وجهة نظر

الشماعية.. مدينة بين فكي البؤس والإقصـاء

حكايتنا مع بلاد احمر وتحديدا مع مدينة الشماعية، بدأت أولى فصولها خلال سنة 2014، لما قادنا إليها قدر التعيين في ثانوية القدس التأهيلية التي لم نمض بها سوى موسمين دراسيين بالتمام والكمال قبل نعود إلى مدينة الزهور، العام الأول منهما كان في إطار التكليف بثانوية السلطان مولاي الحسن الإعدادية وتحديدا في ملحقة الزبير بن العوام، ورغم مقامنا القصير والعابر ببلاد احمر، استطعنا التقاط الكثير من المشاهد التي لازالت عالقة في الأذهان رغم مضي خمس سنوات على مغادرتنا للمنطقة.

مشاهد متناثرة كحبات القمح، تقاطعت فيها كل صور البساطة والتواضع والتهميش والإهمال والإقصاء، بشكل يوحي أن المنطقة تقف كما وقف حمار الشيخ في العقبة، فلا هي ارتدت فستان المدينة، ولا هي تخلصت من جلباب القرية الكبـرى، ولم تتوقف جائحة الإقصاء عند البشر والبنيات والتجهيزات والمرافق، بل تجاوزته حتى إلى الحجر الذي لم يسلم بدوره من أيادي العبث والفساد، ونشير في هذا الإطار، إلى واقع حال “مدرسة الأمراء” التي كانت تشكل خلال زمن مضى، إحدى المراكز التربوية والتكوينية لأمراء الأسرة العلوية ومن يرافقهم من أبنـاء النخبة، وهذه المدرسة لم يتبق منها اليوم، إلا الأطلال التي تنتظر أن تجود الشماعية بشاعر يبكي أنقاضهـا.

كان بودنا أن ننبـش في حفريات ما رصدناه من صور ومشاهد الإقصـاء التي تبدو للزائرين والعابرين بمجـرد أن تستقبلهم أتربة الشماعية وكلابها الضالة ومتشرديها وعرباتها المجـرورة بالدواب، لكن، ومهما كانت قدرتنا على التذكر والوصف والتعبير، فيصعب علينا أن ننـوب عن الساكنة الشماعية في نقل معاناتها وكشف النقـاب عن تطلعاتها وانتظاراتها، كما يصعب علينا ترجمة آهات ومتاعب التلاميذ القادمين إلى الشماعية من مختلف الجماعات والدواويـر المجاورة، من أجل متابعة دراستهم الإعدادية والثانوية، حاملين معهم فقرهم وأوجاعهم، لتنضاف إليهم متاعب أخـرى مرتبطة بأعبـاء التمدرس و السكن والأكل، خاصة بالنسبة لمن لم يفلـح في الإقامة بداخلية ثانوية القدس التأهيلية أو إحدى دور الطالب على قلتها.

لكن بالمقابل، نستطيع توجيـه البوصلة نحـو مختلف المجالس الجماعية التي تحملت تدبيـر الشأن المحلي بالشماعية طيلة سنــوات، والتي تتحمل جميعها مسؤولية ما وصلت إليه المدينة من تواضع تنموي ومن محدودية في البنيات والتجهيزات والمرافق، مع العلم أن المدينة صغيرة الحجم ومتحكم فيها، وكان يفتـرض أن تكون مدينة صغيرة تتوفر فيها كل شروط الجذب والاستقطاب والاستقرار والنماء، في ظل موقعها الاستراتيجي الهام الذي يجعلها حلقة وصل بيـن مدينتي أسفي ومراكش من جهة، واليوسفية وشيشاوة من جهـة ثانية، فضـلا عن العمق التاريخي والإيكولوجي للمنطقة، دون إغفـال مؤهلاتها الفلاحية خاصة على مستوى اللحـوم الحمراء.

ونحن نعيش في سياق الحملة الانتخابية استعدادا لاستحقاقات ثامن شتنبـر، نستغلها فرصة، لنوجـه رسالة مفتوحة إلى الأحزاب السياسية بالشماعية ومرشحيها، من أجل الوعي بالعمق التاريخي للمنطقة وبعدها الاستراتيجي، وتقدير حجم الخصاص الذي تعاني منه المدينة في البنيات التحتية والمرافق والتجهيزات العمومية، والانخراط في تعاقدات انتخابية مع المواطنين، تتأسس على تقديم برامج انتخابية واضحة تسمح بالمساءلة والمحاسبة، من شأنها إحداث إقلاع تنموي حقيقي، يعيد الاعتبار للمدينة وساكنتها وما تجره المنطقة من تاريخ ضارب في القــدم، وإلا ما الجدوى من الأحزاب السياسية والانتخابات، مادامت حليمة تعــود إلى عادتها القديمة بعد نهاية كل استحقاق انتخابي.

وعموما، فالمجلس الجماعي القادم، مدعو إلى التحلي بقيم المواطنة الحقة وما يرتبط بها من مسؤولية وتضحية ونكــران للذات، وأن يستعجل إيجاد حلول وبدائل تنموية خادمة للبـلاد والعبـاد، خاصة وأن المغرب سيكون على موعد مع نموذج تنموي جديد، والمواطن “الشماعي” لابد أن يتحمل مسؤوليته المواطنة في التصويت على الأنسب والأصلــح مهما كان رمزه الحزبي، ونـرى أن أرض الشماعية المعطاء، أنجبت كفاءات عالية مشهود لها بالخبرة والنزاهة والاستقامة ونكـران الذات، يمكن التعويل عليها، لإحداث قطيعة مـع الماضي، من أجل إنقاد مدينة محاصرة بين فكي البؤس والإقصاء، مع التوضيح أن هذه الوضعية المأسوف عليها، هي صفة مشتركة تتقاسمها الكثير من المجالات الحضرية والقروية، نتيجة عقود خلت، من التدبير العابث والمفلس، في سياق أو سياقات تكاد تغيب عنها شمس “ربط المسؤولية بالمحاسبة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *