وجهة نظر

استبعاد الإستقلال من الحكومة.. هل هو فعلا “مصلحة للوطن”؟

قبل شهرين ألقى الملك محمد السادس خطابه الشهير بمناسبة الذكرى الواحدة و الأربعين للمسيرة الخضراء من عمق إفريقيا ، و بالضبط من العاصمة السينغالية دكار. حينها لم يكن قد مر على التجربة الإنتخابية الثانية في ظل “الدستور الثوري” للمملكة سوى ثلاثين يوما، والتي ترتب عنها تكليف الملك للسيد عبد الإلاه بنكيران بتشكيل الحكومة باعتبار النتائج الباهرة التي حققها يوم استفتاء 07 أكتوبر الماضي ،و التي ترجمت اختيارا شعبيا يحمل كل الدلالات و المؤشرات الممكنة.

بَيْدَ أن بوادر البلوكاج التي بدت ككرة ثلج صغيرة بادئ ذي بدئ أخذت تكبر يوما بعد يوم، حتى أصبحت واضحة و مفهومة للقريب و البعيد، الأمر الذي جعل رئيس البلاد ينبه في ذات الخطاب القاري ، وبعد انصرام أربعة أسابيع من تاريخ التكليف، على أن تشكيل الحكومة لا ينبغي أن يخضع لمنطق تقسيم الكعكة. لكن للآسف هذا الذي حصل بالضبط و ما هذا ما تبرهن عليه مناورات بعض دخلوا الحقل السياسي بدافع الارتزاق و الابتزاز.

وفي الوقت الذي كان يَتوقع فيه المتابعون بأن يحلحل خطاب الملك المشاورات و يجعلها تتجرد من نفس المنطق الذي حذرها منه، فإن الأمور زادت استفحالا و تعقيدا، كانت سببا في عدم تسجيل أي تقدم على مستوى الإفراج عن الحكومة؛ لكن بالمقابل عرفت الساحة الوطنية تطورات كان أبرزها ما عرف ب “تصريحات شباط المتهورة”، و التي كانت من ضمن تداعياتها انعقاد المؤتمر الاستثنائي لبرلمان حزب اا ستقلال يوم 31 دجنبر 2016.

البيان الذي خرج به المجلس الوطني لحزب الاستقلال تميز بحنكة سياسية و قرارات مُفصَّلةٍ تحت مجهر الدقة و الحكمة و بعد النظر، و شكل في عمومه دعما قويا لرئيس الحكومة المعين ، و فرصة تاريخية و ذهبية للسيد بنكيران قد لا يجود بها الزمان مرة أخرى.
غير أنه بعد يومين من بيان حزب الاستقلال، جاء الدور على الأمانة العامة لحزب العدالة و التنمية التي أخطأت التقدير هذه المرة ، و لم تكن في مستوى المرحلة و دقتها حينما قررت، و بشكل يمزج بين الغموض الحَمَّالِ بالتأويلات ، على غير عادة البيانات السياسية التي تحتاج إلى التصريح و الدقة و الوضوح القاطع مع أية تأويلات محتملة، تهييئ الرأي العام – خاصة قواعد حزبي العدالة و التنمية و حزب الاستقلال– إلى القَبول بالتوجه الرامي إلى إمكانية التخلي عن حزب الاستقلال في تشكيل الحكومة المرتقبة تحت ذريعة “مصلحة الوطن و الظروف القاهرة”.

لكن الذي لا يمكن أن يختلف فيه إثنان هو أن “مصلحة الوطن” ضاعت بين الخلط في تحميل آراء شباط الشفوية حول موريتانيا للمُصرِّح بها نفسه (شباط)، و بين تحميلها لحزب الاستقلال كمؤسسة سياسية، رغم أن تلك الآراء لم تُطبع كجزء من عقيدة و أدبيات الحزب، و لم تكن موضوع بيان حزبي موقع بيد الأمين العام، حميد شباط.

لهذا السبب أرى أن ذلك الخلط كان وراء اعتبار تغييب حزب الاستقلال خدمة لمصلحة الوطن، لكن الحقيقة أن ذلك القرار شكل “ضربة غير مرغوب فيها” للعدالة و التنمية ، بحيث اختار بأن يحاصر نفسه في زاوية ضيقة و أن يترك مشروعه مجردا من كل القوى الحية التي تراه الأقرب إلى إديولجيتها و مشروعها المجتمعي.

حزب العدالة و التنمية لم يستحضر كذلك أن حزب الإستقلال هو الحزب الوحيد القوي ، و لو نسبيا ، تنظيميا و نقابيا. لذلك فتشكيل حكومة أقلية معه رفقة التقدم و الإشتراكية، قد يكون الأسلم و الأصوب، خاصة و أن الأجنحة النقابية لهذه الأغلبية النسبية قد يساعدها على الإشتغال في انسجام و أريحية. بالمقابل ستكون أحزاب المعارضة في وضع هش و مثير للشفقة لأنها تفتقد للقوة النقابية و القدرة على تأطير الجماهير ميدانيا إن هي فكرت في إرباك الحكومة، وهو الأمر الذي سيرشحها لفقدان ما بقي من مصداقيتها في غضون الخمس سنوات القادمة.

سياق المقال و المقام يقتضي منا كذلك العروج على دور الآلة التنظيمية لحزب العدالة و التنمية و المهام المنتظرة منها في مثل هذه الظروف. فلا يُعقل أن نتكلم عن هذه القوة في شقها المرتبط بما هو داخلي فقط، أي الإنضباط للمساطر و المقررات و إنجاح المحطات الإنتخابية. المرحلة تقتضي أن يدعم نفس الجهاز مجهودات رئيس الحكومة و الدفاع عن ثقة آلاف الأصوات الإنتخابية التي اختارت 125 فاعلا سياسيا و مدنيا و إقتصاديا أن يكون ممثلا لها تحت قبة البرلمان. فهل يَجدُر ب 12 كاتبا جهويا للحزب ، و حوالي 92 كاتبا إقليميا، الإبقاء على حالة الصمت و الإكتفاء بمقاعد المدرجات لأزيد من ثلاثة شهور و هم يرَوْن أن مصيرا سوداويا للوطن يتشكل أمام أنظارهم، لا أقله المساس بسمعة المغرب – كبلد شكل الإستثناء في معناه الإيجابي—و بالثقة في المؤسسات و المسلس الحداثي الديموقراطي للبلد، أولا، و تبذير ميزانية قدرها 25 مليار درهم، على الأقل، في حالة التفكير في إعادة الإنتخابات ، ثانيا.