سياسة

مسار مشوق لمنتخب محلي .. لقاء مع المستشار الملكي كديرة لإنشاء حزب جديد (ح 8)

يسر جريدة “العمق المغربي” أن تقدم لقرائها الكرام مقتطفات من كتاب “مسار منتخب. لقطات من ذاكرة آيت سغروشن” لمؤلفه الأستاذ بناصر أحوجيل. وهو كتاب غني بالمعلومات والتفاصيل عن سلسلة طويلة من الانتخابات المحلية التي خاضها الكاتب باسم عدد من الأحزاب منذ 1976. هذه اليوميات المفصلة والمعززة بعشرات الأسماء والصور تعتبر شهادة فريدة من نوعها للتاريخ وللباحثين. خاض بناصر أحوجيل تجربة رئيس جماعة في قرية صغيرة بالأطلس المتوسط هي “آيت السبع” طيلة 45 سنة قبل أن ينطلق إلى السياسة على الصعيد الوطني، وهو ما جعله يتعرف على عدة شخصيات سياسية مثل: المحجوبي أحرضان، عبد الكريم الخطيب، عبد الله القادري، إدريس البصري… وغيرهم.

“مسار منتخب. لقطات من ذاكرة آيت سغروشن”. 2020. مطبعة دار القلم. الكتاب موجود في المكتبات

الحلقة 8: لقاء مع المستشار الملكي كديرة لإنشاء حزب جديد

(…) قررت مع مجموعة من الأصدقاء تأسيس حزب جديد تحت اسم : الحزب الاجتماعي الديمقراطي سنة 1988 .لم يكن تأسيس حزب سياسي آنذاك أمرا سهلا بدون إرادة الدولة. مع ذلك غامرت، فحاولت طلب موعد مع وزير الداخلية ادريس البصري بواسطة كاتبته الخاصة المرحومة السيدة المسناوي التي كنت أعرفها جيدا عندما كنت رئيس ديوان وزير النقل. كان من حسن حظي أن يقبل البصري استقبالي بوزارته، وكان من سوء حظي أن يستقبلني واقفا بقاعة الانتظار. لما سألني عن سبب الزيارة، قلت له بأن غرضي من مقابلته هو طلب الترخيص لي بتأسيس حزب سياسي؛ فقاطعني في الحين ونبهني بأنه غير مختص في “توزيع” رخص تأسيس الأحزاب السياسية. فأحالني على ظهير الحريات العامة وخاصة ما يتعلق بتأسيس الجمعيات السياسية.

وقال لي بالحرف : “إذا كان ملفك يستجيب للشروط المطلوبة في هذا الشأن، فيمكنك أن تؤسس حزب” لقد كان يعرف ماذا أريد، وكنت أعرف ماذا يقصد. كنت أعلم بأنني إذا وضعت الملف بعمالة الرباط سيكون مآله الرفض، فقررت أن أضعه بعمالة فاس وخصوصا بقيادة إيموزار كندر. لجأت أولا إلى عامل الإقليم مولاي المهدي العلوي رحمه الله الذي أخبرته عن نيتي بتأسيس حزب سياسي، فذكرني بأن هذا الأمر من اختصاص الوزارة. ولما أخبرته بأنني قابلت وزير الداخلية في هذا الشأن وبأنه أحالني على قانون تأسيس الجمعيات، قال لي: “إن الوزير على صواب. وأنا أقول لك نفس الكلام ” .

انتقلت في الحين إلى إيموزار كندر وعرضت الموضوع على القائد والصديق حسن سحيمي فرفض تسلم الملف. وقلت له بأنني قد قابلت العامل وأنه على علم بالموضوع. ولطمأنته أكثر، قلت له: “أنا لا أطلب منك الترخيص، ولكن من حقي أن أدع ملفا في إدارتك وأتسلم مقابله وصلا بالإيداع” . ولما أحرجته، طلب مني الانتظار خارج مكتبه لبعض الوقت، ربما من أجل استشارة رؤسائه في الموضوع. انتظرت بالباب أكثر من نصف ساعة لينادي علي ثم ليسلمني وصل الإيداع. ومن قيادة إيموزار هرعت مباشرة إلى محكمة صفرو حيث تسلمت وثيقة الإشهاد من طرف وكيل الملك. وبهذه الإجراءات اعتقدت بأنني استوفيت الشروط المنصوص عليها في قانون الجمعيات السياسية، فشرعت مباشرة، رفقة بعض الأعضاء المؤسسين، في القيام بجولات في بعض أقاليم المملكة لاستقطاب المناضلين، تمهيدا لعقد المؤتمر التأسيسي. ولم تمض سوى حوالي أربعة أشهر على تحركاتنا، حتى توصلت باستدعاء عاجل من السيد مدير الشؤون العامة بوزارة الداخلية آنذاك سي حفيظ بنهاشم الذي أمرني بكل لطف تجميد نشاط الحزب إلى أجل غير مسمى.

وكان ذلك بحضور مساعده آنذاك الشرقي ضريس ووالي جهة فاس – بولمان امحمد ضريف. كان أمرا مفاجئا وصادما بالنسبة إلي وإلى جميع الرفاق، ولم يبق لنا أمل سوى الاستنجاد بالدوائر العليا. فتجرأت مرة أخرى باللجوء إلى مستشار الملك المشمول برحمة الله الأستاذ أحمد رضا اكديرة الذي استقبلني بتواضع ملفت بمكتبه في الديوان الملكي، ورفعت إليه تظلمي على إثر المنع الذي تعرضت له من طرف وزارة الداخلية، لكنه اعتذر لي بعدم تدخله في هذا الموضوع بحجة عدم الاختصاص. انتهت إذن كل المحاولات، فرجعت خطوة إلى الوراء في انتظار فسحة أمل يأتي بها المستقبل. لكن هيهات، هيهات. كانت الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ وخاصة منذ 1988 ، بعد وفاة الحاج سعيد أمزيان، وبعد فشلي في تأسيس الحزب. في نفس الوقت كانت ملامح الانشقاق تلوح في الأفق بيني وبين الأخوين بلقاسم والحاج ادريس، ربما بتحريض من خصوم الماضي وخصوم الحاضر فأصبحت محاصرا من جميع الجهات.

ومما زاد في الطين بلة قرار وزارة الداخلية بتمديد مدة الولاية الانتخابية إلى غاية 1992، عوض 1989 . في هذه الفترة كذلك، كان أحرضان يتهيأ لتأسيس حزبه الجديد، الحركة الوطنية الشعبية، الذي سيعرف النور سنة 1991 . فكان يجمع منخرطين جددا من هنا وهناك لتثبيت حضوره في مختلف الأقاليم وخاصة بالأطلسين المتوسط والكبير؛ فأخذ حصته من آيت سغروشن، تضم مجموعة صغيرة من أشخاص لم تكن لهم من قبل أية صلة بالسياسة. وهذه المجموعة، ضمنها مصطفى إمشوي وأمثاله، هي التي ستحاربني بشراسة في انتخابات 1992.

ثم جاءت الطامة الكبرى لما تم إحداث العمالة الجديدة لإقليم صفرو مع تعيين عامل جديد عليها سنة1991 ، والذي لم يدخر أي جهد لإقصائي نهائيا من جماعة آيت السبع أو بالأحرى من قبيلة آيت سغروشن. إلا أنه تراجع بعض الشيء بعد انتخابات 1992 لما اعترف لي بأنه قد تم تضليله من أحد أصدقائي المقربين، والذي ذكره بالاسم. لكن اعترافاته لم تنفعني في شيء بعد فوات الأوان، وبعد أن عانيت وخسرت الكثير بسببه، سامحه الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *