وجهة نظر

تجربة العدالة والتنمية.. نهاية أطروحة ونكسة مشروع (1): جاء وقت الحديث

يقدم الكاتب والإعلامي، والعضو سابقا بالمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، ماهر الملاخ، دراسة في مسار حزب المصباح  وأسباب الخسارة التي لحقته في الانتخابات التشريعية والانتخابية الجماعية والجهوية التي جرت يوم الأربعاء 8 شتنبر.

هذه الدراسة تنشرها جريدة “العمق” على حلقات.

الحلقة 1: وجاء وقت الحديث

تنويه قبل البدء:

ليس المقصود من هذا المقال التأريخي التحليلي، إثارة نعرات سابقة، أو التجريح في أشخاص، لهم من صاحب المقال كل التقدير والاحترام. وإنما القصد هو تسليط الضوء على مرحلة من مراحل تاريخ الحركة الإسلامية بالمغرب، لا تزال تتفاعل وتؤثر على الوقائع التي تعيشها البلاد. في حين لم يكتب عنها الكثير، وتكاد تفاصيل هامة تندثر وتنمحي في ظل غياب تدوينها. وهو ما يؤثر سلبا على تشكيل الوعي السياسي لدى الجيل الذي لا يزال يجهلها. وهي معطيات تمت معايشتها، والتحري بدقة عنها. وأي خطأ في المعطيات سيكون غير مقصود، ومرحب بمن يقوّمه ويصوّبه.

بين يدي المقال

حطت انتخابات 2021 أوزارها، وكشفت عن واقع سياسي جديد، فلن يكون لحزب ترأس الحكومة لولايتين متتاليتين أي دور في التسيير.مشهد درامي غريب، عن طبيعة السياسة المغربية، التي يطبع مزاجها الشعبي كما الرسمي، على الدوام: سلاسة في التغيير، ومرونة في التحول.

لا يهم كثيرا ما إن كانت تلك النتائج حقيقية أم “مخدومة”. إذ في الحالة الأولى، سيكون هذا الحزب قد استنفد شعبيته تماما. كما ستكون الدولة العميقة، في الحالة الثانية، قد استنفدت أغراضها منه أيضا.

وإذا كان شيء من هذا وشيء من ذاك، فسيكون عامل الاستنفاد هو الحقيقة المشتركة.

ولكن الأهم في كل الحالات، هو أمران: إن نتائج انتخابات 8سبتمبر لا تعكس حقيقة وحجم حزب العدالة والتنمية. وهذا أمر يمكن أن نسهب في تفصيله، ولكن ليس في هذا المقال.

الأمر الثاني والأهم: أن نمارس نوعا من التحليل الشامل، ونتساءل:

كيف آلت هذه التجربة إلى هذا المآل المفجع، فأزيح هذا الطيف السياسي المغربي عن المشاركة في تدبير الشأن العام، وهو الذي شغل الرأي العام أكثر من عقدين من الزمان؟

وما مآل أطروحته التي كان يحملها، وهل سيؤثر سقوطها على تماسك كيانه الحزبي، ومن ثم على مشروعه السياسي برمته؟

أم هل ستتمكن كفاءات حزب العدالة والتنمية المغربي مستقبلا، من فرز أطروحة بديلة، أقدر على الجواب عن تحديات الواقع السياسي بالمغرب؟

ولمقاربة كل ذلك، لا بد من إعادة تركيب قصة تلك التجربة، وقراءتها قراءة وافية متأنية، من منظور أطروحاتي، للوقوف على خلفيات المواقف، وحقيقة التفاصيل التي غابت في زحمة الأحداث، وألغيت من الحساب في غمرة “الانتصارات”.

قد جاء وقت الحديث

حقيقة، إن جيل مناضلي حزب العدالة والتنمية، والذي التحق به عند فترة صعوده وانتصاراته، بعد 2003، لم يعايش التفاصيل الجينية التي شكلت لحظة نجاح حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2011، وبالتالي فلا شك أن تفاعله مع تلك المرحلة سيكون تفاعلا سطحيا، كما أن وعيه السياسي والحزبي قد يكون تأثر بذلك سلبا، وجعله غير مستوعب بشكل جيد لطبيعة التحولات التي طرأت أمامه، وخاصة في لحظة ما سمي ب”البلوكاج ” بعد 7 اكتوبر، أو عند انتكاسته الكبرى بعد 8 سبتمبر.

وبالتالي فهذا الجيل الجديد، لن يعول عليه في اجتراح أي مقترحات، للخروج من تلك النكسة التي يعيشها، ما لم يُعِد تأسيس وعيه السياسي والحزبي بناء على معطيات التاريخ والسياسة.

وقد ساهم في ذلك الواقع، إحجام من عايش تلك الحيثيات عن الحديث، إما بسبب الانخراط العملي في الأطروحة التي سادت بعد أحداث 16 ماي، آملا فياختراقها من الداخل.. أو بسبب الانكفاء في ظل “الإخوان” وحواليهم، حتى لا يكون عليهم.

وهناك فئة ثالثة، ربما ينتمي إليها صاحب المقال:كان المرء فيما سبق، ينأى عن تقديم قراءة نقدية علنية، لتك التجربة وهي في غمار تحققها، بالرغم من ظهور معضلات خطيرة تنبئ عن سوء العاقبة. وذلك، خشية توظيفها في سياق التشويش والتحكم اللذين واكبا تجربة حكم العدالة والتنمية، ولم يتوقفا عن الاشتغال لحظة واحدة.

إلا أن المسؤولية التاريخية، اليوم، تحتم على من عايش تلك الحيثيات، أن يدلي بشهادته ورأيه، باعتبار أن مشروع الإصلاح الذي تبناه هذا الطيف السياسي، مفتوح على احتمالات فاصلة، بعد أن سقطت أطروحة من أطاريحه، التي اشتغل بها قبل وخلال فترة مشاركته في تسيير البلاد.

كما إنه، من حق المواطن المغربي عموما، أن يدرك العديد من خلفيات ما حصل، حتى إذا حكم على التجربة، سلبا أو إيجابا، أن يحكم عليها وهو يمتلك المعطيات الكافية.

غير طارحين من حسابنا، كون تجربة العدالة والتنمية بالمغرب، كانت محط تتبع واهتمام، من طرف كيانات وكفاءات سياسية خارجية أخرى، قد تشترك أو تختلف مع المشروع.

لذلك نقول: جاء وقت الحديث.

إقرأ الجزء 2: تجربة العدالة والتنمية.. نهاية أطروحة ونكسة مشروع (2): في البدء كانت أطروحتان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *