وجهة نظر

النموذج التنموي الجديد.. الجهوية المتقدمة بين استعجالية التنزيل ومخاطر التمويل

من بين التوصيات القوية التي يتضمنها التقرير العام المتعلق بالنموذج التنموي الجديد لرفع تحديات العدالة المجالية والعدالة الاجتماعية ببلدنا، استعجالية تنزيل الجهوية المتقدمة مع لا تمركز فعلي، وإنهاء التلكؤ الذي أخر تطبيقها.

ترى اللجنة المعدة للتقرير العام أعلاه والذي تم تقديمه مؤخرا لملك البلاد، أنه بهدف الشروع في دينامية حقيقية للجهوية، يجب تسريع تحويل الوسائل لفائدة الجهات حتى تتمكن من الاضطلاع باختصاصاتها الذاتية أي اختصاصاتها الحصرية ، وتلك المشتركة مع الدولة، والمنقولة إليها من الدولة. ويتعلق الأمر هنا بتحويل الوسائل المالية والبشرية.

وفيما يتعلق بتحقيق أهداف الجهوية المتقدمة، ترى اللجنة المعنية أن الأمر يستلزم: تعزيز الموارد المالية للجماعات الترابية أي للجهات وللعمالات وللأقاليم وللجماعات.، وتنويعها.، ومشاركتها فيما بينها.، وكذا تنمية مواردها البشرية. ويتأتى تعزيز هذه الموارد المالية من خلال الرفع من التحويلات المالية المنجزة من طرف الدولة لهذه الوحدات الترابية، موازاة مع نقل الاختصاصات، والمرتبطة جزئيا بالموارد الضريبية المستخلصة على مستوى كل جهة، وكذا الرفع من الموارد الذاتية لهذه الجماعات الترابية من خلال تبسيط وتحسين الجبايات المحلية.، وعبر اللجوء الممنهج للتشارك بينها بهدف الاستغلال الأمثل للوسائل وتوفير خدمات ذات جودة عالية بدعم من القطاعات التقنية التابعة للدولة.

ودائما في سبيل تحقيق أهداف الجهوية المتقدمة، يمكن التفكير أيضا في: جهوية الخدمات المتعلقة بالبنيات التحتية، و اللجوء إلى الشراكات بين القطاعين العام والخاص من أجل دعم تنفيذ المشاريع التنموية الجهوية التي تتلاءم مع هذا النوع من التمويل.

كما يمكن للجهة أن تعتمد على صندوق التجهيز الجماعي، الذي يجب تعزيز قدراته، لمواكبتها بشكل أفضل ليس فحسب في تمويل المشاريع الكبرى ولكن أيضا في مرحلة تصميم هذه المشاريع وإعدادها التقني.

وتدعو اللجنة كذلك، إلى إرساء منظومات مندمجة للدفع بعجلة الاقتصاد على مستوى الجهات. ومن أجل دعم المقاولات وخلق فرص الشغل على المستوى الجهوي، تقترح على الجهات تخصيص صناديق لدعم وتشجيع الأنشطة الاقتصادية الجهوية.

وتستدعي التنمية الاقتصادية للجهات، إرساء مشاريع تنموية واسعة النطاق من خلال استغلال منطقة أو مورد معين. ولأجل الرفع من حظوظ نجاح هذا النوع من المشاريع التي تتطلب التقائية كبيرة لمختلف العمليات، توصي اللجنة بإسناد إدارة هذه المشاريع إلى” السلطات الجهوية للتنمية ” التي يمكن أن تتخذ شكل هيئات جهوية، وأحيانا ” بين – جهوية “.

وتقترح أيضا أن تقوم الجهات بتطوير مناطق للأنشطة الاقتصادية يتم إدماجها في مشروع حقيقي للمجال الترابي، وضرورة إسناد التصميم الأولي لهذه المناطق إلى فاعل جهوي قادر على هيكلة المشروع في تنسيق مع مختلف الفاعلين المعنيين من سلطات عمومية ومقاولات ومنعشين عقاريين ومستثمرين وجمعيات المجتمع المدني. وأن يكون الإنجاز والتنفيذ من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

ويبين التقرير التركيبي المقدم للعاهل المغربي كيف يمكن للدينامية الاقتصادية الجهوية أن تستفيد من إمكانات الاقتصاد الاجتماعي حيث يمكنها أن تحقق ذلك إذا هي أشركت معها القطاع الثالث، والمقاولات المتكلفة بمهام للمصلحة الجماعية، والمؤسسات العمومية والتعاونيات والمؤسسات والمنظمات الحكومية الكبرى، وذلك في إطار منظومة محلية.

وترى اللجنة المعنية، أنه يجب تمكين هؤلاء الفاعلين من الوسائل اللازمة لإطلاق دينامية داعمة للتنمية الترابية تشرك الساكنة المحلية والجهات والمقاولات الصغرى جدا والجامعات(…). وفي الوقت نفسه، حث شركات التنمية الجهوية والمحلية على إبرام اتفاقيات مع الجهات مع الرفع من مساهمتها المالية عن طريق تنفيذ مشاريع ذاتية أو مشاريع في إطار الشراكة.

ومن خلال وضع البعد التشاركي في قلب أولويات النموذج التنموي الجديد، تقترح اللجنة، في أفق معين: إحداث مجالس اقتصادية واجتماعية وبيئية جهوية تعمل على دعم مشاركة الفاعلين الجهويين في إعداد السياسات العمومية. كما توصي بتعزيز الديمقراطية التشاركية أثناء إعداد برنامج التنمية الجهوية وإعداد برنامج عمل الجماعة. وتحدد شرطا لذلك وهو، ربط نقل جزء من موارد الدولة إلى الجماعات الترابية بمدى احترامها لبعض معايير الحكامة الجيدة وتخص بالذكر المشاركة على جميع المستويات، والنوع والمقصود هنا ليس فقط إشراك النساء في بلورة وإعداد وتنفيذ المشاريع التنموية ولكن أيضا ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن (…)، واحترام البيئة، وإخبار الموظفين.

وتفاعلا مع ما تقدم حول الجانب المالي خاصة، وعلاقة بالتوصية المتعلقة بتحويل الوسائل المالية لفائدة الجهات لتتمكن من الاضطلاع باختصاصاتها الذاتية والمشتركة والمنقولة، وإلزامية تعزيز الموارد المالية للجماعات الترابية وتنويعها ومشاركتها فيما بينها لتحقيق أهداف الجهوية المتقدمة ، والرفع من التحويلات المالية المنجزة من طرف الدولة للجهات (…) وبكل ما يتعلق بالتمويل على مستوى الجهات، فإن السؤال الجوهري هو التالي:

– ماهي المصادر التي سيتم اعتمادها لإنجاز عمليات التحويلات المالية، من مالية الدولة إلى الجهات وإلى باقي الجماعات الترابية، والرفع منها وتعزيزها وتنويعها، كما هو وارد في التقرير التركيبي، لتصبح الجهوية المتقدمة واقعا ملموسا لدى المواطنين والمواطنات في تراب كل جهة؟

– كيف للدولة أن تدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة ماليا، لتؤدي هذه الأخيرة دورها في هذه المرحلة وفي المستقبل؟

– هل ستستفيد الدولة المغربية من الدول الأوروبية التي دعمت ماليا المقاولات العمومية والخاصة في بداية مشوارها إلى أن أصبحت قادرة على أن تؤدي الدور المطلوب منها على مستوى الاقتصاد والمجتمع وطنيا؟

– وما هي الضمانات التي تؤكد عدم تعميق تبعية الجهات وباقي الجماعات الترابية لمالية الدولة ؟
نعم، يقدم لنا التقرير التركيبي جوابا صريحا عن مصادر التمويلات السابقة الذكر، وهي ثلاثة: الدين الخارجي، والضرائب، وتحفيز الاستثمار.

وهنا لا بد من طرح مجموعة من التساؤلات، نقتصر على ما هو مصيري منها بالنسبة للمجتمع والدولة. وأولها، إذا كان الدين الخارجي، لا مفر منه، ألا تصبح الدولة من خلاله تابعة للمنظمات المالية الدولية التي ستقرضها وفق شروط محددة؟ أو لنقل ما هي الضمانات التي ستمكن الدولة من عدم الامتثال لشروط تلك المنظمات المالية؟ وبالتالي، ما هي الشروط التي ستفرضها الدولة على الجهات خاصة للاستفادة من التحويلات المالية من لدن الدولة والرفع منها في حالة لجوء الدولة إلى الدين الخارجي؟

وثانيها، فيما يخص الضرائب، هل سيتحمل المواطنون والموظفون والأجراء، عبء التعويض عن انخفاض الضرائب على الشركات؟

وثالثها، تحفيز الاستثمارات. وفي هذا الباب نود أن نثير الانتباه إلى أنه إذا كان الدين الخارجي قد شكل آلية للاستثمارات في بعض الدول الأسيوية، ومصدرا للاستثمار الوطني المنتج بشقيه العام والخاص في هذه الدول، فإن ذلك قد نجح فيها نظرا لتوفر ثقافة مجتمعية متميزة عناوينها الكبرى: الوطنية، والانضباط، وتخصيص ميزانيات ضخمة للبحث العلمي، وربط المسؤولية بالمحاسبة.

لقد أشار التقرير العام الاهتمام إلى نقطة في غاية من الأهمية في باب تسريع الجهوية المتقدمة دائما، وهي: إعادة الانتباه إلى أدوار صندوق التجهيز الجماعي والذي يجب تعزيز قدراته، وإن كان تركيزه قد انصب على الجهات. فالأمر يستدعي كذلك التفكير في دوره بالنسبة لتمويل المشاريع التنموية لباقي الجماعات الترابية، وإعادة النظر في شروط الاستفادة من قروضه حيث إن الشروط المفروضة لحد الآن مجحفة بل صعبة التحقيق بالنسبة لأغلب الجماعات، وخاصة منها تلك التي لا تتوفر على موارد مالية ذاتية قارة، وتحتاج إلى دعم الدولة لتسديد أجور الموظفين. فما بالنا بتمويل الاستثمار فوق ترابها.

مجمل القول، إن ما تقدم حول تسريع عملية الجهوية المتقدمة، وما يتضمنه التقرير العام حول النموذج التنموي الجديد بصفة عامة، هام جدا لاعتبارات متعددة من أهمها: أننا بصدد دراسة مغربية – مغربية وهي بادرة سياسية ذات حس وطني رفيع. ثم أن ما يميز هذا التقرير التركيبي هو اعتماده على تشخيصات مبنية على الإنصات لنبض المواطنين والمواطنات في المغرب العميق وفي المدن وفي القرى. وقد أثبتت جائحة كورونا لمن كان يجهل ذلك، أن هناك أسرا لا تملك الخبز والماء في الجبال والصحاري، فما بالك بالقدرة على شرائها ولو لهاتف نقال واحد يمكن أبناءها من الدراسة عن بعد.

لكن، يبقى أن سؤال تمويل، أو لنقل تمويلات، مشاريع وبرامج ورش الجهوية المتقدمة الاستراتيجي، يحتاج جوابه إلى ” ألف حساب وحساب ” حتى لا نسقط في مخاطر، بل فخ، التمويلات وخاصة منها ذات المصادر الخارجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *