وجهة نظر

الثقافة ليست متاحف فقط: أنقذوا دار البارود ودار الباشا

من دار البارود إلى دار الباشا، من آسفي إلى مراكش، هل من ساهر على المعالم التاريخية ذات الحمل الثقافي الكبير. لا نحتاج إلى تقنوقراط أو منتخبين لا يحملون هم الحفاظ على الذاكرة و لا علم لهم بماضى بلدهم. من لا يمتلك ماضيه، لن يمتلك لا حاضره و لا مستقبله. تدبير الثراث إستثمار في المستقبل لا يمكن أن يفهمه من لم يدرس التاريخ و من لم يربط تقدم العمران بتقدم الثقافة و تقديم العارفين على “علية القوم ” من التجار.

لن يتمكن مثقف مهما بلغ من العلوم أعلى الدرجات أن يبلغ أعلى درجات الإلمام بكافة التعبيرات الثقافية لبلد عريق كالمغرب. بلدنا تعرفه القرون و آلاف السنين ،سكنته حضارات سجلت إسمها عبر العمران و الآثار و النقود و اللغات و اللباس و الطبخ و الرقص و الغناء قبل أن يصبح الرسم أسلوبا في التعبير الواعي و المطلوب دينيا و سياسيا أحد مكونات تعابير تاريخ هذه البلاد. إذا استثنينا بعض الحقب التاريخية، و التي سجلت توجهات نحو إحياء ثرات عمراني و شفاهي و فني، فإن الفترة الراهنة تعيش على إيقاع نوعين من مناهج التعامل مع الثرات و تاريخيه و النظرة الأحادية الغالبة على كيفية تدبير آليات استمرارية”استهلاكه ” بشكل عصري و تلك التي تعتبره مجالا للإستثمار بوصفه رأسمال يتحدى أساليب تثمين تجاري لمنتوج معين. التاريخ لا يصنع منتوجات و لكنه يترك بفعل واع آثاراو إبداعا لا تحتاج إلى متحف لكي تعيش. و لا يمكن إغفال الضرورة الكبرى لتقييم عمل مؤسسة المتاحف في عملها و مدى تحقيقها للأهداف التي أنشأت من أجلها مقارنة بالأموال التي خصصت لها. و للإشارة، فقد أصبح حضور السيد المهدي قطبي فى الساحة مهيمنا على حضور وزير الثقافة. له إمكانيات كبيرة و لم نر أي أثر لعمله على خلق الإشعاع الثقافي المطلوب .

قبل أسابيع تفتقت عبقريات دفعتني للكلام عن التعامل مع الثرات. مدينتين عزيزتين على القلب كغيرها من المدن تشهدان حاليا هجوما على الثقافة دون أن نسجل موقفا مسؤولا للمصالح الوزارية المسؤولة عن الثقافة. و بالطبع لم نسجل و لن ننتظر شيئا يذكر في إتجاه دعم الثقافة من مجالس ترابية لا وجود لحاملي هم الثقافة في ترابها.

الثقافة ليست متاحف فقط و ارث القرون لا يمكن أن تختزله أماكن في مدينة أو في العاصمة و تحمله خارج ذلك المحيط الذي شكل لحظات ميلاده و توطنه. في عاصمة الملك العلوي سيدي محمد بن عبد الله، التي يسكنها التاريخ من بحرها إلى تلالها،يوجد كنز كبير يقاس عمره التاريخي و حتى الافتراضي علميا على ما يزيد عن ألف سنة . كنز داخل قلاع برتغالية و سور تاريخي و دور و كنائس و مؤسسات طاله العبث و النسيان. و لما بدأت بعض الفعاليات في العمل على حفظ الذاكرة، ظهرت إلى الوجود أخرى ترى في آسفي مجرد مدينة فوسفاطية لا تاريخ لها و مجرد مجال عمراني وجب التنافس على احتلاله سياسيا.

ووصل الحال ببعض من آلت إليهم سلطة القرار إلى اعتبار معلمة دار البارود التاريخية مجرد بناية يمكن استغلالها كمصلحة لتصحيح الامضاءات. و غدا يمكن مسخ مآثر آسفي عبر تحويل البرج البرتغالي إلى مقهى و مآثر المدينة القديمة إلى متاجر و ساحات لتخزين النفايات. و للعلم قام بعض أبناء هذه المدينة بعمل كبير من أجل ذاكرة مدينتهم و تعرض لهم و لمشروعهم رعاع اقدموا على تكسير إشارات نصبوها للتعريف باحياء قديمة و مبان تاريخية و أسماء كانت فاعلة في الذاكرة الجمعية لهذه المدينة.

و تعرف مدينة مراكش هجوما على ثراتها و على تاريخ معالمها من طرف من نصبوا أنفسهم في مرتبة العارفين بالحقائق التاريخية و بعمران عاصمة الامبراطوريتين المرابطية و الموحدية. المتاحف مكون من الذاكرة و ليس الذاكرة في شموليتها و غناها. أن تمتد الأيادي إلى دار الباشا في الجانب المتعلق بالثقافة المحادي للمقر التاريخي لنقابة الإتحاد المغربي للشغل و المقابل للمسرح العمالي و الذي يشكل يعتبر محورا للعبور إلى شمال المدينة، لكي تحولها إلى مقهى عظيم و معروف في شبكة المنتوجات التجارية فهذا خطير جدا. دار الباشا كانت مكانا للبحث الأدبي و التاريخي لأبناء المدينة، كانت خزانة مليءة بالكتب و المراجع. و لأن الثقافة أصبحت في يد تقنوقراط بوصلتهم لا تعرف من إتجاه غير الغرب، فقد أصبح بالإمكان أن تصل أيديهم إلى الثرات و حتى إلى جامع الفنا و هم الذين لا يعرفون شيئا عن المكان و لا عن الزمن الذي ولد فيه أبطال الساحة من مغنيين و كناوة و حكواتيين و روايس و رياضيين و مرودي القردة و الثعابين و حتى الحمير و غيرهم. الثقافة يا عباد الله المسؤوليين و الذين يتصرفون في الأموال العامة و في تاريخ شعب ليست مشروعا مقاولاتيا، إنها ذلك الحصن ضد النسيان و تشويه الهوية المغربية في كل تمظهراتها و جذورها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *