وجهة نظر

“حي على الجهاد”

مصطفى كرين

رعب حقيقي يتملك التحالف الأوروبي الأمريكي هذه الأيام من الزحف المهول للصين، سياسيا واقتصاديا وجيواستراتيجيا.

فوزير الخارجية الفرنسي، وفي اليوم الوطني لبلاده لهذه السنة 14-7-2021، لم يجد لا الوقت ولا “المورال” للاحتفال إلى جانب الرئيس ماكرون بـ “مجد” فرنسا، إن كان ما يزال هناك من مجد يذكر، بل كان في واشنطن لـ “يشكو لها”، بالنفاق الدبلوماسي الفرنسي المعهود والمشهود، كون الصين التي يعتبرها في آن واحد “شريكا” ضروريا للعالم الغربي و”خصما” له، قد “تغيرت” ولم تعد هي تلك الصين التي استعمرها الفرنسيون وعبثوا بشعبها وخيراتها مدة طويلة، مستشهدا في ذلك بخطاب الرئيس شي جين بينغ خلال مئوية الحزب الشيوعي الصيني الذي اعتبره “ذو محتوى عدواني” وأن لبكين “أهداف هيمنة” (على عكس فرنسا وأمريكا مثلا) ومتأسفا على كون أوروبا والغرب عموما قد أبطأوا في استيعاب هذا التطور “حتى أصبحت الصين منافسا استراتيجيا واقتصاديا” و”خصما”.

لودريان الذي كان يتكلم ويا للغرابة من مؤسسة كارنيغي “للسلام” الدولي، (لست متيقنا بالمناسبة من فهم معنى كلمة السلام الدولي هنا) اعتبر ضمنيا من جهة أخرى أن إقامة علاقات طبيعية مع روسيا، لا تمليها ضرورات “السلام الدولي” بل فقط الخوف منأن “رفض التحدث مع روسيا يقودها شرقا” حسب كلامه، أي في اتجاه الصين، مستشهدا بـ “التقارب العسكري مع الصين” في الأشهر الأخيرة، حيث إن السيد وزير خارجية فرنسا، التي أصبحت فعليا “الرجل الأوروبي المريض”، يستغرب من رد الفعل الطبيعي والضروري في تصوري، الذي طوره التحالف الصيني-الروسي على” القمة التي قادت الرئيس الأمريكي إلى لندن وبروكسل منذ أسبوعين والتي كانت تخطط بشكل علني ضد التحالف المذكور.

ولم يقتصر الأمر على فرنسا بل إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تعيش آخر أيامها على رأس المستشارية “حجت” بدورها إلى واشنطن، متناسية كيف تجسس الأمريكان على هاتفها ( وهو أمر لم تفعل الصين ولا روسيا نظيرا له) لمناقشة الملفات ذات “الاهتمام المشترك”، وكل المؤشرات تدل على أن الأمر لا يخرج خلال هذه المحادثات عن التنسيق في مواجهة محور الصين-روسيا، وخصوصا بعدما أصبحت ألمانيا ومعها العديد من الدول الأوروبية رهينة للغاز الروسي في الشمال ولإرادة تركيا في الجنوب والشرق.

تكتمل الصورة حين يخرج نائب الرئيس الأمريكي السابق “مايك بنس ” ليصف الصين بأنها في طريقها لأن تصبح “إمبراطورية الشر” الجديدة، والسبب حسب قوله هو أنها أصبحت “تشكل خطرا على الولايات المتحدة الأمريكية” بما يوحي بأن هذه الأخيرة هي “إمبراطورية الخير”، وهكذا سيتم تصنيف الدول والحكومات من الآن فصاعدا طبقا لهذا التناظر بين “الخير” ممثلا في أمريكا و”الشر” ممثلا في الصين، كما تراهما أمريكا، وبالتالي أصبحنا عمليا في قلب حرب لا يبدو لي أنها ستبقى باردة مدة طويلة.

ما يعنينا في هذه المعادلة هو الذكاء الذي يتم بواسطته الزج بالمسلمين مرة أخرى في حرب لا تعنيهم في شيء وتحويلهم إلى وقود لنيران صراع مدمر على وشك الاشتعال، فتزامن انسحاب أمريكا من أفغانستان وسيطرة طالبان على البلاد، على أبواب المجال الحيوي جيوستراتيجيا بالنسبة لروسيا من جهة، واستمرار أمريكا في محاولاتها لتعبئة مسلمي الصين ضد بلادهم من خلال ادعاء تبني قضية الإيغور، الملفقة أصلا من جهة ثانية، وانسحاب فرنسا من مالي لترك المجال أمام الحركات الجهادية المتطرفة على مشارف مناطق تواجد الجيش الروسي في إفريقيا الوسطى من جهة ثالثة، كل هذه الأحداث المتشابهة والمتزامنة بشكل غريب، لا تدل على صحوة ضمير دول قوتها اليومي يقوم على الاستعمار بمختلف أشكاله، بل تؤشر على أن عملية توظيف الإسلام في صراع القطبين (كما حدث عهد الاتحاد السوفياتي) تجري على قدم وساق، في غفلة وسبات من الشعوب الإسلامية التي لا تفهم هذه المخططات وتنساق كالقطعان وراء عاطفتها نحو حتفها ومزيد تخلفها.

ولذلك أنتظر وأتوقع عودة حملات التجنيد وقوافل “الجهاد” لنُصرة “المسلمين في الجوار الروسي والشمال الصيني والغرب والقرن الإفريقي، وبالتالي عودة الإطار المرجعي والأيديولوجي لكل هذا العبث وبالتالي انبعاث الوهابية من رمادها كسرطان متردد.

يأتي كل هذا في سياق سعي المغرب إلى “استعادة” المغاربة المتورطين في بؤر الصراع المسلح تحت نفوذ داعش، وهو في تصوري إجراء خطير وغير مفهوم في توقيت خطير وغير ملائم، توقيت يثير الكثير من الشك والريبة، نظرا لتزامنه مع كل ما سبق وتزامنه مع عودة علاقات المغرب مع إسرائيل وحيوية علاقته مع الولايات المتحدة، وكل هذا يعطي لمنظومة الإرهاب التبرير الأيديولوجي لتعريض سلامة المغرب وأمنه للخطر حالا، أو الانخراط في خلايا نائمة في انتظار تدهور الأوضاع الأمنية بالمنطقة، خصوصا وأن المغرب محاط بالإرهاب الجهادي جنوبا والإرهاب العسكري شرقا والإرهاب السياسي شمالا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *