سياسة

مسار مشوق لمنتخب محلي .. تحديات رئاسة مجلس آيت سبع (الحلقة 5)

يسر جريدة “العمق المغربي” أن تقدم لقرائها الكرام مقتطفات من كتاب “مسار منتخب. لقطات من ذاكرة آيت سغروشن” لمؤلفه الأستاذ بناصر أحوجيل. وهو كتاب غني بالمعلومات والتفاصيل عن سلسلة طويلة من الانتخابات المحلية التي خاضها الكاتب باسم عدد من الأحزاب منذ 1976. هذه اليوميات المفصلة والمعززة بعشرات الأسماء والصور تعتبر شهادة فريدة من نوعها للتاريخ وللباحثين. خاض بناصر أحوجيل تجربة رئيس جماعة في قرية صغيرة بالأطلس المتوسط هي “آيت السبع” طيلة 45 سنة قبل أن ينطلق إلى السياسة على الصعيد الوطني، وهو ما جعله يتعرف على عدة شخصيات مثل: المحجوبي أحرضان، عبد الكريم الخطيب، عبد الله القادري، إدريس البصري… وغيرهم.

الحلقة الخامسة: تحديات رئاسة مجلس آيت سبع.

خرجت من الجهاد الأصغر ودخلت إلى الجهاد الأكبر، لأن المهم لم يكن بالنسبة لي كيف أصبح رئيسا ولكن الأهم كان كيف يجب أن أكون رئيسا. كانت تنتظرني عدة تحديات وعدة إكراهات تتطلب مني الكثير من الاجتهاد والكثير من الصبر والحكمة، خاصة وأنني كنت أحمل أفكارا حداثية، لكن المناخ حينذاك لم يكن بعد مناسبا لذلك، لأن التجربة الديمقراطية كانت لا تزال في مهدها. فلا السلطة كانت مستعدة للتأقلم بسرعة مع الوضع الجديد ولا المواطنون فطنوا بأن الأمور قد تغيرت وأن هناك مفهوما جديدا للسلطة وفقا لظهير 1976 . فكنت بين المطرقة والسندان، وما كان علي إلا أن أتأقلم مع الأحداث والشروع في تحمل المسؤولية بالتركيز على الأولويات، منها :
– توفير مقر خاص بالجماعة،
– توفير الوسائل البشرية والمادية اللازمة لمواكبة الاختصاصات
الجديدة لرئيس الجماعة،
– العمل على حل بعض المشاكل الأساسية الموروثة عن العهد السابق.
فكيف كان حال الجماعة آنذاك ؟

كان مكتب الرئيس، أو بالأحرى مقر جماعة آيت السبع بجميع مرافقه الإدارية مكدسة داخل مكتب واحد لا تتعدى مساحته ثمانية أمتار مربعة كان قديما عبارة عن زنزانة تم تخصيصها للاعتقال الاحتياطي تحت الطابق الأرضي لبناية مقر الباشوية الحالية. ومن حسن الحظ أن الجماعة في ذلك الوقت كانت لا تتوفر إلا على موظف واحد وهو الحاج عقى الكلتاوي الذي كان يقوم بجميع المهام الإدارية. فهو الحيسوبي، وهو المحرر، وهو موظف الحالة المدنية، وهو تقني الجماعة. هذا الرجل النزيه، الأمين والمتفاني في عمله، والوفي لرؤسائه، كان رجلا كفؤا ومتواضعا، تعلمت على يديه الكثير من الدروس في مجالي التسيير الإداري والمالي، نظرا لتكوينه في الميدان وتجربته الطويلة بنفس الجماعة. وكان يعمل بجانبه محصل مداخيل الأسواق المرحوم الطالب ادريس، بالإضافة إلى ستة أعوان يعملون أيام السوق الأسبوعي، ضمنهم حارس عين الشفاء، موحى وحماد رحمه الله.

كنا نعقد دوراتنا بمكتب القائد لمدة سنة أو أكثر بقليل. فبقدر ما أنا كنت منزعجا وغير راض عن هذه الوضعية، بقدر ما كان القائد عبد اللطيف السلاسي مرتاحا ومسرورا، ظنا منه بأن الوضع لا زال على حاله وأن الجماعة لا زالت تحت وصايته. لم أعد قادرا على تحمل ثقل هذه الإهانة لوقت أكثر؛ وبتشاور مع أعضاء المجلس، قررت مغادرة مقر القيادة بصفة نهائية والبحث عن مقر مستقل وجدته على الشارع الرئيسي المحادي للطريق الوطنية العابرة لإيموزار كندر قبالة الحديقة العمومية.

كان المبنى الذي وجدته من أجل الكراء، عبارة عن فيلا في ملك سيدة مناضلة وغيورة على آيت سغروشن، كنت أنا وإياها نتبادل التقدير والاحترام، إنها زهرة السبعاوية رحمة الله عليها. كانت الفيلا تتألف من ثلاثة غرف خصصنا واحدة منها مكتبا للرئيس ونوابه، وواحدة للشؤون المالية والمحاسبية، ثم غرفة خاصة بالرقن وتسليم الشواهد الإدارية المختلفة، بالإضافة إلى غرفة خارج المنزل بجانب المرآب، استعملناها للأرشيفات والتي أصبحت فيما بعد مكتبا للمحامي الأستاذ العاشوري. أعتقد بأنني كنت أول رئيس على صعيد الإقليم يتخذ مثل هذا القرار الجريء. فكنت أعلم بأن هذه العملية لن تكون سهلة المنال لأن السلطة كانت ستقوم بمناوراتها من أجل إبطالها، فبادرت إلى ربط اتصال مباشر مع رئيس قسم الجماعات المحلية بعمالة إقليم فاس، ادريس الرهوني رحمه الله، الذي كان له تأثير كبير على رجال السلطة آنذاك، نظرا لكفاءته ولقربه المتميز من العامل. كان رجلا إداريا نزيها، شغوفا بعمله.

(…)
لما سألني سي الرهوني عن أهم المشاكل التي كنت أتعرض لها بعد أن تقلدت منصب الرئاسة، وجدتها فرصة سانحة لأطرح عليه مشكل المقر. فوافق على فكرة كراء مقر مؤقت للجماعة، بل أقترح علي هو بنفسه أن أسجلها كنقطة في جدول أعمال الدورة العادية لشهر أكتوبر الذي كان على الأبواب من أجل فتح فصل خاص بمصاريف الكراء، وشجعني على الانتقال إلى المقر الجديد قبل المصادقة على الميزانية.

مباشرة بعد أسبوع من زيارتي إلى سي ادريس الرهوني، انتقلنا فعلا إلى المقر الجديد. بعد ذلك، انصب تركيزي على مشكل الوسائل البشرية، والتي بدونها لن يتأتى لي بمفردي تحقيق برنامج التنمية الذي أخذت على عاتقي أن أنجزه. وهكذا، بدأت بتوظيف ستة أعوان، ومحررين اثنين، وتقني واحد، وسائق، ورصاص، وكهربائي؛ لأقوم فيما بعد بزيادة عدد آخر من الأعوان والموظفين في السنوات الموالية خلال الثلاث ولايات التي قضيتها كرئيس جماعة آيت السبع. وللتذكير، لمن أراد أن يعترف، فإن كل الموظفين والأعوان بجماعة آيت السبع تم توظيفهم على يدي، باستثناء اثنين أو ثلاثة. وجل هؤلاء الموظفين ينتمون لقبيلة آيت سغروشن، بالإضافة إلى بعض الأطر الإدارية والتقنية المختصة التي كانت تلحقهم الإدارة الوصية مباشرة بالجماعات المحلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *