وجهة نظر

جمعيات المجتمع المدني والاستحقاقات القادمة 2021

جمعيات المجتمع المدني، يمكن التمييز فيها بين جمعيات مستقلة فعلا، وأخرى منتسبة إلى هيئات حركية وحزبية قد تكون لها معها شراكات وتشكل محضنا طبيعيا لأعضائها ومتعاطفيها ومرتعا خصبا لبعض تصوراتها وبرامجها، وإن كانت في قوانينها التأسيسية وممارستها الميدانية فعلا مستقلة، تحتار كل هذه الجمعيات مع قرب كل استحقاق انتخابي وتتجاذبها العديد من الرؤى والممارسات غير الناضجة أحيانا، من عزوف ومقاطعة، إلى إهمال ولامبالاة، إلى انخراط ومشاركة حماسية، أو على الأقل بعض الرغبة في ذلك، ولكن كيف؟؟.

أضف إلى ذلك كل هذا التحدي الصعب الذي يطرحه الواقع المعقد على جميع الفاعلين، والذي يستعصي على التطويع المطلوب ولايات انتخابية متتالية ومراحل جمعوية على السواء، أضف إلى ذلك الصراع الأزلي المحتدم بين الفاعل السياسي والفاعل المدني وما يسود بينهما من فقدان الثقة في بعضهما والتنافس غير الشريف، والمحاولة الدائمة والفاشلة لمن يسخر الآخر في مشروعه ويطحنه في رحاه، بدل تعزيز ذواتيهما المختلفتين والتركيز على الالتقائية الممكنة والتعاون المتاح بينهما؟، مما يجعل بعض السلطات في مختلف المستويات تحاسب الجميع على تصرفاته قدم أو أخر، نسق أو قاطع؟؟.

في هذه الأجواء تأتي الاستحقاقات الانتخابية القادمة 8 شتنبر 2021، والتي ستنظم فيها الانتخابات الجماعية والجهوية والبرلمانية في نفس اليوم الواحد وكأنها القيامة، وكأنها فرصة الفرص التي لا ينبغي للفاعل الجمعوي أن يفلتها ويخرج من دراسها وغراسها صفر اليدين، تاركا لغريمه السياسي وحده كل الجمل بما حمل، وهو الذي لا يؤمن بقدرته وكفاءته على تحقيق المطالب، والتجارب واضحة وتبين مدى شيوع فقدان الثقة في الفاعل السياسي ولعبته الأخطبوطية، والتي رغم كل ما تتيحه له من صلاحيات وتضعه بين يديه من إمكانيات، فهو لا تنميات يحقق ولا ميزانيات يبقي؟؟.

والواقع، أن مشاركة الفاعل المدني و جمعيات المجتمع المدني في الاستحقاقات الوطنية واجب وممنوع..ممكن ومستحيل..أو على الأصح له إيجابيات وسلبيات..طرق وكيفيات، وليس الحملة الانتخابية والترشح المباشر وحده، ومن الإيجابيات الممكنة ما يلي:
مبدئيا، من حق الفاعل الجمعوي الترشح للانتخابات، لأنه حق دستوري له كما لكل مواطن خال من الموانع؟.
يمكن استثمار خبرته الجمعوية للدفاع عن مشروعه المدني من داخل المجلس،وهو أفضل له من المرافعات خارجه، سواء تم قبولها أو رفضها؟.
توجه الأحزاب بل الدولة كلها، للاستثمار في الطاقات الجمعوية في المجالس الجماعية، وهو خير لها من جيوش الأميين الذين عجزوا عن تحقيق التنمية؟.
إيجاد فرصة محترمة للتواصل مع مختلف الأطراف الفاعلة في المدينة والتعاون معهم من أجل التنمية، مستشارين وسلطات، وممثلي القطاعات والجمعيات..؟.

ومن ناحية السلبيات ما يلي:
شبهة تسييس العمل الجمعوي، الذي ينبغي أن يبقى في متناول وخدمة الجميع وأبناء الجميع مهما كانت توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية؟.
الانحراف عن مهام الفاعل المدني وقوته الاقتراحية، ودوره الأساسي في مراقبة السياسات وإعداد الملتمسات ورفع المذكرات، في إطار المناولة والديمقراطية التشاركية؟.
استعداء السلطة – المترقبة – لملاحقة الجمعية والتضييق على أنشطتها خاصة الخيرية والتربوية منها، لأن العمل الجمعوي عندها لا ينبغي أن يفرخ النواب والمستشارين، ولا أن يكون حملة انتخابية قبل أوانها؟.
خطر تحويل المجالس الترابية إلى مجرد جمعيات تنموية، كل أفقها التيه في متاهات الجمعيات التي يستهلكها البحث عن المنح والشراكات، أو مزاحمة المجالس للجمعيات في تنظيم بعض العروض والندوات دون عائد؟.

ورغم كل هذا، يبقى من واجب جمعيات المجتمع المدني المشاركة الايجابية في الانتخابات القادمة وبشكل حيادي..مع الجميع وضده..ولكن كيف، بأي منطق ومن أي منطلق، وبأي مقاصد وأشكال وإشكالات؟،
ينبغي عدم ترشح أعضاء مكاتب الجمعيات، حتى لا يقعوا في التنافي، عند توقيع شراكة متاحة مع المجلس الجماعي، وإذا ما فكر الأعضاء في عكس ذلك ومن حقهم، فعليهم تقديم استقالتهم، لأن بين العمل الجمعوي والسياسي ينبغي القرار والاختيار، وذلك أصل العمل المدني يخدم الشعب ولا يسعى إلى السلطة؟.
وهذا لا يعني في شيء ما يشاع من أن الفاعل الجمعوي لا ينبغي أن تكون له رؤيته سياسية أصلا أو انتماء حزبي إن أراد، ولكن يعني فقط أن عمله الجمعوي ينبغي أن يكون منضبطا وبالدرجة الأولى لقوانين وأعراف الجمعية، أما الرؤية السياسية فهي في كل شيء، بنجاحها ينجح وينطلق وبتعثرها يتعثر ويخفق؟.
كما ينبغي إبعاد مقرات الجمعيات من أن تكون محل أي حملة انتخابية منظمة أو غير منظمة، لأنها مقرات مفتوحة في وجه الجميع افتراضا، لا في وجه حزب ضد آخر وتوجه سياسي دون آخر؟.
دعم مشاريع الديمقراطية والتنمية والإصلاح، وتبني مرشحي وأحزاب محاربة الفساد باختيار الأصلح، وذلك عبر الممكن من الأنشطة الجمعوية التي تنشر الوعي وتفكك تناقضات الواقع وتطلعات المواطن، خاصة الوسائل المعاصرة منها (تدوينات.. بيانات.. مطويات.. ملصقات إلكترونية.. شبكات تواصل اجتماعي.. مواقع إلكترونية.. منصات وحوارات وندوات..وصلات..)؟.

وكم رأينا خلال الانتخابات السابقة نماذج من أعمال الجمعيات كانت رائدة، بل بعضها – مع الأسف – ذهب حد المتاجرة والسمسرة قبل المرشحين والأحزاب الفاسدة، ومن ذلك: حملات دعم التسجيل في اللوائح الانتخابية..حملات محاربة العزوف ودعم المشاركة(2007 دابا)..مشاريع دعم مشاركة المرأة(منتدى الزهراء)..الترافع من أجل الإبقاء على لائحة الشباب..برامج تربوية للأطفال كبرلمان الطفل ومخيمات موضوعاتية حول قيم المواطنة والسلوك المدني..المشاركة في مراقبة نزاهة الانتخابات يوم الاقتراع..حوارات ترشيد التحالفات..برامج إعلامية مواكبة..؟؟. ويبقى موضوع الانتخابات الوطنية يفرض نفسه على الفاعلين الجمعويين كما على غيرهم، وإذا تعاملوا معه بشيء من الإيجابية والحيادية فلن يعدموا إشكالات وأشكال التدخل كانت قبل الانتخابات وأثناءها وستبقى معها وبعدها، ما لم تفكك الرؤية الفكرية والقوة الاقتراحية للعمل الجمعوي تناقضات السياسة وتساعد الفاعل السياسي على استيعابها، لعله يتمكن من خلخلتها ولو بمقدار، ومن ذلك:

الإشكال الفكري للتنمية في مدننا قبل الممارسة، هل هي ذاتية أم تفويضية؟.
تداخل الاختصاص والإمكان في مختلف المجالس..بين المستشارين والإدارة ؟.
السؤال الفكري حول المدينة والقرية المؤهلة، صديقة الأطفال..صديقة المعطلين..الباعة المتجولين..؟.
سؤال المجالس الترابية والديمقراطية التشاركية..أي قانون تنظيمي.. لأية لجن.. لأية مشاركة وأدوار؟.
الإشكال النفسي للشائع من فقدان الثقة والعزوف عن المشاركة، انطلاقا من التجربة المريرة للبلوكاج؟.
تحول الفنان والرياضي والجمعوي إلى مستشار، هل هي دماء جديدة أم أدلجة وضياع وقت من أجل التكوين؟.
خريطة بحاجيات القرية والمدينة، المتوفر منها والخصاص،النقط المضيئة والبؤر السوداء، والقدرة على التفاوض مع الأحزاب و من سيقدم إزائها أحسن عرض إسعافي؟.
سؤال المستشارين والنواب وخصال القوة والأمانة وأساليب التواصل والتشاور العمومي والترافع الجماعي، والتعاون الجماعي على إعداد الأسئلة البرلمانية ومقترحات القوانين، وأين الجميع من “النموذج التنموي الجديد” والعدالة المجالية والإنصاف وما أفرزته ظروف جائحة “كورونا” من ملفات وأولويات وطنية عليها إجماع في الصحة والتعليم والمسألة الاجتماعية والتشغيل والرقمنة والعالم الافتراضي..؟.
سؤال الظواهر التي تنخر المدينة، والتي لا زالت تنمية الإسفلت وإطالة البنيان تغطي عليها في كل المجالس، البطالة وانعدام الاستثمار وفرص الشغل،مثلا، كم يخلق من انحراف الشباب..والمخدرات..والهجرة..والعنف والتطرف والإرهاب..وتراجع القيم والمواطنة..، ولا تلتفت إليها المجالس بالشكل المطلوب؟، بل الظواهر المسيئة للانتخابات في حد ذاتها، من استعمال المال الحرام، والترحال السياسي، وغلبة الأعيان على الكفاءات، والكذب والاشاعــات..؟؟.
المجالس والسلطات والأحزاب والجمعيات..وأساليب الشباب العفوية التي تجاوزت كل الأنماط التقليدية للحركة المجتمعية، فأصبح الشباب ينظم وبنجاح باهر، حملة خيرية من الفايسبوك..مرافعات شعبية من مدرجات الملاعب..هجرة جماعية عبر الحدود والقوارب..صناعة المحتوى بملايين المشاهدات عبر “اليوتوب”..ولا زال الجمعوي ينتظره للتكوين..والحزبي لمخيم الشبيبة..والقائد والباشا لا زالا يطمحان في “بهدلته” لمنحه الترخيص وفق ضوابط الإحسان العمومي، أو اتهامه بالعمل بدون ترخيص وأي ترخيص؟؟.

إذن، كما نرى أن الفاعل المدني له مهام أثقل من الجبال، وهي أبلغ في التربية والتنمية والديمقراطية والحقوق وصناعة الرجال، وليس مدخلها بالضرورة سياسي محض بل مدني أيضا، والمدني أوثق وأعمق وأس وأساس كل شيء، وإن تتشبثوا بقلاعه وتحصنوها – رغم الاكراهات – تحصنكم، وتقدموا بفضلها خدمات جليلة للعمل المدني والسياسي معا، بل لكل الوطن وبشكل أفضل؟؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *