وجهة نظر

رحلة الغالية

كاتب رأي

أقصوصة عبر محطات ذات دلالات عميقة لما يزخر به الواقع المغربي، شخوصها عفوية مستقاة من حركية السياق العام للأحداث ، تدعمها لغة تجنح أحياناً إلى العامية لتكسب مناخ القصة فرجة تراجيدية أحياناً .

الغالية

كانت في عقدها الثالث ؛ ذات وجه باسم وشعر فاحم ؛ ينسدل متماوجا أحياناً على كتفيها كلما صاحبت أمها راجلة إلى سوق أسبوعية هناك ، أنظار القرويين تتهافت على قدها من بعيد ، كانت أمها ترى في السوق والسوقة معرضا خصبا في الهواء الطلق ، لعلها تصطدم بابن حلال يقوم مقام زوجها المتوفى في لم شعثهم هم الثلاثة والحد من نزق إشاعات أهالي الدوار التي كانت تتناسل حول ابنتها الغالية ، كلما خابت مساعي أحدهم في الظفر بالاقتران بها .
وبين الخيام سمعت بصوت”الجاري” حاملا لها رسالة ، حاولت في البداية وبجهد شاق قراءتها ، ولتتيقن من مضمونها عرضتها على دكاني مجاور :
“راجْلك لّي مات فالعسكر هدي 3 سْنين..خرْجو ليك لعْزو ادْيالو .. أُتبْقاي تخلْصي ”
الغالية متلهفة : ” .. أُماقالوش اشْحال ؟
” لا .. خصّك تمشي للناظور.. تتّصْلي بالقشلا.. باشْ تسنْيي لوْراق ..”
تهلل وجهها واحمرت وجنتاها وهي تسمع من الدكاني في الختام وشوشة لها :
”واشْ متزاوجيشْ ..؟”
تلفعت بإزار أسود، كان يحجب أنوثتها المتدفقة، ولم تستطع مقاومة دموعها، وهي في حضن أمها التي خرجت لتشيعها إلى طريق الحافلة صحبة جِراء متطلعة إليها وأذيالها تبصبص يمنة ويسرة .

على متن الحافلة

استقلت مقعدا خلفيا جوار نافذة ، اتخذت منها متكأ كلما أحست بسلطان النوم يداهمها ، كانت بين الحين والآخر تسرح بنظراتها عبر الزجاج إلى تلال الريف وهي تتوالى أمام ناظريها .. فتذكرت قصص زوجها وما أبلاه من تضحيات جسام في مقاومة جبهة البوليساريو بالجنوب ؛ كانت تُمني نفسها بأن استشهاده هناك بفيافي الصحراء سيكون له ثمن كبير؛ يقيهم شظف العيش ويفك عزلتهم .. وفي آن سيمكنها من علاج أمها ، أحلامها كانت تتضخم كلما أخذت الحافلة تقترب من مشارف مدينة الناظور .
انتهى بها السفر إلى محطة كانت غاصة بالمسافرين وأصحاب الطراباندو؛ تختلط بهم فيالق الكورتيّا (الوسطاء) لا تفتأ حناجرها عن اللغط والصراخ : ” ابْلاصا …أبلاصا..باقي بلاصا …آفين غادي انْتا …آجي انْتا آبوخنْشا…فين غادي..!”
شقت طريقها وسط حشود تغدو وتروح أشبه بالنمل ، شعرت بجوع شديد قادها إلى جناح هناك حيث تصطف “براريك” ، الواحدة جوار أخرى ، تقدم وجبات سريعة ؛ أغلبها سردين محشو بقطع الفلفل والبطاطس .. وقفت تعاين حفيظة نقودها ، وما إن همت بفتحه حتى امتدت إليها أيادي خفية سرعان ما أطلقت سيقانها للريح “..شفار ..اقْباط ..شفّار..! ” ، تحلقت حولها وجوه بنظرات حادة ؛ لم يسعها إلا أن استسلمت للحشرجة والنواح ، كانت لا تسمع من حولها سوى حوْقلات تنهال عليها من هنا وهناك : ” لا حول.. ولا قوة.. إلا..بالله.. كولي ويحن الله ..يالطيف…” .
كان عليها أن تستقل سيارة طاكسي كبير إلى حامية عسكرية هناك على بعد بضع كلمترات ، بيد أنها أصبحت الآن معدمة لا تملك ولو سنتيما واحدا ! فهرعت إلى زاوية شارع وافترشت الأرض مادة يدها إلى المارة، وهي بعد ملفعة بقطع أثواب ممزقة ؛ يشق تمييزها ما إن كانت مسكينة أو مسكينا !
لم يمض سوى قليل حتى لاحظت الأنظار ترثي لحالها وشرعت قطع الدراهم تتساقط أمامها على منديل أسود .

الغاليا تتجه إلى القشلة

خطت خطوات متئدة صوب باب حديدي يقف على حراسته ثلاثة جنود مدججين بالأسلحة ؛ لم تقرأ على صفحات وجوههم سوى عبارات الصلف والعنجهية .
تقدمت إلى أحدهم ، ولسانها لم يطاوعها بعد عن التعبير عن رغبتها ، فقالت مذعورة :
” راجلي عسكري …و.و.”
” مالو ..؟!..”
” مات .. مات..فالصحرا…”
“آشْنو باغْيا دابا …؟”
“صافطوني …هنا ..باشْ..”
“فينْ هيا لبريّا …؟”
بعد أن تمعّنها ، حملها في يده إلى الداخل ، ثم عاد ليصطحبها إلى مكتب هناك ؛ ظهر من خلال نافذته شخص بدين يتوسط قاعة ضيقة ؛ بدت مرممة تعود إلى المآثر التي خلفها الاستعمار الإسباني .
ولجت الغالية المكتب ؛ فخاطبها المسؤول العسكري ونظراته مغروسة في أوراق مبعثرة أمامه :
“ݣلسي …آشْريفا ..” ، وبعد لأي أخرج من الدرج بضعة أوراق صحبة ظرف بريدي أصفر ، وجعل يرتبها قبل أن يعود لمخاطبتها :
“الغاليا الجرفوني ..ياكْ .. سميت مّاك سميت بّاك ..عندك لاكارط ادْيالك ..؟” ، ما إن انشغلت بالإدلاء بالبطاقة حتى سقط منها نقابها وتكشف وجهها بالكامل ، فكان من العسكري أن طرح أوراقه بين يديه وأخذ يتفرسها ، وحُبيبات العرق تكاد تغطي ناصيته ، أخذ نفَسا عميقا وضغط على زر جرس ليمثل أمامه فوراً عسكري بانضباط بين أداء التحية واصطكاك فردتي الحذاء : “كوب ماء…” ، قالها وعينه ما زالت مسمرة على تقاسيم وجهها الفاتن.. نهض واقفا وأخذ يحوم حولها بخطوات متثاقلة وبوقع رخيم أشبه بحذافر فرس وهي تطأ بلاطا !.. وبعد أن أفرغ الكوب في جوفه ، دنا منها متوددا :
“مزيان..كلشي.. مزيان..راه عندك ازْهار ..لكارط ادْيالك .. قريبا تْسالا .. لكن مكاين مشكل.. شوفي آلغاليا .. خرْجو ليك لعْزو .. عندك فيه 3مليون أوخلصا اديال 7 الف ريال فالشهر ..ها الشيك .. يمكن ليك..تخلصي فيه من الخزينة ..”
وزاد قائلاً : “..قرْبي لعندي باشْ تسنيي هاد لوْراق ..”
أمسكت بالقلم.. بينما طفقت نظراته تداعب أناملها البضة.. تململت في مقعدها متبرمة قليلاً من نظراته التي لا تفارق عينيها .. وقبل أن تهم واقفة خاطبها بتودد حميمي :
“شوفي آلغاليا..راه موجود الليوصلك لمدينة وو ..يوقف معاك حتى تصرْفي الشاك .. صافي ..؟”
“الله يكتر خيرك .. آسيدي غير الخزينة واش فالمدينة ؟”
“إيه .. حافظي على فلوسك .. شوفي إلا بغيتي ..غدا عندي واحد السربيس فتطوان..وتمشي معايا .. واخّا احسن ليك .. تمشي اتْباتي مع مراتي .. أوفصبح ..نشدو الطريق ..”
تنفست الغالية الصعداء، وجنحت إلى أسلوب المداراة :
“غانتقاضّا .. شيحاجا..امْنين نكون راجعا نقدر ندوز على القشلة ..”
انشرحت أساريره ، وفي أعقابها دعا العسكري لاصطحابها إلى محطة الطاكسي . قعد وما زال يجفف عرقه حتى صعقته مكالمة :
” ألو.. ألو ..البوعبيدي دابا ..خاصك تكون عندي فوجدة ..واش سمعتي ..؟”
“نعم.. نعم ..مون آجودان ..دابا .. تودوسويت ..” .

أوراق قلما سقطت في أيديها

احتجزت غرفة بفندق “السلام” ، كانت تطل من إحدى شرفاتها على البحر.. فأطلقت عنانها لأحلام كانت تراودها كلما عادت إلى سريرها ، تعد الأوراق النقدية التي تسلمتها ؛ ثلاث رزم بألوان زرقاء زرقة البحر ، فتداعت لها ومن خلالها صور أمها وشقيقها .. تعدها مختلطة بأماني دفينة ، تذكرت أنها ابتاعت قميصا وسروالا ، فنهضت أمام المرآة لترتديها ، فأحست بشحنة غبطة تسري في أوصالها ، وبدت أشبه بغانية تبحث عن فرائس لها ؛حوراء العين ؛ ناهدة الصدر عريضة الأرداف .. أطلقت شعورها وطفقت تُقْدم وتدْبر ، وعينها لا تنفك عن النظر في المرآة ، ساعتها تمثلت لها زبيدة التي ألهبت مشاعر الحضور بشطحاتها في عرس ابنة خالتها .. ففاهت بإحساس غيرة : ” ..تُراها أفضل مني..؟” ، وحتى تكتمل لها “أكسوسوارات” موضة بنات اليوم ، أحضرت علبة هاتف ؛ ياما كانت تحلم باتخاذه قطعة من محتويات حقيبتها ، فجعلت تقلبه في يديها ، وأناملها لم تسعفها بعد في الولوج إلى أدغاله ، التقطت لنفسها سيلفي selfie صحبة المرآة تارة ومضجعها تارة أخرى ، وكأنها توثق لبداية عهد جديد ، تودع فيه حياة الشدة والضنك .
استلقت في سريرها محاولة النوم ، بيد أن جفونها ظلت تطرف طوال الليل ، كلما داهمتها غفوة نهضت مذعورة ومدت كلتي يديها إلى أسفل المخدة لتطمئن على رزمتها وليتأكد لها أنها ليست في حلم .

في أحضان الطراباندو

في طريق عودتها استقلت حافلة كانت غاصة بالمسافرين ؛ معظمهم يشتغل بالطرباندو ؛ وقبل أن تقلع سرتْ خشخشة في أوصال الكراسي ، كلٌ يتفقد سلعته ويضع اللمسات الأخيرة على أكياسها ورزمها، كانت الغالية في أسمالها البالية ساكنة في مقعدها الخلفي تراقب بين الفينة و الأخرى كيسا بلاستيكيا أسفل منها لأقمشة ولحافات ، فلم تكن تأبه لصراخات”الݣريسون” وهو يتوعد الركاب الذين لم “يسجلوا” سلعهم لديه .
ببطء شديد تحركت الحافلة وسط غوغاء”الكورتيّا” وهم يزعقون ويشتمون ويتوعدون السائق الذي قذف لهم من النافذة ورقة 50 درهم ليتدافعوا نحوها أشبه بقطيع ذئاب تتنازع فريسة لها !
وعلى مشارف مدخل المدينة لاح لأحدهم من بعيد حافلة فمال على السائق :
لاباسْ ..لاباس.. لاجودان الفيلالي .. الله يعمرها سلعا .. قلبو ارْطب ..” ، كان يشير إلى نقطة تفتيش روتينية لثلاثة أفراد من رجال الدرك ، عندها توقفت الحافلة وقفز الݣرسون إلى الأرض في حركة بهلوانية ليلقي التحية :
“مون آجدون..كلشي مزيان..” ، قالها على إثر مصافحة خاصة بينهما .
سارت الحافلة زهاء خمس ساعات ، وعند عبورها لتلة جبلية ، فوجئ السائق بنقطة تفتيش أخرى لم تكن في الحسبان ولا استطاع أن يتبين رجالها ، فضغط على الكابحات ليتوقف “الكار” فجأة ويستيقظ الجميع رهبا بعد أن كان السهاد قد أخذ منهم الكثير .
صعد الدركي وجعل يتجول بين المقاعد متفرسا في الوجوه تارة وفي كومات السلع تارة أخرى ، توقف عند الغالية وسألها مشيراً بسبابته إلى أسفل منها :
“آشْتمّا عندك …؟ ”
“والو ..آسيدي غير شي تقيضْيا للدار”
نهرها بصوت ارتعدت له فرائص الجميع :
“ تقيضيا … آشْنو هازّا… قلت ليك ..آشنو هازا ..؟!”
2“ملايات وتقيشْرات وشْويا بيسطاش ..” ، ما زال الدركي في مشادة كلامية حتى عبرت ناقلة خفيفة نقطة التفتيش بسرعة البرق دون أن تمتثل للإشارة الدركية ، رغم دوي الصفارات الذي كان يطاردها ، فنادى كبيرهم :
“خودْ الموتور .. ولحقو..” ؛ نزلت هذه الجملة سلاما على قلوب المسافرين الذين كانوا ينتظرون أن تُنتزع منهم سلعهم ، وهم على بعد مرمى الحجر من مدينة طنجة .

الغالية تحل ضيفة

قبل أن تستقل الطاكسي إلى موطنها ، فضلت أن تعرج على خالتها هناك ، فاستقبلتها هذه الأخيرة بالأحضان ، وبادرتها وهما يهمان الصعود إلى الطابق العلوي :
“.. آشْ هذا اللباس.. ويلي.. ويلي .. العايْلا ..انت بحال التريّا.. ولابسا.. هاد لݣنادر..!”
“..بسّيف .. باشْ لابساهوم..دابا نحكي ليك ..”
“..صافي عرفت. الكيران ديال الطراباندو.. يالطيف منهم ..”
مكثت عند خالتها يومين ، تعلمت خلالهما استعمال الهاتف وارتداء ملابس الموضة ، والتي نالت إعجابها للسحر والجمال الذي زاد أن أضفته على أنوثتها ، فوشوشت في أذنها :
ولّيتي .. أميرة ..ها..ها..ها..” ، لكن فجأة ، وهي تتأمل صورتها في الهاتف عنّ لها سؤال عن زبيدة ؛ تلك الراقصة التي سحرت الجمهور في عرس ابنتها :
“فاين خرْجات زبيدة …؟”
طقطقت لسانها إكبارا وإعجابا :
..فايناك..آزوبيدة.. آشْ من ادْيور ..واش من طوموبيلات..وسير .. وسير..”
أقبلت عليها متلهفة : ” ..كيفاش..ياكْ كانت جارتك.. لا قرايا .. ولا صنْعا..”
” ألّا عندها اصّنعا .. كبيرة..و..”
قاطعتها : “..صنعا.. صنعا.. ادْيالاش ؟”
“ولّات شطاحة كبيرة .. بالمواعيد .. والهندقا .. زبيدة حاجا أخرى..قادّا مقدودة…”
“هذا الحرفة.. اصْعيبا..”
دنت منها هامسة : ” شوفي آلعايْلا ..انتي احسان منها بألف درجة .. والشطحا اديالك ..كتحمّق .. خاصني نزيد نزينها ليك بشي احْوايج ..”
“بحلاشْ .. ”
“اللبْسا .. والصدر العريان..والشقاقي لمترعين..”

الغالية تغزو عالما جديداً

لم تطل إقامتها عند والدتها ، لما كان يشغل بالها من صور مغرية ؛ تلقتها من عمتها ، وما زالت تلهب طموحاتها في أن تصبح يوما “شطاحة” من الماركة الرفيعة التي يتهافت عليها عادة زبناء البترودولار، حاولت عبثا إقناع أمها بالانتقال إلى مدينة طنجة .
بعدها نزلت إلى الأسواق باحثة عن ملابس واكسسوارات بمقاسات عمتها ، وجعلت منها موديلات للرقص أمام المرآة وتحت أنظار العمة ، امتدت تداريبها لأكثر من شهرين حتى أصبح بإمكانها إتقان ألوان شتى من الرقص الشرقي؛ كانت عمتها تأخذها في شكل مقاطع فيديو لعرضها على أشهر الكباريهات التي تزدان بها ليالي طنجة .
حرصت في أول ظهور لها على إلهاب مشاعر رواد أحد الفنادق الفخمة ، وكم كان اندهاشها وهي ترى الأيادي ترشقها بأوراق ؛ ذكرتها برزمتها الأولى ، فحظيت برضى وإعجاب شلة الكباري ، وفي أعقابها وضعوا رهن إشارتها استقلالها بحجرة داخل الفندق وسائقا ينتقل بها إلى حيث تشاء .
في أقل من بضعة أشهر ، أخذت الطلبات تنهال عليها بين ليالي الأعراس وليالي الأنس ، أو استعارتها إلى ملاه أخرى، تحولت على إثرها الغالية إلى “باطرونا” كبيرة ؛ يسير في ركابها طاقم من خادمات لها وسائقين وبصّاصين في اصطياد المليونيرات من الضيوف .

في زيارة لأمها

صادف قدومها إلى الدوار يوم السوق الأسبوعي الذي كان؛ فيما مضى قبلة شباب القرية لتكتحل أعينهم بطلعة الغالية بمعية أمها. لعلها تظفر بابن حلال ، لكن ستُفاجأ أعينهم وهم يلمحون سيارة ب.م آخر طراز تشق طريقا متربة ؛ تناثرت حول جنباتها أشواك العليق ، وزاد اندهاشهم وهم يرون امرأة ترجلت من السيارة ، مترهلة البطن وخصلات شعر ملون تداعبها نسمات تلك الظهيرة ، بسروال جينز ونظارة ذهبية سوداء ؛ ترفل خلفها عينان متورمتان . لم يصدقوا أعينهم أن تكون هي الغالية التي غابت عنهم منذ ثلاث سنوات ، كانت أعينهم ترمقها وهي تتجه إلى بوابة منزلها الأول ، فانتفض فضول بعضهم وجعل يرميها بعبارات :
آفينك آلغاليا دلبارح …مع الغاليا دليوم .. واشْ ..غاليا ولّا…”
لم تقو على سماع تلك العبارات اللاذعة، فالتفتت في اتجاههم ونزعت نظارتها ثم حدجتهم بنظرات عدوانية خالطتها عبارات لم يألفوها منها من قبل :
..تبعدو ..ولّا..لا..الله يزغبها لشي ولد القحبا..!”.
أضمرها القرويون في أنفسهم ، ثم انتحوا مكانا قصيا يتهامسون ويتآمرون.
قعدت إلى جوار أمها التي أنهكها المرض بالرغم من الأدوية العديدة التي وصفها لها الأطباء ، كانت تحاول جهدها إقناعها باصطحابها إلى طنجة ، لكن رفضها ما زالت مصرة عليه .
خرجت من عند أمها ، بينما كان قرص الشمس شرع يحمر عبر أشجار غابوية تكسو تلالا مترامية الأطراف ، اتجهت إلى سيارتها ولفت انتباهها عدم وجود تلك الجراء التي ألفتها في غدوها ورواحها من وإلى منزلها ، بل كان السكون مدلهما والظلام شرع يدق خيامه في تلك الربوع المقفرة .
وصلت إلى سيارتها وحانت منها التفاتة إلى المنزل مسقط رأسها ، وكأن ماضيها استيقظ داخلها فجأة ، ولعت سيجارة لها ثم أدارت المحرك وهمت بمغادرة المكان .

يسدل ستار القصة على

مشهد حشود تتهافت على قراءة عناوين بارزة تتصدر أمهات جرائد طنجة : “العثور على سيارة ب.م محترقة وبداخلها جثة متفحمة ، والشرطة القضائية فتحت تحقيقا مستعجلا ” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *