هل سيعود الإتحاد الإشتراكي إلى القوات الشعبية !
شهد حي اكدال بالرباط أحداثا تاريخية كان صانعوها طلبة ونقابيون وقيادات يسارية تحب استقرار الوطن. في بيت قريب من كلية الحقوق و قريب أيضا من مكتبات و مقاهي ومطاعم صغيرة شهد حزب عبد الرحيم بوعبيد و اليوسفي وعمر بن جلون و اليازغي وغيرهم أزهى أيامه. أتذكر ذلك اليوم المشؤوم الذي امتدت فيه أيادي الذل و العار لتغتال الشاب عمر بن جلون و تنتزع كفاءة وطنية من بلد كان في أشد الحاجة لرجال من أمثاله.
كان نهايات الأسبوع في هذا الحي تشهد وصول أساتذة و عمال و طلبة و مهندسين و تجار صغار و نقابيين إلى مقر حزب القوات الشعبية. كانت الإجتماعات آنذاك تفرض على المشاركين فيها الخروج من وقت لآخر لشرب فنجان قهوة في مقاهي الحي قرب المقر و لاقتناء وجبة سريعة في زمن كانت فيه الوجبات عادية جدا و لا إسم لها مثل ما نشهده اليوم.
رغم عنف و زخم السبعينات و تواجد تيارات يسارية نشيطة رغم كثرة المعتقلين ،ظلت الساحة السياسية و الفاعلين من اليسار يحترمون حزب عبد الرحيم بوعبيد و قياداته. وظل التنافس داخل الكليات محترما لقواعد الإحترام و لم يتطور إلى عنف كبير. رفض طلبة الإتحاد الإشتراكي كغيرهم من فصائل اليسار أي حل ترقيعي غير رفع الحظر على الإتحاد الوطني لطلبة المغرب و تميز فصيل التقدم و الإشتراكية بقبول التعاضديات الطلابية كمرحلة انتقالية . و ظل الإتحاد الإشتراكي حاضرا في كل المعارك و تميز بتاطيره للجامعة المغربية و للثانويات و للأنشطة الثقافية و التربوية على امتداد الوطن. و ظل هذا الحزب حريصا على علاقاته مع الأحزاب الوطنية و على رأسها حزب الإستقلال الذي انبثقت منه الكثير من الأحزاب.
و رحل عبدالرحيم مربي الأجيال و الوطني الصادق و ترك لمن شكلوا سلسلة الخلف بعده حزبا كبيرا . هذا الكبير تداول عليه أبناء الإتحاد و على رأسهم اليوسفي الذي احترمه الجميع و الذي لم يتمكن من المحافظة على وحدة الأسرة الاتحادية رغم نقاء طويته. ” أرض آلله الواسعة ” كانت جوابا غير موفق من رجل حكيم. و أتى الزمن على ما تبقى من تاريخ جميل صنعه إيمان و عهد و وفاء. وبين ردهات محاكم و مكاتب و ودواوين تسلل المرض اللعين إلى جسم حزب عريق. رفاق عانقوا الماضي و آخرون ابهرهم سحر المال و العقار و الباقي كفر بالبقاء على أرضية الملعب. و في غفلة من تاريخ تقلص حضور القوات الشعبية في حزبها و خفت إشعاع العمل النقابي و الثقافي و الطلابي و ارتضى الحزب وجودا في ظل أحزاب كانت إلى أمس قريب تعتبر أحزابا إدارية و صنيعة للسلطة. قبل الحزب بمنصب لم تعد له أية أهمية بعد إستقلال السلطة القضائية و رضي برءاسة مجلس للنواب كمنحة متوافق عليها.
الإتحاد الإشتراكي أكبر بكثير من حاضره. فريق برلماني و مقر كبير و ماذا بعد. هذا الحزب لا زال من يريدون عودة إشعاعه كثر و كثير منهم من خيرة أطر البلاد من الذين لا يحتاجون إلى منصب أو تعويض عن مهمة أو منصب. الإتحاد الإشتراكي سيعقد مؤتمره و هو ضعيف التواجد في صفوف القوات الشعبية و سجين ثقافة لا ترتضي قبول الآخر من أبناء العائلة الاتحادية. إعادة البناء ليست بطاقة و لا عضوية و لا منصبا و لكنها في الأصل رجوع إلى الأصل. الإتحاد هوية و ليست أسلوبا لاقصاء معارض و خصم و كفاءة. كم كان جميلا ذلك الحي الطلابي اكدال و هو يزدهي بالمثقفين و المؤرخين و الفلاسفة و أساتذة القانون و الإقتصاد الفنانين و هم يمشون الهوينا مترجلين إلى مقر حزب القوات الشعبية. افتحوا الأبواب فلا أحد يمتلك شرعية إقفال باب الإتحاد. و غير ذلك…إنه الخراب الذي لا ريب فيه.
اترك تعليقاً