وجهة نظر

السنوسي يكتب: الرشوة بنت الفساد وجدهم هو الاستبداد

لاحظت منظمة ” ترانسبارنسي المغرب” بحسن نية تراجع وثيرة شكوى المغاربة من الفساد مقارنة مع السنوات الماضية، حيث أن مراكز المساعدة القانونية ضد الفساد التابعة لها سجلت شكاوى أقل، لكن الواقع الراهن يحيلنا على استنتاجات لا تكتفي بالإحصائيات التي يمكن تأويلها في كل اتجاه، إذ أن عدم شكوى المغاربة من الفساد و الاحتجاج ضده لا يعني بتاتا أن صفحة الفساد قد طويت تماما بالمغرب و اختفى كل أثر للنهب و التضييق على الحريات و التجاوزات الخطيرة، و ” ترانسبارنسي المغرب” تعمل كل ما في جهدها لمحاربة الفساد و الرشوة.

و لعل فتور الاحتجاج مرده ربما أن المغاربة يعرفون أن الرشوة بنت الفساد و أن الاستبداد هو الحاضن و الراعي لهما، ثم أن الصيغ المتداولة لم تعد تجدي نفعا، لا لدى ” السائلين” و لا لدى “المسؤولين” الذين يعملون بكل خبث و تحرميات في محاولة للتطبيع مع هذه المبادرات، بل أن المسؤولين أنفسهم يوصون إعلامهم المخزني المسير عن بعد و عن قرب بإرسال كاميراته إلى ميادين الاحتجاج لنقل بعض اللقطات على القنوات التلفزية السلطوية و بدون إعطاء الكلمة للمحتجين، و حتى و إن حدث و تدخل بعض المتظاهرين ليعبر عن رأيه فإن المشرفين على هذه التلفزة يعملون على حذف مداخلته، لأن هذه الكاميرات حضرت للقيام بأخذ صور للمحتجين و النشطاء الحقوقيين و القيام بالتغطية و التعتيم على الحقائق كعادتها، و ليس القيام بالتغطية الإعلامية النزيهة لسبب بسيط هو أن الإعلام في بلادنا ينخره الفساد و الرشوة و الرأي الوحيد أي رأي السلطة، كل ما يريدون هو إظهار أن هذا الاحتجاج يتعلق بحدث بسيط و عادي لا يستدعي أي تهويل أو تبعات، إنهم يفضلون “الاحتجاج” الفولكلوري أو الاحتجاج المعزول وسط لامبالاة المارة، هذا هو هدفهم.

إن ثقافة الاحتجاج و الرفض لا تنطلق من عدم و إلا فإنها تتحول إلى حوار الصم مع البكم. و في الديمقراطيات التي تستحق هذا الوصف، تقوم المؤسسات بإبلاغ الاحتجاج إلى الجهات المعنية ( و ماذا لو كانت هذه الجهات المعنية، معنية بازدهار الفساد و العناية بعشبة الرشوة) و متابعة الملفات، (عندنا يتابعون المتظاهرين عوض الملفات) إلى أن يتم الحسم فيها، و لذلك يتم الحديث عن “ممثلي الأمة” المنتخبين في ظروف تتميز بالشفافية التامة انطلاقا من معيار الكفاءة و منطق الشخص المناسب في المكان المناسب في المغرب تتميز العملية الانتخابية بتزوير الإرادة الشعبية بالشفافية التامة أمام أعين الجميع.

أما في غياب التمثيلية الديمقراطية، فإن الاحتجاج نفسه يتعرض لقرصنة سلطوية في محاولة يائسة لتسويقه خارجيا على أنه ثمرة انفتاح ديمقراطي “هذا راه انفضاح” و صيانة للحريات و الحقوق و على رأسها الحق في التعبير شوفو على جبهة، و ذلك من أجل الترويج لوهم الاستقرار السياسي و السلم الاجتماعي، أي الشروط الأساسية لاستجلاب الاستثمار الخارجي، هذه عملية المقصود منها تلميع صورة سلطوية غير قابلة للتلميع.