اقتصاد

البنك الدولي يحذر من تدهور الأنظمة الصحية غير المهيأة جراء تداعيات كورونا

حذّر البنك الدولي في تقرير حديث، من تدهور الأنظمة الصحية غير المهيأة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وأفاد البنك الدولي أن جائحة كورونا تضع الأنظمة الصحية غير المُهيأة في المنطقة أمام اختبار قاس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعرف تعافيا ضعيفا ومتفاوتا في عام 2021، مع تأثير ذلك على النمو المحلي حيث توقعت المؤسسة الدولية أن يعرف إجمالي الناتج المحلي نموا بنسبة 2.8 في المائة بنهاية عام 2021 ، وهو مستوى منخفض عن مستوياته المسجلة قبل الجائحة.

وأورد البنك الدولي في تقريره، أن الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية طويلة الأجل وأنظمة الصحة العامة التي تعاني من نقص التمويل، أسفرت عن عدم استعداد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للاستجابة لجائحة فيروس كورونا (كوفيد- 19 )، مما أسهم في تحقيق تعاف ضعيف ومتفاوت ، في حين تسعى المنطقة جاهدة للخروج من الجائحة .

ويستعرض العدد الأخير من تقارير أحدث المستجدات الاقتصادية التي يصدرها البنك الدولي عن المنطقة، الصادر بعنوان: “الإفراط في الثقة: كيف تركت الانقسامات في الاقتصاد والرعاية الصحية منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا غير مُهيأة لمواجهة جائحة كورونا”، كيف تعرضت الأنظمة الصحية في المنطقة للإجهاد قبل تفشي الجائحة، حيث أدى ارتفاع فاتورة الأجور بالقطاع العام إلى مزاحمة الاستثمارات في الخدمات الاجتماعية مثل الرعاية الصحية، وهو ما يصفه التقرير بأنه “عدم التبصر في إدارة المالية العامة”.

وستبلغ التكلفة التراكمية المقدرة للجائحة من حيث خسائر إجمالي الناتج المحلي في المنطقة بنهاية هذا العام حوالي 200 مليار دولار. ويتم حساب هذه التكلفة عن طريق المقارنة بين إجمالي الناتج المحلي الفعلي للمنطقة وبين ما كان يمكن أن يكون عليه لو لم تكن الجائحة قد تفشت في بلدانها. ويشير التقرير إلى أن إجمالي الناتج المحلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انكمش بنسبة 3.8 % عام 2020 ويتوقع أن ينمو بنسبة 2.8 % عام 2021 .

وقال فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: في تعليق له على التقرير ” إن الأثر المدمر للجائحة على النشاط الاقتصادي في المنطقة هو تذكرة مؤلمة بأن التنمية الاقتصادية والصحة العامة مرتبطتان ارتباطا لا ينفصم. ومن الحقائق المحزنة أيضا أن الأنظمة الصحية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي كانت تعتبر متطورة نسبيا، قد تصدعت في ظل هذه الأزمة. وفي المرحلة المقبلة، يجب أن ينصب التركيز بقوة على بناء مهام الصحة العامة الأساسية والاستفادة من قوة البيانات الصحية وأنظمة الصحة الوقائية لتسريع وتيرة التعافي في المنطقة والاستعداد لمواجهة طوارئ الصحة العامة التي قد تنشأ في المستقبل بسبب الجوائح والكوارث المتصلة بالمناخ وحتى الصراعات الاجتماعية.”

ومن حيث نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، وهو مقياس لمستويات المعيشة، يتوقع التقرير انتعاشا طفيفا ومتفاوتا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2021 . إذ من المتوقع ألا يرتفع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في المنطقة إلا بنسبة 1.1 % عام 2021 بعدما تراجع بنسبة تُقدر بنحو 5.4 % عام 2020. وبحلول نهاية عام 2021 ، سيظل نصيب الفر د من إجمالي الناتج المحلي في المنطقة دون مستوى عام 2019 بنسبة 4.3 %. وستنخفض مستويات المعيشة في 13 من أصل 16 بلدا من بلدان المنطقة في عام 2021  عن مستوياتها قبل تفشي فيروس كورونا.

وبالنسبة لكل بلد على حدة، فإن معدل نمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في عام 2021 متفاوت، إذ يتراوح من – 9.8 % في لبنان الذي يمر بمرحلة كساد عميق إلى 4 % في المغرب. وسيتوقف هذا الانتعاش أيضا على النشر السريع والمنصف للقاحات؛ ولاسيما مع ظهور سلالات جديدة من الفيروس. وثمة مخاطر إضافية على النمو بسبب عدم اليقين السياسي في بعض البلدان ومدى سرعة انتعاش قطاع السياحة في بلدان أخرى .

وقالت روبرتا جاتي، رئيسة الخبراء الاقتصاديين بمكتب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي”: ” لقد أظهرت السنتان الماضيتان أن مكافحة جائحة كورونا أمر ضروري ، ليس لإنقاذ الأرواح فحسب، بل أيضا لتسريع وتيرة التعافي الاقتصادي الذي أصبح الآن ضعيفا ومتفاوتا في مختلف بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. والأنظمة الصحية المجهدة وحملات التلقيح المتأخرة في العديد من بلدانها ذات الدخل المتوسط والمنخفض تنذر بمخاطر انحدار هذا التعافي.”

وكانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من مناطق العالم النامي التي زاد فيها الإنفاق الحكومي كنسبة من إجمالي الناتج المحلي خلال العقد السابق على الجائحة، حيث ارتفع من 16 % إلى 18 % بين عامي 2009 و 2019 . وأدى هذا الإرث من القطاع العام الضخم وارتفاع الدين العام إلى مزاحمة الاستثمارات في الصحة العامة، وهو ما نقل بدوره بعض التكاليف الصحية إلى الأفراد؛ الأمر الذي يتضح من ارتفاع الإنفاق الشخصي على الرعاية الطبية على نحو غير متناسب. ومن الأعراض الأخرى لإجهاد أنظمة الصحة العامة انخفاض نسبة الإنفاق على الصحة الوقائية، وكل ذلك أسهم في ارتفاع معدلات الأم ا رض السارية وغير السارية في المنطقة مقارنة بنظيراتها. علاوة على ذلك، خلق عدد السكان الشباب في المنطقة وهما إحصائيا بأن السكان يتمتعون بصحة جيدة، وربما هو ما جعل الاستثمار في التأهب لمواجهة الطوارئ الصحية أقل إلحاحا.

ويخلص التقرير إلى أن أنظمة الصحة العامة في المنطقة لم تكن غير مهيأة لاستيعاب صدمة الجائحة فحسب، بل كانت السلطات في السابق ترسم صورة مفرطة في التفاؤل في التقييمات الذاتية لمدى استعداد أنظمتها الصحية. وهذا ما يسميه التقرير “الإفراط في الثقة”.

وربما أسهم عدم كفاية جمع البيانات واستخدامها إسهاما كبيرا في هذا الإفراط في الثقة. ويرى التقرير أن تحسين شفافية البيانات من أجل الصحة العامة يمكن أن يساعد بلدان المنطقة ليس فقط على تلبية الاحتياجات الدائمة للرعاية الصحية، بل أيضا على استعدادها لمواجهة الطوارئ الصحية في المستقبل. ويخلص التقرير إلى أن نقص الاستثمارات الحالية في أنظمة الصحة العامة يحتاج إلى معالجة عاجلة من خلال إعطاء الأولوية للاستثمارات في المهام الأساسية للصحة العامة ضمن موازنات القطاع العام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *