا كشفت عن عيوبها و عن عدم مردوديتها بخصوص توفير حزمة من ضمانات المحاكمة العادلة بما يكفلها الدستور و القوانين الاطار بمعاييرها الدولية طبعا مما يحتاج الى اعادة النظر في ملف المحكمة الرقمية و الاقتناع الوجداني للقضاء و غيرها فيمابعد زمن كورونا مستقبلا

-المطلب الثاني  الافق المستقبلي للسياسة العمومية بعد وباء كورونا

إن أزمة كورونا أظهرت بجلاء الرابط العضوي وأهمية العلاقة الوطيدة التي تربط بين أسس التنمية المستدامة، الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والحاجة إلى إنتاج نموذج تنموي للمغرب يهدف إلى تغيير نمط العيش وتغيير السلوكات والتوجهات خلال فترة ما بعد زمن كورونا، ويمكن المواطن من المشاركة والحصول على حظه من ثروة البلاد ومن حقه في التنمية.

الفقرة الاولى   الافق المستقبلي للسياسة العمومية الاجتماعية

  • اولا  السياسة العمومية الصحية

أن قطاع الصحة يشكو من نقائص عديدة، وبفضل تعزيز المنظومة الصحية، فقد استطاعت بلادنا محاصرة انتشار الفيروس بمجموعة من التدابير، التي ساهمت إلى حد كبير في التخفيف من الضغط على القطاع الصحي، بفضل تعبئة كل القطاعات المدنية والعسكرية والأطباء والممرضين في مواجهة انتشار هذا الفيروس، وبناء المستشفيات الميدانية. وقد أبانت الأطر الطبية على حس عالي من المسؤولية، وقدمت مجهودا كبيرا في مواجهة تفشي فيروس كورونا.

وهذه الأزمة تعتبر فرصة لإصلاح هذا القطاع الاستراتيجي، من خلال تقوية وتعزيز المستشفى العمومي وتشييد مستشفيات جامعية في كل جهة ، بجانب الاهتمام بالوضع المادي والمعنوي للأطباء وللممرضين، وتحسين شروط التكوين والولوج لقطاع الصحة كما ونوعا.

  • تانيا السياسة العمومية التعليمية

كما أظهرت أزمة كورونا بجلاء أهمية قطاع التعليم، الذي تأثر بسبب الجائحة، حيث أغلقت المدارس، والجامعات، والمعاهد، واعتماد التدريس عن بعد، رغم محدوديته وقصوره، خصوصا، وأن العالم القروي ظل في معزل عن التجربة، لأنه غير مكتمل التجهيز والربط، سواء بالشبكة الكهربائية أو بشبكة الأنترنيت.

لذلك فان إنجاح هذه التجربة التي فرضتها الضرورة، رهين باعتماد مقاربة تنموية وترابية عادلة ومنصفة.

ناهيك عن أن قطاع التعليم يحتاج إلى إصلاحات عميقة، تنطلق من الاهتمام بأوضاع نساء ورجال التعليم ماديا ومعنويا، مع تشجيع التعليم العمومي وتقوية البنى التحية، وإعطاء الأولوية للعالم القروي.

  • تالثا السياسة العمومية السوسيو مهنية

خلفت أزمة كورونا أضرارا اجتماعية خطيرة جدا . مما يستدعي وضع قاعدة بيانات تهدف إلى إعادة تشخيص الواقع الاجتماعي بناء على المعطيات التي أفرزتها هاته المرحلة، مع وضع خطط طموحة لإدماج القطاع الغير المهيكل في المنظومة الاقتصادية، وتقوية الاستثمار العمومي، وجعله قاطرة لجر باقي القطاعات. كما أن أزمة جائحة كورونا أظهرت أهمية إحياء الدولة الاجتماعية الراعية لمواطنيها، والتي تراهن على العدالة الاجتماعية والترابية.

الفقرة الثانية الافق المستقبلي للسياسة العمومية الصناعية

منذ بداية الأزمة، تعرضت الاقتصاديات العالمية لضغوط كبرى ولصعوبات كبيرة في تزويد الأسواق من المواد والمنتجات الصناعية.

وبلادنا مؤهلة لتبوئ مكانة هامة والتموقع في هذه الدينامية، إذا عرفنا كيف نقترح عرضا دوليا تنافسيا، وبسرعة وبطريقة استباقية وتوقعية، لما بعد الجائحة. وهو ما يستدعي التموقع الجيد في سلاسل القيمة العالمية، حيث أصبحت هذه السلاسل السمة الغالبة للتجارة والاستثمار العالميين، حيث تشكل أكثر من ثلثي السلع و70% من الخدمات المتداولة في جميع أنحاء العالم.

لذا فاني ارى معالجة الفقرة هاته من خلال المستويات التالية خطة تحديد الاولويات الاستراتيجية و ديبلوماسية الوحدة القارية و الافريقية و الخطة الرقمية

اولا  خطة تحديد الاولويات الاستراتيجية و ديبلوماسية الوحدة القارية و الافريقية

       ا- خطة تحديد الاولويات الاستراتيجية

تساعد كل التحاليل على إدراك جيد بأن جائحة كورونا هي مناسبة لوضع خارطة طريق لإصلاحات اقتصادية كبيرة، من خلال بناء اقتصاد وطني تضامني يعتمد على دعم الإنتاج وخلق فرص الشغل، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، والحذر من النظام الرأسمالي الفاقد لكل مصداقية، والذي لا ينتج إلا الفقر بجانب المخاطر.

وهي فرصة كذلك لإعادة النظر في المنظومة الجبائية لجعلها أكثر تحفيزا على الإنتاج والإبداع، وكذلك دعم المقاولات لتتمكن من الاستثمار في الرهانات التكنولوجية، ودعم تكوين الموارد البشرية، وتقوية الرأسمال التكنولوجي.

وقد تساعدنا هذه القراءات والتحاليل على أن ندرك جيدا ما على المغرب فعله لاستغلال وحسن توظيف ما تحقق من ايجابيات على مستوى الريادة، وتوظيف الوزن القيادي للمغرب قاريا ودوليا، ليس فقط على مستوى تدبير الأزمة الصحية بحذر، ولكن كذلك على مستوى تجنيد الآلة الصناعية، بالبرهنة عمليا، بأن دول الجنوب قادرة على بناء قدرات صناعية واعدة، من قبيل إنتاج أدوات طبية وصنع آلات دقيقة، مع التدبير اللوجيستيكي للحاجيات الآنية في زمن الأزمات.

فهذا الانسجام بين مكونات المجتمع، الذي برهن عنه المجتمع المغربي، يمكن تحويله إلى مسار صناعي قوي يدمج ضمن النسيج الصناعي الوطني،

ان الخيارالمغربي الطموح هو الذي يقوم على جعل الصناعة الوطنية قائمة أكثر فأكثر على القيمة المضافة العالية، بل وجعلها ترتكز أساسا على قيمة الرأسمال البشري كراسمال لامادي[7] تماشيا مع رؤية المشروع النموذجي التنموي الجديد الذي اشرف عليه شكيب بنموسى.

وعموما، فرغم ضرورة توخي الحذر، لأن التحاليل تتناسل، والقراءات تتعدد، إلى حد التخمة، حول سيناريوهات ما بعد الجائحة، فمعظم الآراء تتوحد حول إقدام العالم على مرحلة من عدم التيقن والشك، والارتباك القوي . مما سينتج عنه تدمير لقيم ولمعايير ولمنظومات قائمة  لتحل محلها، بعد جائحة كورونا، قيم ومعايير جديدة.

        ب- ديبلوماسية الوحدة القارية و الافريقية

للقارة الإفريقية، ومعها المغرب اليوم، ميزة أساسية، وهي التعود على فترات الشك والارتباك ، وليونة منظوماتها، وعدم ارتباطها القوي بالتكنولوجيا وغيرها… مما يجعلها قادرة على التأقلم السريع مع المستجدات والتحول بسرعة من مسار تنموي إلى آخر.

ونحن نتحدث اليوم عن هذا التحدي القاري، وموقع المغرب فيه، نستحضر الخطاب الملكي في أبيدجان في فبراير 2014 ، والذي يركز على إيمان المغرب بقدرات القارة الإفريقية وبإمكانياتها المادية والبشرية، ويراهن على قدرتها على تطوير آليات الاشتغال على المستويات التي تسمح بخلق قوة اقتصادية واعدة.

وأن المبادرة الإفريقية للتنسيق لما بعد كورونا، والتي تجمع المغرب وكوت ديفوار والسينغال، من شأنها أن تشكل خارطة طريق لإفريقيا الواثقة في قدرات أفريقيا.

وأن النجاح في تدبير الأزمة سينطلق حتما من حسن تدبير الأزمة وطنيا، لكن، من قدرتنا كذلك على أن نكون قدوة على المستوى القاري.

وأن هذه المكانة القارية التي نتطلع إليها، ستحفزنا لا محالة على بذل مزيد من الجهد، اعتمادا على أربع عناصر رئيسية، قائمة على: الطموح والبراغماتية والثقة والتعبئة.

لقد تعلمنا من هذه الجائحة كيف نحترم أنفسنا أولا، وكيف نثمن عمل وأداء العاملين في قطاع الصحة، وغيره من القطاعات الاجتماعية العمومية، التي عليها أن تحظى باهتمام لائق، ماديا وبشريا.

وعلينا الحرص على أن تظل هذه الشعلة الإبداعية التي أشعلتها أزمة كورونا، متقدة ومشعة بعد الأزمة، لتكون محفزا على حسن الأداء، وإذكاء الحماس الضروري في قلب المجتمع.

فبقدر اقتناعنا بأن الحذر في مواجهة الإكراهات الصحية كان ضروريا، فلا نفهم الحذر المفرط الذي تتبناه الدولة في خيارات وسيناريوهات تمويل العجز ، الناجم عن الرفع من نفقات الدولة في ظل انخفاض مداخيلها.

ويبقى الحل الأمثل يكمن في الرفع من الضرائب، كحل مناسب، لكن، يتبين من خلال التجربة، بأن هذا الخيار سيبقى قليل الفعالية، في ظل غياب إصلاح ضريبي حقيقي. والإصلاح الضريبي، حتى ولو ورد اليوم في الأجندة الحكومية، فهو لن يؤدي إلى نتائج في الأمد القصير.

وخيار المديونية، من جهته صعب ومحفوف بالمخاطر، بالنظر إلى مستوى المديونية، الذي وصل إلى نسبة تفوق 90%من الناتج الداخلي الخام. فالهامش محدود في هذا المجال.

وهذا ما جعل الكثيرين يرون أن مراجعة السياسة النقدية نحو مزيد من المرونة ، هو أمر تفرضه الوضعية الراهنة، باعتبار الدور المركزي لبنك المغرب كفاعل رئيسي في عملية التمويل ، واعتبارا لمركزه المستقل عن الجهاز التنفيذي، الذي له وحده صلاحية السياسة النقدية تتطلب منه ألا يجعل من استقلاليته وهيمنة قراراته المالية قيدا أو فرملة للقرار السياسي للجهاز التنفيذي، خصوصا في هذه المرحلة الاستثنائية، وتجعل الجهاز التنفيذي غير قادر على تنفيذ سياساته أو يكون ملزما بتقييد توجهاته الاقتصادية والمالية، والتي على أساسها سيحاسب. وهو ما يطرح إشكالية ديمقراطية بنيوية.

فإذا كان الكل مقتنعا بأن تمويل خزينة الدولة هو منطلق الرفع من الإنتاج وتحفيز الطلب الداخلي والرفع من الاستثمار العمومي ومن فرص الشغل، فرفع الدعم الموجه للمقاولات لترفع من جهتها من إنتاجها ومن خدماتها هو ما سيساهم في خلق توازن جديد بين التمويل والإنتاج.

  • تانيا الخطة الرقمية كرهان مستقبلي قوي لسياسة عمومية مغربية متكاملة و فعالة لما بعد كورونا

إن تثمين وتوظيف الوزن الريادي والقيادي للمغرب قاريا ودوليا، لا يمكن تحقيقه دون تحقيق طفرة نوعية في المجالات الرقمية [8] .

ورغم الصعوبة القائمة لتحقيق قفزة رقمية كاملة في أقرب الآجال، إلا أن الإستراتيجية الوطنية في التحول الرقمي تبدو مقاربة مقبولة لتحقيق أهداف التنمية، ومن شأنها أن تمكّن مؤسسات التمويل من إدارة أعمالها بشكل يضمن لها الربحية والإنتاجية الفعالة مع تخفيف المخاطر.

هذه الإستراتيجية التي تستهدف تحقيق التحول الرقمي للاقتصاد الوطني، وتقوية مكانة المغرب كقطب رقمي جهوي، وإزاحة العوائق البنيوية وبالخصوص المتعلقة بالحكامة والتأهيل البشري.

فالرهانات الاقتصادية والاجتماعية مرتبطة بحسن الأداء وتطوير القدرة التنافسية، وكلها رهانات تصبح ميسرة بتسريع التحول الرقمي، المشجع للابتكار في المنتجات والخدمات وطرق الاشتغال، بهدف تحسين وسائل الإنتاج، وتقليل الوقت اللازم للتسويق، مما يضفي مرونة داخل فرق العمل.

لكن، لا يجب إغفال أهمية عناصر الربط بشبكة الإنترنيت والحماية من الهجمات السيبرانية وحماية المعطيات الشخصية، بجانب عنصر الخدمات الحكومية الرقمية .[9]

وأن جائحة كورونا أبانت عن هوة رقمية بين المدن الكبرى وباقي الجهات،   وبين المجالين الحضري والقروي.

مما جعل تعميم التمدرس عن بعد صعب المنال.[10]

خاتمة

اذا كان هذا فيض من غيض قد قدمناه مشخصين وضعية وواقع السياسة العمومية للمغرب بخصوص الوضع الوبائي الفتاك و قدمنا بعض الرؤى الممكن الاستفادة منها على مستوى المستقبل فاننا نحتاج الى المفهوم التشاركي و القرار التنموي الشمولي و الديمقراطي البعيد عن الاملاءات الخارجية فضلا عن دعوتنا الى ضرورة الاعتماد على إمكانيات حكومتنا المغربية في شخص مختلف مؤسساتها بمافيها الجماعات الترابية  وطموحات من انتخبوها في مجال التنمية والرقي بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.

[1]   محسن الندوي تقديم ادريس لكريني  مفاهيم اساسية في السياسات العمومية  نشره المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية و العلاقات الدولية 2017

[2] -اليوسفي ياسين وباء كورونا و مدى تاثيره على لالسياسة المالية المغربية نشره المركز الديمقراطي العربي على الرابط الالكتروني الاتي  https://democraticac.de/?p=66970

[3]  وبهدف الخروج ايضا من حالة الركود التي أصابت السياسة المالية بالمغرب وذلك لسلبياتها المتعددة والمتمثلة في إنخفاض حجم الإنفاق الكلي الأمر الذي يؤدي إلى نقص حجم الطلب الكلي في مواجهة العرض الكلي، مما يؤدي إلى الإنخفاض في المستوى العام للأسعار وتبدأ بعدها حركة البطالة في الازدياد، مما يولّد ضغوطاً مستمرة لتخفيض الطلب الكلي باستمرار ويتعمق الركود تدريجياً حتى يصل إلى حالة الكساد الاقتصادي

[4]  الى جانب ان هناك مؤسسات اخرى ساهمت في دعم الاقتصاد الوطني و انقاذ السياسة العمومية المبرمجة قبل كورونا بالمغرب و منها دور المؤسسة البنكية ممثلة في البنك المركزي المغربي بشان تخفيظ  أسعار الفائدة لمواجهة تبعات كورونا

فعلى إثر التطورات الاقتصادية بسبب تفشي الفيروس، توقع البنك المركزي المغربي في 17 مارس 2020، أن تتراجع نسبة النمو عند 2.3 بالمئة في 2020، مقارنة مع 3 بالمئة في 2019.

وكان قد اشار البنك المركزي، بان توقعات نسبة نمو الاقتصاد المحلي، تبقى محاطة بقدر كبير من الشكوك، وقابلة للتخفيض، إذا لم يتم إحتواء تفشي الفيروس في أقرب الآجال، لهذا قرر البنك المركزي المغربي في اجتماع مجلسه الأول خلال هذا العام، تخفيض سعر الفائدة الرئيسي بواقع 25 نقطة أساس، إلى 2 بالمئة بدل 2.25 بالمئة، بسبب تبعات كورونا والأوضاع المناخية.

فيما قال البنك المركزي المغربي، إنه حصل على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، لمواجهة تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد.

[5]  ومنها ايضا تعليق أداء المساهمات الاجتماعية إلى غاية 30 يونيو 2020.

– تأجيل سداد القروض البنكية وتلك المتعلقة بقروض الإيجار حتى 30 يونيو بدون أداء رسوم أو غرامات.

– تفعيل خط إضافي للقروض تمنحها البنوك ويضمنها الصندوق المركزي للضمان.

تدابير ضريبية

وتشمل الإجراءات المتعلقة بالضريبة، والتي أقرتها السلطات المغربية، استفادة الشركات التي تقل معاملاتها للسنة المالية لسنة 2019، عن 20 مليون درهم، من تأجيل وضع التصريحات الضريبية (وثائق تبين أداء الضريبة) حتى نهاية يونيو المقبل”.

كما تقرر أيضا، تعليق المراقبة الضريبية، للشركات الصغرى والمتوسطة، حتى 30 يونيو 2020.

  • تعديل قانون المالية بسبب “كوفيد-19″

بسبب جائحة كورونا، تم التأثير على جميع التوقعات التي كانت مدرجة في قانون المالية لسنة 2020، وتضررت قطاعات حيوية في تنشيط الاقتصاد المغربي من وضع حالة الطوارئ، هذا ما يجعل الحاجة ملحة الى قانون مالية تعديلي إذ تعتبر القوانين المالية المعدِّلة بمثابة تصحيحٍ وتعديلٍ للسياسة المالية التي توقعتها الدولة في قانون مالية السنة الأصلي بفعل وقوع مستجدات غير منتظرة أثرت بشكل كبير على المالية العمومية داخل السنة المالية.

وتهدف القوانين المالية المعدِّلة تجاوز مختلف التداعيات المالية الطارئة وإدخال إجراءات استعجالية مع ما يتطلب ذلك من تعديل التقديرات  المتعلقة بالإيرادات أو بالنفقات أو خلق إيرادات جديدة.

هذا جعل وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، تجري صياغة مشروع قانون مالية معدل، سيشمل تحيين الفرضيات التي تم اعتمادها لإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2020، كما أعلنت الوزارة أنه تم وضع توقعات جديدة، أخذا بعين الاعتبار تأثير الأزمة على عجز الميزانية وميزان الأداءات والدين.

[6] الأول رقمه 292-20-2 بتاريخ 23-3-2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ وإجراءات الإعلان عنها، والمرسوم الثاني رقم 293-20-2 بتاريخ 24-3-2020 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية

[7] يراعي فيه الفئات العمرية الشابة و الحيوية و صناعة النخبة و التمثيليات المسؤولة

انظر     -محمد زين الدين،”إشكالية تجديد النخب بالمغرب”،مجلة فكر ونقد،العدد 81-2006،ص:2.

و انظر مقال للباحث رضوان سند في قضية الهجرة الدولية منشور بجريدة هنا 24  على الرابط الالكتروني الاتي https://hona24.net/43670

 

[8] وقد رصدت العديد من المؤسسات الوطنية والدولية تأخر المغرب في المجالات الرقمية على الصعيدين العالمي والإقليمي، بعد احتلاله الرتبة 56 في التصنيف العالمي لجودة الحياة الرقمية، والذي شمل 65 دولة (سنة 2019).

[9] خصوصا وأن بلادنا أصبحت تتوفر على إطار مؤسساتي متكامل، يتعلق بالأمن السبيراني والتحكم في رهاناته، بمصادقة مجلسنا على القانون 05.20 المتعلق بالأمن السيبراني.

[10]      مما يستدعي الرفع من سقف الطموح والعمل على تدارك الفوارق التي راكمتها الحكومة منذ سنة 2012، بعد التخلي عن متابعة مجموعة من البرامج التي سبق أن صنفت المغرب في مراتب متقدمة على الصعيدين القاري والإقليمي.

ولا مجال للقول بتعليم ناجع فعال  في ظل التقليص من الميزانية المرصودة للقطاع التعليم بالمغرب، ولابد من العودة الى إعداد حلول تعليمية مبتكرة لتنمية الكفاءات اللازمة لمهن صناعة الغد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *