وجهة نظر

للتخفيض من انبعاثات الكربون.. ضرورة التعجيل بالربط بيقاري لشبكة الكهرباء

رئيس لجنة التعمير وإعداد التراب والمحافظة على البيئة بجماعة طنجة

يشكل غاز ثاني أكسيد الكربون الغاز الأول المسؤول عن احترار كوكب الأرض، إذ يشكل نسبة 77 بالمائة من الغازات الدفيئة، ويعتبر قطاع الطاقة هو أهم منتج للكربون بنسبة 85 بالمائة بسبب اعتماده على الوقود الأحفوري، خصوصا في قطاع الكهرباء الذي يساهم ب42 بالمائة من إنتاج الكربون متبوعا بقطاع النقل ب23 بالمائة. لذلك فإن الانتقال الطاقي على أساس الطاقة النظيفة هو من بين أهم السبل لمواجهة التغيرات المناخية، لأن الطاقة النظيفة لها انبعاثات ضعيفة للكربون.

وإذا استمر العالم في اعتماده على الوقود الأحفوري في إنتاج الطاقة، ومع استمرار النمو الديمغرافي والاقتصادي، فإن هدف بلوغ زائد 1.5 درجة كمتوسط حرارة الأرض مقارنة بمرحلة الثورة الصناعية حسب اتفاق باريس لن يتحقق بالتأكيد، بل إن الخبراء يرون أن حرارة الأرض سترتفع ب3 درجات مائوية في نهاية القرن الحالي.

وعليه، فإنه للاستجابة للحاجيات المتزايدة على الطاقة وفي نفس الوقت المحافظة على البيئة والتخفيض من أسباب وآثار التغيرات المناخية، يجب أولا إنتاج طاقة نظيفة باستعمال الطاقات المتجددة (الطاقة الشمسية، والطاقة الريحية، والطاقة الهيدرولوجية…)، وثانيا تعميم الطاقة الكهربائية على كل القطاعات المستهلكة للطاقة (النقل، الصناعة، الفلاحة…).

لكن العالم، استفاق على كارثة من نوع جديد، تتعلق بالاعتماد الكلي على الطاقات المتجددة، وهي كارثة تكساس في فبراير 2021، إذ تعرضت الولاية الأمريكية لموجة برد شديد ونزلت درجة الحرارة في بعض مناطق الولاية إلى 9 درجات تحت الصفر، مما أدى إلى تعطل كامل لشبكة الكهرباء وانقطاع إمداد الكهرباء على ملايين الأسر بسبب تعرض آلاف الطواحين الهوائية وعشرات المحطات المركزية المعتمدة على الغاز للتجمد.

ولتفادي مثل هذه الكوارث في المستقبل، ولتقليل كلفة إنجاز البنيات التحتية لإنتاج الطاقة النظيفة وكلفة إنتاجها ولتسريع تعميمها، ينبغي الاعتماد على الربط الكهربائي، وذلك على ثلاثة مستويات: على مستوى كل دولة، بين دول كل قارة، وبين القارات.

وللعلم، فإن للربط الكهربائي عدة فوائد، في مقدمتها إمكانية استيراد الكهرباء من دولة جارة أو دولة بعيدة في وقت الذروة أي عند ارتفاع الطلب على الكهرباء وطنيا، عوض الاستثمار المتزايد في توسيع الطاقة الإنتاجية. وعندما يقل الطلب الداخلي يمكن تصدير الفائض من الإنتاج الكهربائي، وبالتالي لا تتوقف عملية الإنتاج في مختلف المحطات بل تعمل بكل طاقتها طول الوقت. وكلمة السر هي التباين الزمني بين البلدان، بين الليل والنهار وبين الفصول، بالإضافة إلى التباين المناخي. وخير مثال على ذلك هو انتاج الطاقة الكهربائية الشمسية، فهي تنتج نهارا ويمكن تصديرها للمناطق التي تكون غارقة في الظلام في نفس التوقيت، وكذلك إنتاجها في المناطق المشمسة وتصديرها للمناطق غير المشمسة. والربط يكون عن طريق أحبال تحت مياه البحر أو معلقة على الأعمدة العالية أو مدفونة في الأرض.

وهناك مشروع ذو بعد عالمي، تتبناه الصين، هو مشروع الربط العام للشبكات الكهربائية المقدر بطول 180 ألف كلم، بما في ذلك الربط بيقاري، والذي سيهم 100 دولة تشكل 80 بالمائة من ساكنة العالم و90 بالمائة من الاقتصاد العالمي، سيمكن العالم في أفق سنة 2050 من تخفيض نسبة الوقود الأحفوري في إنتاج الطاقة من أكثر من 80 بالمائة حاليا إلى 31 بالمائة فقط.

قد يبدو بأن هذا المشروع خيالي ومستحيل أن يعرف طريقه للإنجاز، من الناحية التقنية والاقتصادية والجيوسياسية. فتقنيا طول الشبكة كبير جدا وكلفته جد مرتفعة تقدر ب38 ألف مليار دولار (27 لإنتاج الكهرباء و11 لانجاز الشبكة)، أما جيوسياسيا، فقد يعوق إنجاز هذا المشروع الضخم الخلافات بين الدول خصوصا المتجاورة. كما أن هناك مشكلة صعوبة توفير الحماية الأمنية لمختلف البنيات، بالإضافة إلى مشاكل التدبير والحكامة. لكن كل ذلك يمكن تجاوزه إذا توفرت الإرادة وساد منطق التعاون والتضامن، ثم إن تحدي التغيرات المناخية أصبح تحديا كبيرا، مما يجعل مواجهة هذا التحدي أن يكون في نفس المستوى أو أكثر.

* أحمد الطلحي باحث في البيئة والتنمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *