مجتمع

أقدم معمل “قبل صناعي” للسكر في العالم.. حين كان المغرب يصدر السكر البني لأوروبا

يعتبر الموقع التاريخي لمعامل السكر بإيدا أوكرد بإقليم الصويرة، آخر البقايا التاريخية لصناعة السكر في العالم، ويتعلق الأمر بأول معمل قبل صناعي لايزال باديا للعيان على صعيد العالم، ما يجعل منه قطعة تاريخية ثمينة بالنسبة للمغرب.

وبحسب المعطيات التاريخية، فإن آخر معالم التاريخ العالمي لصناعة السكر تعود إلى القرنين 15و 16 بإقليم الصويرة، حيث تم اكتشاف آثار قناة مياه تمتد لحوالي 20 كلم، ومعمل من عدة هكتارات، تحكي تاريخا صناعيا غير معروف.

معمل السكر ما قبل الصناعي، اشتغل بانتظام ما بين 1576 و1603، وساهم بشكل كبير في إشعاع صناعة متطورة على عهد السعديين بالمغرب، إذ كان يتم تصديره لأوروبا وعدة وجهات في العالم، بحسب المصادر التاريخية.

ووفق كتاب “نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي” لمؤلفه محمد الصغير الإفراني، فإن معمل السكر بإيدا أوكرد كان يُنتج السكر البني الذي أمر السلطان أحمد المنصور الذهبي بتصديره لإيطاليا مقابل رخام توسكانا، حيث كانت تتم مقايضة كميات الرخام المستوردة من إيطاليا بمقابلها من السكر.

إعادة إحياء الموقع

خبراء ومهتمون مغاربة، حاولوا إعادة إحياء هذه الصفحة الناصعة من تاريخ الصناعة بالمغرب، وذلك خلال يوم تشاوري نظم بالصويرة، أول أمس الإثنين، حول تثمين موقع معمل السكر بإيدا أوكرد، نظمه “مختبر الصويرة للابتكار”، بحضور مستشار الملك أندري أزولاي، وعامل الإقليم عادل المالكي، وخبراء وفاعلين مختلفين.

وفي هذا الصدد، قال مستشار الملك والرئيس المؤسس لجمعية “الصويرة موكادور”، أندري أزولاي، إنه “في المغرب فقط، وبالصويرة تحديدا، ما تزال توجد بقايا الآثار الأكثر رمزية، والأكثر اكتمالا لنشأة السلاسل ما قبل الصناعية والصناعية لزراعة وإنتاج السكر في العالم”.

وأشاد أزولاي بـ”خبرة وعبقرية وتطوع” فريق من العلماء الفرنسيين المكون من أندري بونال، جيل تيكسيي، إدوارد بوتيي، والذين يعيشون في الصويرة، ويشتغلون منذ سنوات على هذا الإرث الصويري الذي يعود إلى عهد السعديين.

وأشار المتحدث إلى “الجودة الاستثنائية وحمولة ودلالة آثار معمل السكر بإيدا أوكرد، والآثار المدهشة التي تحمل خاتم السلطان أحمد المنصور الذهبي الذي كان قد اختار أن يجعل من المغرب أحد البلدان الرائدة على صعيد العالم في إنتاج السكر خلال هذه الحقبة”.

وأوضح أزولاي أنه بعد إزالة أي أثر مادي لهذه الصناعة، على نطاق واسع، بدءا بشبه الجزيرة الإيبيرية إلى أمريكا اللاتينية، فإن معمل السكر بالصويرة الذي يعود إلى عهد السعديين أصبح “هو الموقع الوحيد في العالم لقطاع الصناعة الغذائية والصناعة، الذي كان قد عاش عصره الذهبي في القرن الـ16”.

وتابع قوله: “هذا فضاء آخر، وبشهادة أخرى تنضاف إلى اللوحة الغنية جدا لسجل تراث الصويرة التي هي في طريقها أن تصبح فضاء مرجعيا لا محيد عنه لقراءة شاملة لتاريخ الإنسانية منذ حقبة الانسان العاقل، مع اكتشاف مغارة بيزمون، التي تعود إلى 150 ألف سنة، والتي لم تكشف بعد عن كنوزها ودروسها”.

من جانبه، عبر بيير بيرتيي، نجل بول بيرتيي، عن سعادته بوجوده في مدينة الصويرة، مسقط رأسه، وحضور هذا التكريم، منوها بتنظيم هذه التظاهرة التي ترمي إلى إعادة إحياء واحدة من أنصع صفحات المغرب القديم، والتي تتعلق بصناعة السكر، الذي صدر إبانها إلى عدة وجهات عبر العالم، وفق تعبيره.

وبول بيرتيي عو عالم الآثار الذي كان وراء اكتشاف وتحديد بقايا آثار معامل السكر بإيدا أوكرد، كما كان وراء عمل كبير هم البحث والأركيولوجيا في خمسينات القرن الماضي حول الساقية الكبرى وحول هذا المعمل بالصويرة.

وخلال اللقاء ذاته، أشاد عامل الإقليم عادل المالكي بـ”العمل الشغوف والصبور” الذي تم القيام به على مستوى هذا الموقع، مؤكدا على الإرادة التي تحفز مختلف المتدخلين من أجل تثمين هذا الفضاء الذي يشكل لبنة جديدة تنضاف إلى صرح التراث المادي واللامادي الذي يزخر به إقليم الصويرة.

وفي ختام اللقاء، تم تنظيم زيارة إلى موقع معامل السكر الذي يقع بالجنوب الشرقي لمدينة الصويرة، حيث قدمت شروحات مستفيضة للحضور همت عملية إنتاج السكر بها، إلى جانب تنظيم ورشة حول تثمين هذا الموقع، عرفت مشاركة مختلف الفاعلين والأطراف المعنية.

كما تم تقديم إيضاحات من قبل متخصصين حول مختلف مكونات المعمل، من قبيل “الساقية”، وحوض تخزين المياه، و”النوارة” وقاعة الأفرنة، وكذا حول مختلف مواد البناء المستعملة في تلك الحقبة، وصفحات التاريخ التي ينطوي عليها هذا الموقع على الصعيد الإيكولوجي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *