سياسة

مهمة استطلاعية تفضح وزارة الصحة .. محاباة شركات وصفقات بالملايير خارج القانون

كشفت تقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة حول الصفقات التي أبرمتها وزارة الصحة في ظل جائحة “كورونا”، عن جملة من الخروقات القانونية التي ارتكبتها الوزارة، خصوصا ما يتعلق باحترام القوانين المؤطرة للترخيصات المطلوبة لتسجيل الشركات والبضائع على حد سواء، والتمييز السلبي بين الشركات عند معالجة طلبات التسجيل، وعدم احترام قواعد المساواة وتكافؤ الفرص عند إبرام الصفقات.

ووفقا للتقرير الذي تتوفر “العمق” على نسخة منه، فقد صرح وزير الصحة، أنه تم تمويل 333 صفقة من الحساب الخصوصي لمواجهة “كوفيد-19″، كما تم إجراء 159 صفقة من ميزانية الاستثمار الخاصة بوزارة الصحة بمبلغ اجمالي ملتزم به 1.433.790.318.18 درهم (أزيد من 140 مليار سنتيم).

وأشار الوزير، إلى أنه تم إجراء 174 صفقة من الاعتمادات المالية الخاصة بالحساب الخصوصي لجائحة “كوفيد” بمبلغ اعتمادات مالية إجمالية ملتزم بها 1.024.708.142.68 درهم (ما مايفوق مليار درهم)، تضاف إليها تحويلات للوكالة المغربية للتعاون الدولي بما مجموعه 90 مليار سنتيم، وهو ما يجعل الاعتمادات المالية الملتزم بها ضمن الحساب الخصوصي المتعلق بمواجهة كوفيد-19 تصل إلى أزيد من 180 مليار سنتيم.

ازدواجية وتمييز سلبي
سجل أعضاء المهمة الاستطلاعية، امتناع مديرية الأدوية التابعة لوزارة الصحة عن تزويد اللجنة بالبيانات الضرورية، وتكرر ذلك الأمر منذ اعتزام المهمة الاستطلاعية البدء في أشغالها يناير 2021، وهو ما اعتبرته اللجنة “تصريحا ضمنيا بصحة الملاحظات الجوهرية المثارة بخصوص إشكال ازدواجية تعامل الوزارة مع طلبات التسجيل وضرب قواعد المنافسة الحرة والنزيهة، وغياب الترخيصات القانونية المتطلبة في الشركات المتعاقد معها”.

وشدد التقرير على أن علمية تسجيل الشركات تعتبر شرطا مبدئيا لتمكين المقاولات من الاشتغال في سوق الدواء والمستلزمات الطبية، مضيفا أن المهمة الاستطلاعية وقفت على عدة إشكالات تتعلق بكيفية تعامل الوزارة (مديرية الأدوية والصيدلة) مع الطلبات الواردة عليها.

وأشار التقرير البرلماني إلى أن عددا من المقاولات استفادت من صفقات تفاوضية حتى دون أن تتوفر على التصريح القانوني المحدد في المادة 7 من القانون المنظم للمستلزمات الطبية، مبرزا أن حرمان شركات أخرى من الترخيصات الاستثنائية خلال فترة الجائحة يؤكد بشكل لا لبس فيه وجود شبهة محاباة بعض الشركات على حساب شركات أخرى في التعاقدات المتعلقة بالطلبيات العمومية.

خرق قانوني ومحاباة
وترى اللجنة البرلمانية، أن هذا الخرق القانوني الواضح للمبادئ والقواعد الأساسية لإبرام الصفقات العمومية يفترض، إذا ما تأكد أن تترتب عليه مسؤولية قانونية، كما يضرب في الأساس مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المقاولات، وهو مبدأ دستوري حرصت المملكة على تضمينه في الوثيقة الأساسية للدولة.

وكشفت اللجنة، لجوء الوزارة عند تعاقدها مع الموريدن لتسريع مساطر الترخيص الاستثنائي المنصوص عليه في قرار وزرة الصحة، وإصدار ترخيصات مستعجلة أو لاحقة على إبرام الصفقة لفائدة الشركات المستفيدة، في حين أن جزءا كبيرا من المهنيين كانوا يحتجون باستمرار على تجميد وتعطيل ملفاتهم لدى مديرية الأدوية والصيدلة مما تسبب في حرمانهم من المشاركة في هاته الطلبيات العمومية.

وقدمت المهمة الاستطلاعية مثال على ذلك بالمعاملة التفضيلية التي حظيت بها إحدى الشركات، والتي حصلت على شهادة تسجيل المستلزم الطبي الذي طلبت تسجيله قبل أن تحصل هي نفسها على الترخيص القانوني لممارسة عملها في مجال المستلزمات الطبية، كما تبين أن الشركة حصلت على شهادة تسجيل الكمامات الجراحية بتاريخ 22 أكتوبر 2020 وهو التاريخ الذي لم تكن فيه هاته الشركة قد حصلت بعد على التصريح القانوني للاشتغال في مجال المستلزمات الطبية، هذا الامتياز، يضيف التقرير، الممنوح لهاته الشركة يعتبر خرقا ومخالفة صريحة للمادة 12 من القانون المذكور سالفا.

واستحضر التقرير نماذج أخرى لهذا التعامل عبر آلية الترخيص الاستثنائي لتسويق أو لاستيراد عدد من التجهيزات أو المسلتزمات، من قبيل الترخيص الاستثنائي الممنوح لشركة بعينها لتسويق المعقمات الكحولية بصفتها تندرج في إطار المستحضرات الطبية، وهو ما كان موضوع الترخيص رقم 60 UPCHC/DMP بتاريخ 5 يونيو 2020، وهو ما مكنها من الحصول على مجموعة من الصفقات التفاوضية مع وزارة الصحة.

في حين أن عشرات الشركات الأخرى، يضيف التقرير، كانت تنتظر قبل ذلك الحصول على الترخيص الاستثنائي من مديرية الأدوية بالوزارة، وهو ما يعني حرمانها من الولوج للسوق الداخلية وتسويق هذا المنتج الذي كان يعاني من الندرة، خاصة في ظل ما يروج من شح مادة الكحول بالسوق الداخلية آنذاك.

وأورد التقرير نماذج واضحة ودالة على ذلك، ويتعلق الأمر بالتعاقد مع شركات غير مرخصة، وغير مسجلة، وغير مسموح لها بممارسة نشاطها في سوق المستلزمات الطبية والمواد المماثلة لها، وذلك عبر إبرام صفقات معها لاقتناء مواد أو مستلزمات ذات مخاطر عالية وحساسية بالغة، وكمثال على ذلك الصفقة رقم 60 بمبلغ 727 ألف درهم والصفقة رقم 61 بمبلغ 1.3 مليون درهم، والصفقة رقم 62 بمبلغ 576 ألف درهم.

صفقات خارج القانون
قالت المهمة الاستطلاعية إنه بالرغم من أن القانون يمنع المقاولات غير المصرح بها وغير المسجلة لدى وزارة الصحة من الاشتغال في سوق الدواء المستلزمات الطبية، إلا أنها وقفت على خروقات واضحة في هذا المجال، ولاحظت عدم حصول عدد من الشركات المتعاقد معها على الترخيصات الضرورية المنصوص عليها في المادة 7 من القانون المذكور أعلاه، في حين أن عشرات الشركات المسجلة دلى وزارة الصحة بشكل قانوني كانت محرومة من الولوج للطلبيات العمومية.

وتطرقت المهمة الاستطلاعية لوضعية شركة بعينها، والتي حصلت على شهادة تسجيل المستلزم الطبي الذي طلبت تسجيله والمتعلق بالكمامات الجراحية بتاريخ 22 أكتوبر، وهو التاريخ الذي لم تكن فيه هاته الشركة قد حصلت بعد على التصريح القانوني للاشتغال في مجال المستلزمات الطبية.

ووقفت اللجنة البرلمانية على حالات كثيرة لشركات تمكنت من المساهمة في الطلبيات العمومية وتزويد الوزارة بالمستلزمات الطبية رغم أنها لم تكن أصلا مصرح بها قانون كشركات عاملة في هذا المجال، كما أكدت وزارة الصحة خلال اجتماع لها مع أعضاء المهمة أن تعاقدت بالفعل مع شركات غير حاصلة على الترخيصات الضرورة.

تبرير غريب
لكنهم وفي تبرير غريب ومخالف للقانون، يضيف تقرير المهمة الاستطلاعية، “أرجعوا ذلك لحالة الاستعجال ولقيام هاته الشركات بتوريد مواد وتجهيزات ومستلزمات طبية تم تسجيلها سابقا من قبل شركات أخرى لدى وزارة الصحة، وهو أمر لا يبرر قانون أشغال شركة غير مسجلة لدى وزارة الصحة بالاشتغال أصلا في سوق المستلزمات الطبية”.

وأشارت المهمة الاستطلاعية، إلى امتناع وزارة الصحة ومديرة مديرية الأدوية عن الجواء على مراسلاتها والتجاوب مع الاتصالات المباشرة المتعددة، مشددة على أن إبرام الوزارة لصفقات تفاوضية مع عدد من الشركات غير المرخص لها وفق أحكام المادة 7 من القانون المذكور، يعتبر مخالفة صريحة للقانون ولصحة وسلامة المساطر القانونية الواجبة بهذا الخصوص.

وأكدت أن هذا التعاقد ذو مخاطر عالية، ومن شأنه تعريض صحة وسلامة المرض والأطقم الطبية وعموم المواطنين لمخاطر اقتناء هاته المنتجات من شركات تشتغل بشكل غير قانوني، ولم تخضع لمساطر وإجراءات المراقبة القبلية من قبل وزارة الصحة لقدراتها التقنية والفنية ولنوعية التجهيزات التي تتوفر عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • الدكتور عبدالرزاق
    منذ 3 سنوات

    الذي تجب معرفته هو أن الشركات القديمة التي تنشط في مجال المستلزمات الطبية رفعت أسعارها الى أثمان خيالية استغلالا للوباء... تصوروا: القناع الطبي الذي كان ثمنه مثلا 3,45 أصبح بمناسبة كورونا 19,34 في أبريل 2020 فهل تريدون استنزاف المال العام بمثل هذه الطؤيقة... الكحول الطبي مثلا ضاعفت تلك الشركات ثمنه 15 مرة؟؟؟