منتدى العمق

الأحزاب السياسية وغمار الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية 2021 

مقدمة : 

تعتبر الانتخابات أحد مظاهر المشاركة السياسية، لكونها تمثل أحد المقومات الأساسية للديمقراطية، ومؤشرا بارزا على ممارسة الأغلبية الساحقة من المواطنين لمسألة التصويت باعتباره الصورة الأساسية للمشاركة السياسية.

تشكل الانتخابات الآلية الأمثل للممارسة الديمقراطية الحقيقية، باعتبارها إفرازا لإرادة الهيئة الناخبة، وذلك من خلال تفعيل الضمانات القانونية التي من شأنها صياغة إطار قادر على دفع مختلف الفاعلين داخل المعترك الانتخابي للمساهمة في جهود تخليقها.

ووعيا بأهمية هذه الآلية ونجاعتها داخل النسق السياسي والاجتماعي، تحرص معظم التشريعات والقوانين على إحاطة الممارسة الانتخابية بسياج من الضوابط القانونية، بدءا من التقطيع الانتخابي والتسجيل في اللوائح الانتخابية، مرورا بالحملة الانتخابية إلى التصويت وإعلان النتائج، وذلك ضمانا لإفراز مؤسسات تمثيلية منتخبة تعكس بحق الإرادة الحقيقية للهيئة الناخبة.

والمغرب، جريا منه على ما سارت عليه الديمقراطيات الحديثة، وتثبيتا منه لأركان الإصلاحات الهيكلية التي يعرفها، عازم بدوره على ضمان حسن سير الاستحقاقات الانتخابية، رغبة منه في بناء مجتمع ديمقراطي تنموي من خلال إفراز نخب تمثيلية كفؤة وفاعلة في النهوض بأوضاعه وتطويرها.

وفي هذا السياق، تفصل أيام قليلة عن الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية، التي ستقرر من سيقود الحكومة لخمس سنوات مقبلة، حيث يتوقع أن تعرف منافسة محتدمة بين الأحزاب، وفي مقدمتها “العدالة والتنمية”، قائد الائتلاف الحكومي (والطامح لولاية ثالثة)، إلى جانب أحزاب أخرى كحزب التجمع الوطني للأحرار، وحزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، وحزب الحركة الشعبية، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب الاتحاد الدستوري، وحزب التقدم والاشتراكية …، حيث ستتنافس الأحزاب على أصوات أزيد من 15 مليونا و746 ألفا من المسجلين باللوائح الانتخابية، حيث لم يعلن أي حزب مقاطعته للانتخابات المزمعة في 8 سبتمبر المقبل، والتي تجرى في ظل تداعيات تفشي فيروس كورونا.

ومن الملاحظ أن تنظيم الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية ليوم 8 شتنبر 2021 يشهد سياقا يختلف عن السياق الذي كانت تنظم خلاله الاستحقاقات الانتخابية السابقة، حيث سبقتها مجموعة من التعديلات على القانون رقم 9.97 المتعلق بمدونة الانتخابات بموجب القانون رقم 10.21، وكذا القانون رقم 11.21، حيث وفي إطارها ثارت عدة نقاشات بين مختلف الفاعلين السياسيين خاصة حول مسألة تمثيلية النساء، وكذا مسألة القاسم الانتخابي، وفي ما يخص هذا الأخير فإنه سيتم اعتماد قاعدة عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية عوض عدد الأصوات الصحيحة، على  أن تنظيمها سيتم خلال يوم واحد، حيث أكدت وزارة الداخلية في اجتماع لها مع الأمناء العامين ورؤساء الأحزاب السياسية أن هذه الاستحقاقات ستنظم يوم 8 شتنبر 2021، وهو ما سيضع الدولة بلا شك أمام تحدي حقيقي الأمر الذي سيتطلب تعبئة بشرية ولوجيستيكية كافية وفعالة من أجل إنجاح العملية الانتخابية .

كما أن تنظيمها يأتي في ظل وجود قضايا وتغيرات طبعت العلاقات الخارجية للمغرب مع بعض الدول الأوربية إضافة إلى الخلاف القائم مع الجارة الجزائر.

وانطلاقا من هذا التقديم سنعمل على إبراز أهمية ووظائف الأحزاب السياسية (أولا)، ثم نتطرق بعده إلى الحديث عن واقع الأحزاب السياسية ورهانات الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية (ثانيا) .

أولا : أهمية ووظائف الأحزاب السياسية

تعتبر الأحزاب السياسية من أهم القوى السياسية الفاعلة، التي تشتغل داخل الحقل السياسي، ومن أهم المؤسسات والبنيات التي لها علاقة وطيدة بالسلطة من منطلق أنها تقوم بعمل سياسي منظم ومهيكل في ممارسة السلطة السياسية.

ويمكن تعريف الحزب السياسي بأنه: “جماعة متحدة من الأفراد، تعمل بمختلف الوسائل الديمقراطية للفوز بالحكم، لتنفيذ برنامج سياسي معين”، كما يمكن تعريفه بأنه تنظيم دائم يتوفر على الشخصية المعنوية، ويؤسسه أفراد لهم نفس المبادئ والأفكار ويهدفون إلى الاستئثار بالسلطة وممارستها لوحدهم أو مع الغير.

ويعرف القانون 04-36 المتعلق بالأحزاب السياسية من خلال المادة 2 منه الحزب بأنه “تنظيم دائم يتمتع بالشخصية، المعنوية، ويؤسسه أفراد يتمتعون بالحقوق المدنية والسياسية، وهم أشخاص طبيعيين يحملون نفس المبادئ، بهدف المشاركة في تدبير الشؤون العامة بطرق ديمقراطية ولغاية غير توزيع الأرباح”.

ولاشك أن نجاح الصرح الديمقراطي يعزى بالأساس إلى عدة عوامل من بينها العامل الحزبي أو النظام الحزبي ذلك أن هذا الأخير كان له الأثر الكبير في تدعيم الديمقراطية ونموها، إذ أن الأحزاب السياسية لطالما كانت المتحكم في تصنيف الأنظمة السياسية الحاكمة إلى أنظمة ديمقراطية أو ديكتاتورية مستبدة، مما يمكن القول معه بأن الإطار الحزبي يعد من الأهمية بما كان في تكوين النظام السياسي وتدعيم الديمقراطية داخله لكون الأحزاب هي الأقدر على إيصال مطالب المجتمع وبلورتها على أرض الواقع ومنع الانفصال الذي يمكن أن يقع على مستوى التواصل بين الحكام والشعب.

وبذلك فالأحزاب السياسية تضطلع بأدوار بالغة الأهمية داخل المجتمعات باعتبارها التنظيم السياسي الشرعي الذي يمكن من خلاله أن يعبر الأفراد والجماعات عن مواقفهم وآرائهم السياسية، بحيث تتوفر على هيكلة تنظيمية تؤطر وتغطي المجال الترابي للدولة ككل، إلا أن وظائفها في الدول المتقدمة تختلف عن مثيلاتها في الدول النامية.

وعموما فإن وظائف الأحزاب تختلف باختلاف الموقع الذي تتمركز فيه، فالأحزاب الحاكمة تسعى إلى إضفاء المشروعية على الأفكار والبرامج التي تحملها، وتعمل على خلق التصور القائم لصحتها من أجل الاحتفاظ بتأييد الرأي العام والاستمرار في السلطة، أما الأحزاب المعارضة فهي تسعى بصورة دؤوبة إلى كشف مساوئ وأخطاء الحزب الحاكم وتجسيمها، وبذلك فهي تلعب دورا مهما في مراقبة أعمال الحكومة، وفي الوقت نفسه تسلط الضوء على الأفكار والبرامج البديلة التي تقترحها.

ثانيا: واقع الأحزاب السياسية ورهانات الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية

يتميز المغرب بمزيج بين الملكية الحاكمة والتعددية الحزبية، وإفراز تقليدانيته الدستورية لحزب أغلبية ومعارضة مقلصة، فإن إشكالية تحديد الطابع التنافسي أو غير التنافسي لانتخاباته لم تزد إلا تعقيدا. فالمغرب عرف التعدية الحزبية في وقت مبكر من تاريخه السياسي الحديث، فق جاء النص بشكل صريح في دستور 1962 في الفصل الثالث:” نظام الحزب الوحيد ممنوع بالمغرب”، وقد استمر هذا المنع في جميع التجارب الدستورية اللاحقة، كما أقره دستور 2011 في الفصل السابع من الباب الأول بصيغة لغوية مختلفة، لكن بالمعنى نفسه إذ وجاء فيه : ” نظام الحزب الوحيد نظام غير مشروع”، وفي سياق الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية فإن عدد الأحزاب السياسية بلغ 32 حزبا، والتي ستتنافس على 395 مقعدا.

وهذا التعدد إنما يحسب للنظام السياسي المغربي في ميزان الديمقراطية، وذلك لأن المرحلة التي أقر فيها المغرب نظام التعددية الحزبية كانت مرحلة ثورية بامتياز، تهيمن عليها الأيديولوجية الاشتراكية القائمة على أساس نظام الحزب الوحيد، وخصوصا في دول العالم الثالث قريبة العهد بالاستقلال .

إلا أنه بالرغم من أهمية نظام التعددية الحزبية في العملية الانتخابية، فإن هناك مجموعة من الظواهر التي طبعت المشهد الحزبي ببلادنا، حيث أن التعددية الحزبية تميزت بكونها تعددية شكلية فاقدة لأي مضمون سياسي، ومن أبرز تجلياته ظاهرة الانشقاقات الحزبية، والتي ارتبطت إما بعوامل ذاتية تتعلق بغياب الديمقراطية الداخلية، وإما ترتبط بعوامل موضوعية ترجع إلى أساس الظاهرة الحزبية وطبيعة النظام السياسي المغربي القائم على أساس ملكية تنفيذية/حاكمة.

وكنتيجة مباشرة لهذه العوامل فإن ظاهرة الانشقاقات الحزبية أو ترحال الأعيان والمناضلين من حزب إلى آخر لازالت من أهم مميزات المشهد الحزبي المغربي قبيل أي استحقاق انتخابي، ولعل ذلك راجع إلى عدم التوافق داخل الحزب وعدم قدرة هذا الأخير على تدبير النزاعات الداخلية،  أو بحثا عن وسط حزبي يستجيب لتطلعاتهم الشخصية، وهذا ما يؤثر على صورة الأحزاب السياسية سوء في أذهان المواطنين المسجلين باللوائح الانتخابية والبالغ عددهم 17.983.490 ، الأمر الذي يؤدي إلى تأثير سلبي في طبيعة الممارسة السياسية للأحزاب.

كما أن الانتخابات المقبلة تطرح إشكال قدرة الأحزاب السياسية على استقطاب الشباب (خاصة ذوي الكفاءات العلمية)، وذلك في سياق تأهيل وإنتاج النخب السياسية القادرة على قيادة المغرب نحو التنمية المنشودة، سيما في ظل مجموعة من الإكراهات الداخلية والخارجية. وإن كنا نلاحظ تطعيم الأحزاب لوائح مرشحيها بشباب من الجنسين، فإن سؤال الكفاءة يبقى مطروحا، فإذا كان من بين المستجدات التشريعية في ما يتعلق بالانتخابات المقبلة مسألة منع الجمع بين العضوية بمجلس النواب والعضوية بمجلس الجهة أو الجماعة الترابية (بالنسبة للجماعة التي يفوق عدد سكانها 300.000 نسمة) أو رئيس مجلس العمالة أو الإقليم، فإن الأحزاب السياسية أصبح دورها حاسما فيما يخص عملية تزكية ممثليها في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، حيث تعين عليها احترام المعايير الموضوعية تقوم على توافر الكفاءة والنزاهة والمروءة والأخلاق أثناء منح التزكية، وهذا بطبيعة الحال سيكون له بالغ الأثر في حوكمة تدبير الشأن العام الوطني والمحلي.

أما بخصوص سير الحملة الانتخابية، فإن الحالة الوبائية التي تعرفها بلادنا فرضت على الأحزاب السياسية ضرورة احترام التدابير الاحترازية أثناء مباشرة الحملات الانتخابية ولقاءاتها التواصلية سواء مع مناضليها أو عموم المواطنين، كما أنها ستكون مطالبة بأن تبين وتقنع المغاربة بالطريقة والكيفية التي ستدبر من خلالها أزمة كورونا وما ستخلفه من آثار وتداعيات على مختلف الأصعدة، والتي مست جميع الشرائح الإجتماعية بالمغرب كغيره من دول العالم . وفي السياق ذاته دعت وزارة الداخلية عبر الولاة والعمال المرشحين إلى عدم تجاوز عدد 25 شخصا في التجمعات العمومية بالفضاءات المغلقة والمفتوحة، وعدم تنظيم تجمعات انتخابية بالفضاءات المفتوحة التي تعرف الاكتظاظ.كما منعت وزارة الداخلية عن المرشحين خلال الحملة الانتخابية نصب خيام بالفضاءات العمومية وتنظيم الولائم، وعدم تجاوز عدد 10 أشخاص كحد أقصى خلال الجولات الميدانية، و5 سيارات بالنسبة للقوافل مع ضرورة إشعار السلطة المحلية بتوقيت ومسار هذه الجولات والقوافل.

وبالنسبة للتوجهات والبرامج الحزبية فيلاحظ أن هناك تشابها واضحا في أنماط التفكير ومنظومة الأفكار بالرغم من تنوع دوائر الانتماء الإيديولوجي من حزب لآخر، حيث ركزت جل البرامج الحزبية على مجموعة من المحاور الكبرى، وهي كالصحة والتعليم والشغل والسكن إلى جانب موضوعات أخرى كالخدمات العمومية  وهو ما يصعب على المواطن العادي إدراك الاختلاف بين حزب وغيره من الأحزاب، وقد قد ترتب عن هذا الوضع إضرار بالعملية الانتخابية نفسها، ولعل ذلك من أبرز أسباب العزوف وضعف المشاركة في التصويت سواء في الانتخابات المحلية أو التشريعية، هذا إن لم نقل أن التصويت يصير مجرد عملية يتوخى من ورائها تجديد وهيكلة المجال السياسي. هذا وإن كان معطى الحالة الوبائية التي يعرفها المغرب كغيره من دول العالم سيكون أبرز الموضوعات التي من المفروض أن يتم التركيز عليها في البرامج الانتخابية بالنظر لحجم تداعياتها على كافة المستويات والأصعدة .

خاتمة : 

مما لاشك فيه أن الانتخابات المقبلة المزمع إجراؤها تأتي لتعزيز الديمقراطية المحلية، وبذلك تعتبر محطة جديدة في مسار تدبير الشأن العام الوطني والمحلي سيما بعد تشديد اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي على النهوض بدور الجهات والمجالس الترابية في تنزيل النموذج التنموي المنشود، وكذلك خصوصية الظرفية الوبائية لبلادنا.

إن المؤسسات المنتخبة التي ستنبثق عن الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية سيكون على عاتقها مسؤولية جسيمة في ضرورة التمثيل الفعال للمواطنين والاستجابة لتطلعاتهم ومعالجة مختلف مشاكلهم وقضاياهم المحلية. وفي المقابل هناك مسؤولية ملقاة على عموم الناخبين تتجلى في حسن الاختيار للأشخاص الذين سيمثلونهم، والذين يجب أن تتوافر فيهم القدرة على الاضطلاع بالمهام الموكولة إليهم على الوجه المطلوب، وذلك في سياق تحقيق التنمية المستدامة .

* الطالبة الباحثة : إيمان شريف/ ماستر العلوم السياسية والتواصل السياسي

المراجع المعتمدة :

الكتب

سليمان الطماوي، السلطات الثلاثة في الدساتير العربية المعاصرة وفي الفكر السياسي الإسلامي (دراسة مقارنة)، دار الفكر العربي، الطبعة الخامسة، القاهرة، 1996.
سويم العزي، المفاهيم السياسية المعاصرة ودول العالم الثالث ـ دراسة تحليلية نقدية ـ ، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1987.
محمد معتصم، الحياة السياسية المغربية ( 1962 – 1991 )، مؤسسة إيزيس للنشر الجامعي،  الدار البيضاء، 1992.
نور الدين اشحشاح، القوى السياسية : الأحزاب والجماعات الضاغطة والرأي العام، مطبعة سبارطيل، طنجة، 2004.

رسائل جامعية

ابراهيم بشرا، دور الأحزاب السياسية في الانتقال الديموقراطي – دراسة حالة المغرب بين 1998-2019)، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام المعمق، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سطات، السنة الجامعية 2019-2020.
سعيد العراك، السلوك الانتخابي في المغرب-دراسة البراديغم الإيكولوجي في تفسير التصويت، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة محمد الخامس -السويسي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا، السنة الجامعية 2010-2011.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *