سياسة

مسار مشوق لمنتخب جماعي .. صراع وهزيمة في انتخابات 1992 (الحلقة 9)

يسر جريدة “العمق المغربي” أن تقدم لقرائها الكرام مقتطفات من كتاب “مسار منتخب. لقطات من ذاكرة آيت سغروشن” لمؤلفه الأستاذ بناصر أحوجيل. وهو كتاب غني بالمعلومات والتفاصيل عن سلسلة طويلة من الانتخابات المحلية التي خاضها الكاتب باسم عدد من الأحزاب منذ 1976.

هذه اليوميات المفصلة والمعززة بعشرات الأسماء والصور تعتبر شهادة فريدة من نوعها للتاريخ وللباحثين. خاض بناصر أحوجيل تجربة رئيس جماعة في قرية صغيرة بالأطلس المتوسط هي “آيت السبع” طيلة 45 سنة قبل أن ينطلق إلى السياسة على الصعيد الوطني، وهو ما جعله يتعرف على عدة شخصيات سياسية مثل: المحجوبي أحرضان، عبد الكريم الخطيب، عبد الله القادري، إدريس البصري… وغيرهم.

“مسار منتخب. لقطات من ذاكرة آيت سغروشن”. 2020. مطبعة دار القلم. الكتاب موجود في المكتبات.

الحلقة 9: صراع وهزيمة في انتخابات 1992

وجاء يوم الاقتراع المشؤوم. اليوم الرهيب والمرعب. فكان حقا يوما عسيرا علي. كانت الأنظار كلها متجهة إلي. وكل الخصوم كانوا ينتظرون التخلص مني مبكرا في دائرتي الانتخابية؛ لكنني لم أستسلم لأنني كنت معتمدا على الله، وعلى أهلي من آيت صالح الذين علمتهم الصمود والاستماتة أمام أي استفزازات مهما كان نوعها ومهما كان مصدرها. لقد تصديت بقوة للتدخلات السافرة لقائد آيت السبع آنذاك، الذي ترك مكتبه وظل حارسا للطريق المؤدية من الدوار إلى مكتب الاقتراع للتأثير على الناخبين بالتصويت لصالح منافسي. لما توصلت بالخبر، أتيت إليه مهرولا رفقة ثلة من أنصاري، وعند وصولي إليه قلت له: “إما أن تغادر هذا المكان حينا وإلا ستكون مسؤولا عما سيحدث ” . فقال: “أنا هنا أقوم بمهامي، من أجل المراقبة فحسب ” . ثم قلت له: “وهل المراقبة مفروضة فقط على دائرة أحوجيل دون الدوائر الأخرى؟ ” . صمت بعض الوقت، ثم انصرف وهو يقول بصوت خافت: “الله يعفو علينا.” وكأنه أراد أن يقول لي بأنه كان ينفذ التعليمات.

كنت قد أوصيت ممثلي في عملية الفرز أن لا يغادر المكتب إلا بعد حصوله على محضر موقع من رئيس المكتب وكافة الممثلين الآخرين. وكاد أن يحصل ما كنت أخشاه لما أتى مرسول من القيادة يبلغ رئيس المكتب بأن القائد يأمره أن يأتي بالصندوق إلى مقر القيادة قبل التوقيع على المحاضر. خرج ممثلي في الحين ليخبرني بالأمر. وما إن سمع الناخبون الخبر حتى حضروا بالعشرات إلى باب مكتب التصويت مدججين بالعصي والحجارة. انصرف المرسول، وبقينا معتصمين لمدة ساعتين تقريبا إلى أن وصل الكاتب العام للعمالة شخصيا، فأمر رئيس المكتب بتسليم المحاضر لممثلي في عملية الفرز ثم هنأني رسميا أمام الحضور من أنصاري وأنصار منافسي. فهمت في الحين سبب ذلك “الإخراج المسرحي ” ، وهو أنهم لما سئموا من إقصائي من العضوية لجأوا إلى تلك الخطة من أجل ربح الوقت لترتيب عملية الرئاسة.

تبادلت التهاني مع أنصاري، ثم توجهت مباشرة إلى منزل والدي بإيموزار الذي كان بمثابة محطة مركزية للقاءات فريقنا. ومع وصولي وجدت في انتظاري الرفاق الأوفياء حدو عشار، محمد أحراشي والطالب رحو، بينما أخلف الوعد كل من لحسن الكبدوري، وادريس المساعدي، وموحى وادريس أمعضور، وعلي خايف الله. ومعنى ذلك أن فريقنا لم ينهزم، بل فاز بثمانية مقاعد مقابل خمسة للخصوم، حيث حصلنا على الأغلبية لولا التدخل الفاضح للجهات المعلومة التي نزلت بثقلها بالترغيب والترهيب لحث أربعة أعضاء من مجموعتنا الأصلية على الالتحاق بالفريق الآخر.

وبعد منتصف الليل، حاولنا أن نسأل عنهم أهاليهم فأخبرونا بأنهم غادروا إيموزار إلى مدينة المحمدية عند موحى وادريس أمعضور رحمه الله. في الحقيقة لم أعتبرها خيانة من طرف إخواننا الذين التحقوا بالمجموعة الأخرى، لأنهم كانوا مكرهين للاستسلام أمام الضغوطات التي تعرضوا لها من كل الجهات، وخاصة منهم المرحوم لحسن الكبدوري الذي كان صديقا كبيرا لي، وكان هو وإخوانه دائما بجانبي منذ سنة 1976 فكنت ولا زلت صديقا وفيا لهذه العائلة الكريمة رغم كل ما حدث.

وعلى ذكر المرحوم لحسن الكبدوري، أستأذن قرائي الكرام للرجوع بالتاريخ مرة أخرى إلى الوراء، وبالتحديد إلى انتخابات 1983، عندما كان سي لحسن شيخ آيت السبع وتم الأمر بتوقيفه مؤقتا عن العمل يوم الاقتراع والمكوث طيلة النهار بمكتب القائد بإيموزار. فلما علمت بالخبر، هرعت في الحين إلى القيادة للاحتجاج على هذا القرار لدى القائد التفاحي الذي كان صديقا لي قبل التحاقه بإيموزار، فأكد لي بأن الأمر أتى من الأعلى. اتصلت مباشرة برئيس الدائرة منبها إياه بأن هذا القرار الذي تم اتخاذه ضد شيخ بعينه دون الشيوخ الآخرين، فقط لأنه صديق لي، فهذا يعني إشارة من السلطة للناخبين بعدم التصويت لصالح المرشح الذي أسانده، أي ادريس منتصر رحمه الله. كان رئيس الدائرة عبد السلام أورحو رجلا حكيما حيث فهم الرسالة بسرعة فائقة ثم أمر بتحرير الشيخ لحسن في الحين، بل اقترح علي أن أقله على متن سيارتي الشخصية من إيموزار إلى عين الشفاء. فكان لهذا الحادث وقع إيجابي على سير العملية الانتخابية لصالح مرشحي منتصر، كما كان بمثابة رد الاعتبار للشيخ الكبدوري.

وبالعودة إلى الموضوع الذي كنا بصدده لما كنا نتحدث على ما بعد نتائج انتخابات 1992. لقد كنت أنا ورفاقي الثلاثة، حدو عشار، ومحمد أحراشي، والطالب رحو، مطمئنين، غير متأثرين نهائيا بنتائج الاقتراع. بل اعتبرناها انتصارا لنا، وخاصة لما التحق بنا بعض الأعيان من أنصارنا وفي مقدمتهم ادريس والحسان، والد محمد أحراشي رحمهما الله. فلما دخل علينا ادريس أحراشي ووجدنا هادئين، نظر إلينا وقال: “هنيئا لكم يا أبطال القبيلة.

أنتم الفائزون حقيقة، والآخرون هم الخاسرون، لأن المخزن هو الذي فاز عوضهم ” . ثم التفت إلى ابنه محمد قائلا: “كن دائما يا بني في صف الرجال ولو كانوا قلة، ولا تكن مع الجبناء ولو كانوا كثرا ” .. وجاء يوم تشكيل المكتب، فحضرت أنا ورفاقي في المكان والزمان المحدد. ترشح للرئاسة مصطفى إمشوي. وبكل برودة دم ترشحت لمنافسته علما مني بأن النتيجة كانت محسومة مسبقا لصالح إمشوي. لكنني تعلمت أن لا أستسلم أبدا ولو في حالة الهزيمة وأن أبقى صامدا قويا إلى نهاية الحرب، تطبيقا للحديث الشريف: “المؤمن القوي عند الله خير وأحب من المؤمن الضعيف “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *