وجهة نظر

محمد السادس.. ملك البناء والنماء

منذ جلوسه على العرش، ظلت التنمية، ذاك الخيط الرفيع الذي أطر ويؤطر خطب الملك محمد السادس، وظل معها هاجس البناء والنماء والارتقاء بمستوى عيش المغاربة، قوة دافعة محركة لمختلف الأوراش الإصلاحية التي قادها ويقودها الملك برصانة وحكمة وتبصر، وقد برز الهم التنموي الملكي مبكرا، بالإعلان منذ سنة 2005، عن “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” التي دخلت مرحلتها الثالثة (2019-2023 ) الرامية إلى بلوغ أهداف أربعة برامج محورية كبـرى تروم “تدارك الخصاص على مستوى البنيات التحتية والخدمات الأساسية”، و”مواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة”، و”تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب”، وكذا “الدفع بالتنمية البشرية للأجيال الصاعدة”.

وإيمانا منه بمحدودية وقصور البرامج التنمية القائمة منذ سنوات، والتي كرست جملة من الأعطاب والمشكلات السوسيواقتصادية والمجالية، جعلت شرائح واسعة من المغاربة خارج نطاق التنميـة، بادر الملك إلى الإعلان عن ضرورة تبني “نموذج تنموي جديد” من شأنه تصحيح الممارسات التنموية القائمة، وإعطاء نفس جديد للفعل التنموي، فكان تنصيب اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، التي تمكنت بعد مشاورات موسعة مع مختلف القوى الحية، من بلورة أفكار وتصورات وتوجيهات، ستشكل خارطة طريق نموذج تنموي جديد، يعول عليه لإدخال جميع المغاربة في صلب مسيرة الإقلاع التنموي الشامل.

ولم يتوقف الهم التنموي الملكي عند عتبة النموذج التنموي الجديد، بل امتد مداه ليلامـس نطاق الحماية الاجتماعية، عبر الإعلان عن ثورة اجتماعية غير مسبوقة في إفريقيا والعالم العربي، تروم وضع المغاربة في صلب حماية اجتماعية حقيقية على غرار ما هو معمول به في البلدان المتقدمة، عبر الانخراط التدريجي في تعميم التغطية الصحية والتعويضات العائلية، وتوسيع قاعدة المنخرطين في أنظمة التقاعد، وكذا التعويــض عن فقدان الشغل، وهذه الثورة الاجتماعية، ستؤسس ليس فقط لمجتمع العدالة والإنصاف والمساواة الاجتماعية، بل وستشكل حجرة الزاوية في صرح النموذج التنموي الجديد، وما سيرتبط به من برامج ومشاريع تنموية يعد المواطن غايتها.

مبادرات ومشاريع تنموية وازنة، تعد جزء لا يتجزأ من مسيرة إصلاحية وتنموية، يتقاطع فيها الاقتصادي بالاجتماعي والدبلوماسي بالإشعاعي والأمني بالاستراتيجي، يقودها الملك محمد السادس بنفس عميق وتبصر وبعد نظر، بدأت تتشكل معها ملامح قوة مغربية صاعدة، لها مكانتها في وسطها العربي وعمقها الإفريقي وبعدها الدولي، وهذه القوة الصاعدة، ما كان لها أن تحضر أو تتجلى، لولا الانشغال ببناء الذات من الداخل بدل الانشغال بحماقات الأعداء، والرهان على نسج علاقات خارجية متوازنة، مبنية على قيم الأخوة والصداقة والتضامن والمسؤولية والمصداقية والوحدة والأمن والسلام والاستقرار، وعلى لغة المصالح المتبادلة والمشاريع الاستراتيجية المشتركة، وبهذا النفس الاقتصادي والتنموي والدبلوماسي والأمني والاستراتيجي، بتنا اليوم، أمام “مغرب جديد” يدافع عن مصالحه بمسؤولية ومصداقية والتزام، ويرافع عن قضاياه المصيرية بجرأة وحزم وصرامة واتزان، ولا ندعي أن المغرب حقق الرهان التنموي كاملا، لأن مضمار البناء والنماء، شاق وعسيـر، ويقتضي نفسا طويلا، كما يقتضي التعبئة الجماعية والتشبث بالثوابت الوطنية، والمزيد من اليقظة والحذر، لأن للنهــوض خصوم وللصعود المشروع أعداء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *