منتدى العمق

واقع المجتمع المدني بالدريوش

ليس طعنا ولا تعميما ولا تنقيصا من جهود أحد… لكن يعلم الجميع أن أول محاولة للجم الشارع المحلي وإخراسه…قادها ما يُصطلح على تسميته زورا وبهتانا ب”المجتمع المدني” الذي طالما شكل امتدادا مباشرا ومكشوفا للإدارة،بل درعا من دروعها الحيوية بالإقليم…

دِرعا بدأت تتشكل معالمه بوضوح واتساق منذ احداث العمالة(2009) التي عملت أروقتها الخلفية على توظيف هذا الكيان كأداة لرسم خريطة تحكم موّسعة على طول مجال نشاطه الإداري؛

خريطة تتشكل خطوطها العريضة من نسيج غير متجانس من جمعيات و تعاونيات(أغلبها غير قانوني) تقودها فئات مختلفة ومتباينة الانتماء، لكنها تنصهر جميعا في بوتقة واحدة وهي النّزعة الوصولية التي تحرك معظم أفرادها الذين دأبوا على تقديم أنفسهم بصفات وطرق مختلفة تتناسب و المهام التي يحاولون إلباسها لباسا مدنيا يُخفي النوايا الحقيقية وراء هذا النشاط المصطنع والمزيّن بغلاف الإنسانية والتكافل…

وتتمتع الفئة المذكورة المشكلة لهذا الدرع بحصانة ودعم مستمرين ومتجددين لا يتأثران بالتغيرات التي قد تحدث على مستوى الكيان الذي يشتغلون تحت إمرته،فالولاء المطلق والقدرة على إثارة الانتباه إلى الخدمات المتنوعة التي يقدمونها تجعل من مسألة الاستغناء عنهم صعبة،لذلك تجدهم يتلونون بلون أي مسؤول جديد حلّ على الإقليم مستغلين في ذلك سبق خبرتهم في التعامل مع بعض المسؤولين السابقين…

هذه القدرة على التقرب والتلون في وقت وجيز تزيد من مساحة ورصيد صلاحياتهم التي تترجم إلى حضور ميداني تحت مسمى: “العمل الجمعوي” في العلن،لكنه عكس ذلك في الكواليس التي تؤكد أن مجال خدمة هؤلاء يتعدى الاجتماعي والإنساني إلى السخرة والمراقبة والتوجيه و تكميم الأفواه وغيرها من الممارسات التي لا تمث بصلة للعمل المدني…لكن،كيف وعبر ماذا يتم ذلك؟

بالإضافة إلى استراتيجية حشر الأنف والتواجد الميداني في كل أماكن التجمعات(مقاهي،ملاعب…)وفي كل الفعاليات والأنشطة الرسمية/غير الرسمية وعدم توفيت أي صغيرة أو كبيرة…يرتكز أداء المهمة المذكورة على آليتين أساسيتين؛الآلية الأولى تتجلى في التوجيه،ومقتضاه:توجيه أنظار العامة إلى قضايا و نقاشات تافهة وغير مهمة(بتوسل وسائل التواصل الاجتماعي)والعمل على منعهم من إثارة أفكار ووجهات نظر مخالفة ومغايرة لما تريده الإدارة…التي يسعى هؤلاء إلى رسم صورة إيجابية عنها وتنزيهها عن كل تقصير، وإرجاع كل الفضل لمؤسساتها ولمن يمثلها…

ويكفي أن نستحضر هنا ما رافق النقاش حول بعض المشاريع العمومية مؤخرا،من تطبيل وتلميع لصورة بعض المنضوين تحت لواء “الإدارة”من طرف الدرع المذكور.

أما الآلية الثانية المعتمدة في إخراس صوت الشارع فتتجلى في الوصم والتصنيف أي الوقوف ضد أي مبادرة جادة وتسفيهها عبر تسفيه صاحبها ووصمه اجتماعيا وذلك بالخوض في مناقشة شخصه وإطلاق أحكام جائرة في حقه،طالما أن فكرته تقف موقفا مناقضا لما توصي به الجهات المتحكمة في نشاط الغوغاء.

فيكفى أن تطرح فكرة مخالفة ولو على سبيل الهزل حتى تجد سهام التسفيه والتنقيص والاتهام توجه إليك من كل حذب وصوب…سهام تنتهي بتصنيفك في خانة محددة،كشكل من أشكال الاستعباد والرفض المطلق للرأي الآخر.

والغرض طبعا من كل ذلك هو جعل الساكنة تتخذ موقع الوسط كما يقول “آلان دونو”في كتابه”نظام التفاهة” وأن يفكر الأفراد برخاوة، وأن يضعوا قناعاتهم في جيوبهم حتى يصيروا كائنات سلبية وصامتة مثل قطع غيار يسهل جمعها في علب.

*الأمر لا يتعلق بالجمعيات الجادة والمستقلة والمنضبطة لمهامها الإجتماعية والإنسانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *