وجهة نظر

جواز التلقيح بين الأمن القانوني والأمن الصحي

توطئة

لئن أثار اعتماد بعض التدابير الاستثنائية لمواجهة جائحة كورونا كوفيد 19، ردود فعل قوية من لدن فئات وهيئات، فإنه لا يجب أن تحجب هذه الردود عن أذهاننا أن الجائحة أفلست اقتصاديات وحطمت نظم صحية كبرى، لنتساءل ألا يحق للسلطات العمومية، اتخاذ كل تدبير استعجالي واستثنائي، للحفاظ على سلامة السكان المنصوص عليها في الفصل 21 من الدستور المغربي؟

لقد اعتمدت الحكومة، في إطار حالة الطوارئ الصحية، عدة تدابير تساءل البعض عن إمكانية تعارضها من عدمه مع بعض الاتفاقيات والعهود الدولية المصادق عليها؟ وعن مدى تساوقها مع الأحكام الدستورية واحترام مبدأ تراتبية القوانين (الفصل 6 من الدستور)؟ وهل هناك من سبيل لإيجاد نقطة توازن بين الحق في الحماية القانونية والحق في الحماية الصحية؟

إن معالجة المعادلة الصعبة بين الأمن القانوني والأمن الصحي، في عجالة، تتطلب التعريف بحالة الطوارئ الصحية(أولا) والتطرق إلى كرولونوجيا اعتماد مراسيم بقانون والمراسيم ذات الصلة(ثانيا)، والإحاطة بالمحاور الأساسية لهذه النصوص التشريعية والتنظيمية (ثالثا)، لنخلص في الختم إلى الادلاء باقتراحات في هذا الشأن.

(أولا) حالة الطوارئ الصحية

تتمثل حالة الطوارئ في الظروف والأحداث التي لا يتوقع حدوثها وتهدد استقرار وأمن المجتمعات والدول داخليا أو خارجيا مما يستلزم مواجهتها باتخاذ مجموعة من التدابير الاحترازية أو الوقائية عبر سن مجموعة تشريعات واعتماد إجراءات استثنائية بغاية ضمان سلامة المواطنات والمواطنين مع التأكيد على انتهاء هذه التدابير بزوال التهديد.

وبخصوص حالة الطوارئ الصحية أفادت المادة الثانية من اللوائح الصحية لمنظمة الصحة العالمية بأنها حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقا دوليا، وتعتبر حدثا غير عادي يشكل خطرا على الصحة العامة للدول يَفرِض اتخاذ تدابير استثنائية للحيلولة دون انتشار وتفشي المرض على الصعيد الدولي ومكافحته ومواجهته على نحو يتناسب مع المخاطر المحتملة المحدقة بالصحة العمومية.

وبإعلان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية عن حالة الطوارئ الصحة وفق المادة 12 من اللوائح الصحية لهذه المنظمة، أضحى فيروس كورونا كوفيد 19 جائحة عالمية، لمواجهتها اتخذت السلطات العمومية بالمغرب عدة إجراءات (إجلاء الطلبة المقيمين بالصين، إنشاء الصندوق الخاص بتدبير ومواجهة وباء كورونا كوفيد 19، إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية من وإلى المغرب، إصدار فتوى إغلاق المساجد، إعلان حالة الطوارئ الصحية في مارس 2020…).

وإذا كانت حالة إعلان الحصار وإشهار الحرب وحالة الاستثناء تجد سندها الدستوري، على التوالي في الفصلين 49 و59 ، فإن حالة الطوارئ الصحية تعتمد مجموعة فصول دستورية (الفصول 21 و24 و29و31و81)، وكذا اللوائح الصحية الدولية والمرسوم بقانون رقم 2.20.292 (الجريدة الرسمة عدد 6867 مكرر بتاريخ 24 مارس 2020 صفحة 1782) والمراسيم ذات الصلة.

وترتب عن هذه الوضعية الطارئة معاناة المواطن المغربي بقسوة من الجائحة وتوابعها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، ومن تدابير استعجالية استثنائية تروم أساسا الحفاظ على الأمن الصحي العمومي، أفضت في بعض الحالات إلى تصادم ونزاعات واحتقانات اجتماعية.

وفي الجهة المقابلة ترتفع أصوات فئات حقوقية صارخة أن الأمن القانوني أولى بالاحترام وأن الأمن الصحي يتعذر تفعليه مسطريا إلا في ظل الأمن القانوني الذي ارتكازا عليه صدرت نصوص تشريعية وتنظيمية لتأطير الوضعية الصحية الطارئة.

(ثانيا) كرولونوجيا اعتماد مراسيم بقانون والمراسيم ذات الصلة

تفعيلا للفصل 81 من الدستور تم اعتماد مرسوم بقانون رقم 2.20.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية يروم أساسا التنصيص على أن:

الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بأي جهة أو عمالة أو إقليم أو جماعة أو أكثر، أو بمجموع التراب الوطني، رهين بتهديد أمراض مُعدِية أو وبائية لحياة الأشخاص وسلامتهم، مما يترتب عنه، عند الاقتضاء اعتماد تدابير استعجالية لمواجهة هذه الأمراض،

حالة الطوارئ الصحية يتم الإعلان عنها بواسطة مرسوم، يُتخَذ باقتراح من السلطتين الحكوميتين المكلفتين بالصحة والداخلية، يُحدِّد نطاقها الترابي ومدة استعمالها والإجراءات الواجب اتخاذها، مع إمكانية تمديد مدة السريان بواسطة مرسوم،

الحكومة تقوم خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، باتخاذ جميع التدابير اللازمة بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية الأشخاص وضمان سلامتهم،

التدابير المتخذة المذكورة لا تَحُول دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين.

وتطبيقا لهذا المرسوم بقانون اعتُمِد المرسوم رقم 2.20.293، المنشور بالجريدة الرسمة بتاريخ 24 مارس 2020، بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد19، والذي نص أساسا على:

الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية إلى غاية يوم 20 ابريل 2020 على الساعة السادسة والنصف مساء (صدرت بعده عدة مراسيم لتمديد مدة سريان الحالة المذكورة آخرها المرسوم رقم2.21.955 بتاريخ 26 نونبر 2021، ج ر عدد 7043 بتاريخ 29 نونبر 2021 ص 9847)

تخويل السلطات العمومية اتخاذ التدابير اللازمة من أجل:

عدم مغادرة الأشخاص لمحل سكناهم، منع أي تنقل لكل شخص خارج محل سكناه، إلا في حالات الضرورة القصوى (من قبيل الانتقال من وإلى العمل، أو من أجل الذهاب إلى العيادات والمصحات…)،

منع أي تجمع أو تجمهر أو اجتماع لمجموعة من الأشخاص مهما كانت الأسباب الداعية إلى ذلك،

منح ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم في إطار صلاحياتهم، حق اتخاذ جميع التدابير التنفيذية لحفظ النظام العام الصحي.

وحيث أن النصوص التشريعية والتنظيمية تخضع للنسخ والإلغاء بطريقة صريحة أو ضمنية، فإن المادة الثانية من المرسوم رقم 2.20.526 الصادر في 7 أغسطس 2020 (ج ر عدد 6906 بتاريخ 8 أغسطس 2020 ص 4306) نسخت ضمنيا التدابير المنصوص عليها في المرسوم السالف الذكر رقم 2.20.293 من قبيل عدم مغادرة الأشخاص لمحل سكناهم ومنع التنقل خارج محل السكن إلا للضرورة القصوى.

غير أن هذه المادة الثانية خولت:

لوزير الداخلية اتخاذ، في ضوء المعطيات المتوفرة حول الحالة الوبائية السائدة، وبتنسيق مع السلطات الحكومية المعنية كافة التدابير المناسبة، على الصعيد الوطني، بما يتلاءم وهذه المعطيات،

لولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، كل في نطاق اختصاصه الترابي، اتخاذ في ضوء المعطيات نفسها، كل تدبير من هذا القبيل على مستوى عمالة أو إقليم أو جماعة أو أكثر.

ويبدو أن تفعيل بعض مقتضيات هذه النصوص التشريعية والتنظيمية تثير تساؤلات، أحيانا حارقة، تفرض الإحاطة قدر الإمكان بهذه التشريعات.

(ثالثا) المحاور الأساسية للنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالجائحة

يتساءل البعض هل التدابير الممكن اتخاذها، في إطار حالة الطوارئ الصحية، لا تتعارض مع بعض الاتفاقيات والعهود الدولية المصادق عليها من لدن المملكة المغربية؟ ثم ألا تتعارض مع بعض الأحكام الدستورية؟ أم أن الوضعية الصحية الطارئة تبيح اتخاذ تدابير استثنائية بالرغم بمساسها، عند الاقتضاء، ببعض الحقوق الأساسية الواردة في الدستور والنصوص التشريعية؟

فالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 في مادته الرابعة يفيد بأنه في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ في أضيق الحدود التي يطلبها الوضع تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد.

وفعلا فالتدابير المتخذة تحترم جزئيا العهد الدولي المذكور باعتبارها تروم حماية الأشخاص من الوباء وضمنيا الحفاظ على حياتهم، لأن هذا العهد الدولي يفيد بأن الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان وعلى القانون أن يحمي هذا الحق، كما ينص الدستور المغربي في فصله العشرين على أن “الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان، ويحمي القانون هذا الحق”.

وهنا يطرح تساؤل بخصوص بعض الأعراض الجانبية التي لحقت أشخاصا إثر تلقيهم لجرعة من التلقيح، حسب بعض الصحف والمواقع، وعن مدى حماية الحق في الحياة والحق في عدم جواز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص في هذا الإطار (الفصل 22 من الدستور)؟ مما قد يفضي إلى ضرورة تقديم الجهات المعنية بشفافية كل التوضيحات والمعلومات اللازمة لتطمين المواطنين تفعيلا للحق في المعلومة المنصوص عليه في الفصل 27 من الدستور.

ثم إن بعض التدابير المعتمدة مؤخرا عبر بلاغ، لاسيما إلزامية التوفر على جواز التلقيح مع إمكانية اتخاذ عقوبة في حق المخالف، تطرح مدى خضوعها لمبدأ الشرعية، ولما يمكن أن تحدثه من اضطرابات اجتماعية البلد غي غنى عنها، مما يستلزم التساؤل عن إمكانية إنشاء بلاغ لقواعد قانونية بغاية ضبط وتنظيم العلاقات الاجتماعية، علما بأن الضبط والتنظيم من وظائف القانون (I)وإلى مدى اختيارية التلقيح وإجبارية جواز التلقيح(II) وعن الغرامات المفروضة عند الاقتضاء (III).

(I) إمكانية إنشاء بلاغ لقواعد قانونية؟

إذا كان المنشور (أو الدورية) في وظيفته يُذكِّر بالقواعد الموجودة وكيفية تطبيقيها، بل يتسم بالطابع التفسيري و لا يمكنه إنشاء قاعدة قانونية لضبط وتنظيم المجتمع، تحت طائلة ان يصبح قرارا إداريا ضمنيا، فإن البلاغ، الصادر عن وكالة المغرب العربي للأنباء، القاضي بإلزامية جواز التلقيح يمكن اعتباره قررا إداريا ضمنيا يكون موضوع طعن لدى القضاء الإداري، ولا يمكن أن يرقى إلى مرتبة قانون يَحُد من حرية التنقل والاستفادة من خدمات المرافق العمومية.

وبناء عليه لا يحق لبلاغ فرض التوفر على جواز التلقيح(الذي يظل من اختصاص القانون بمفهومه العام)، وكان من اللازم اعتماد تشريع لتقنين هذه الإجراءات على غرار بعض الدول مثل الجمهورية التونسية التي أصدرت مرسوما يحدد الفضاءات التي يتعين لِوُلوُجِها الادلاء بجواز التلقيح ، كما يتم بمقتضى بلاغات مشتركة بين الوزير المكلف بالصحة ووزير الاشراف القطاعي( أي الوزير المشرف على القطاع الذي سيخضع مُنتَسِبيه للتلقيح) تحديد روزمانة (برنامج)الحملات القطاعية للتلقيح، بما يفيد بان البلاغات تم حصر دورها في الإبلاغ ،( وهو دورها الطبيعي)، عن برامج للتلقيح او عن معلومات مرتبطة بها دون تخويلها الحق في إنشاء قواعد قانونية تؤثر في مراكز قانونية، (مرسوم عدد 1لسنة 2021 مؤرخ في 22 أكتوبر 2021 يتعلق بجواز التلقيح الخاص بفيروس “سارس كوف-2″، الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، 22 أكتوبر 2021، عدد 98 ص 2420 ).

وعلى نفس المنوال سار المشرع الفرنسي الذي نص على جواز التلقيح في القانون رقم 1040-2021 بتاريخ 5 غشت 2021 المتعلق بإدارة الأزمة الصحية (الجريدة الرسمة للجمهورية الفرنسية بتاريخ 6 غشت 2021).

وبالتالي فالإشكالية لا تتعلق برفض اعتماد إجراءات احترازية لحفظ الأمن الصحي، الذي لا ينازع أحد في مسؤولية الحكومة في ضرورة صيانته وحمايته وتعزيزه، بقدر ما يتعلق الأمر باحترام المساطر الواجبة الاتباع مع ضرورة الفصل بين مجالي القانون والتنظيم ترسيخا للأمن القانوني في احترامٍ لتراتبية القوانين المنصوص عليه دستوريا وكذا للتراتبية الواردة في المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 2.20.293 المومإ إليه آنفا.

ومن جهة أخرى إذا أَلْزَم البلاغ، المشار إليه أعلاه، المواطنين بضرورة التوفر على جواز التلقيح فكيف يُتَقَبل إلزاميته مع اختيارية التلقيح.

(II) مدى اختيارية التلقيح وإجبارية جواز التلقيح؟

لا يختصم عنزان في اختيارية التلقيح بما يفيد أن لكل شخص الحق في الخضوع للتلقيح من عدمه.

ولئن حدد المرسوم رقم 2.20.293 بعض التدابير التي اتخذتها السلطات العمومية إبان نشره (منع التنقل، منع التجمعات)، فإن المرسوم رقم 2.20.526 والمراسيم اللاحقة خولت لوزير الداخلية بتنسيق مع السلطات المعنية اتخاذ كافة التدابير المناسبة.

ويبدو أن هذه التدابير لا يمكنها أن تمنع المواطنين من التنقل لقضاء حاجياتهم الحيوية، لأن المرسوم بقانون رقم 2.20.293 ينص صراحة على أنه “لا تَحُول التدابير المتخذة المذكورة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين”، وبالتالي كيف نضمن استمرارية هذه المرافق العمومية وتأمين خدماتها إذا مُنِع الموظف والمستخدم والأجير والمرتفق من ولوجها بعلة عدم التوفر على جواز التلقيح؟ ومن جهة أخرى إذا كانت الجهة المخولة قانونا حق الاطلاع على المعطيات الشخصية تملك الصفة الضبطية فكيف يُستسَاغ تمرير هذه الصفة ضمنيا للغير؟ وهل هذا الغير ملزم قانونا بالحفاظ على سرية المعلومات الشخصية التي اطلع عليها عند مباشرته لهذه المهام؟ إن هذه الوضعية قد تتعارض تعارضا تاما مع الفصل 24 من الدستور الذي ينص على أنه “لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة” ومع القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي (ج ر عدد 5711 بتاريخ 23 فبراير 2009 ص 552).

ثم كيف تهضم “البنية الذهنية المنطقية” حرية التلقيح وإلزامية حمل جواز التلقيح، مع حرمان المُخَالِف من خدمات المرافق العمومية وإلزامه، عند الاقتضاء، بأداء غرامات نتساءل عن أسها القانوني.

(III) مدى قانونية استيفاء الغرامات؟

تفعيلا لقاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ينص الظهير الشريف رقم 1.59.413 بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي على أنه “لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون”

وبناء على هذه القاعدة يتم التساؤل حول قانونية أداء غرامة مالية في حالة عدم التوفر على جواز التلقيح؟

بهذا الخصوص تفيد المادة الرابعة من المرسوم بقانون رقم 2.20.292 على أنه” يجب على كل شخص يوجد في منطقة من المناطق التي أعلنت فيها حالة الطوارئ الصحية التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية المشار إليها في المادة الثالثة أعلاه.

يعاقب على مخالفة أحكام الفقرة السابقة بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 درهم و1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين وذلك دون الاخلال بالعقوبة الجنائية الأشد”

وتحدد المراسيم المتعلقة بإعلان حالة الطوارئ مجال سريانها بسائر أرجاء التراب الوطني، كما يلزم المرسوم بقانون السالف الذكر، التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية تحت طائلة تفعيل عقوبتي الحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين.

ويستنبط مما سبق أن الأمر يتعلق بضرورة التقيد بأوامر وقرارات (المقصود قرارات صريحة وليست ضمنية)، تصدرها السلطات العمومية في إطار المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 2.20.293، (باعتبار أن تحديد فعل وعقوبته يندرج في مجال القانون) وليس التقيد ببلاغات من قبيل البلاغ المتعلق بإلزامية التوفر على جواز التلقيح للاستفادة من خدمات المرافق العمومية، وبالتالي يتعذر استيفاء أي غرامة في حالة عدم حيازة جواز التلقيح، بل قد يتعلق الأمر في حالة الاستيفاء بارتكاب جنحة الغدر.

إن الدفوعات المبينة أعلاه، لا تحول دون القول بإلزامية اتخاذ الحكومة، ضمن حالة الطوارئ الصحية وبغاية مواجهة آثار هذه الجائحة الاقتصادية والاجتماعية وتطور الوضعية الصحية، جميع التدابير من قبيل إلزامية التوفر على جواز التلقيح مع ضرورة تأسيسها قانونيا.

في الختم

في بداية الختم لا يغيب عن الذهن أن الوضعيات التي تهدد حوزة التراب الوطني وكيان الدولة ووجودها تتم معالجتها وفق إجراءات قانونية معينة (من قبيل إلزامية احترام مساطر دستورية عند الإعلان عن حالة الاستثناء أو حالة الحصار أو إشهار الحرب)، وبالتالي فإن التدابير المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية لحماية الأمن الصحي، والتي لا يجادل أحد في أهميتها القصوى في هذه الحرب الضروس ضد فيروس عدو خفي أهلك الزرع والضرع، يتعين أن تتم في إطار الحفاظ على الأمن القانوني.

وهكذا إذا ارتأت الحكومة، من أجل الحفاظ على الصحة العامة (وهذا واجبها الذي لا محيد عنه)، اعتماد إجبارية جواز التلقيح فيتعين إصدار نص قانوني ينص صراحة على إجبارية التلقيح (لتلازم إجبارية التلقيح والتوفر على جوازه) مع تحميل الدولة كافة الأعراض الجانبية التي قد تترتب عن التلقيح لدى البعض، ولا يمكن التملص من الإجراءات القانونية والمسطرية تحت ذريعة حالة الطوارئ الصحية.

ومن منظور آخر لابد من التأكيد على أن إلزامية التوفر على جواز التلقيح تستدعي إلزامية التلقيح على أساس أن نفس المقدمات تفرز نفس المخرجات، إذ لا يعقل قانونا ولا يستساغ منطقا فرض الإدلاء بجواز التلقيح والقول بعدم إلزامية التلقيح مما يستلزم وضوح الموقف الحكومي في هذا الشأن، وبالتالي كيف العمل للحفاظ على الحق في الأمن القانوني والحق في الأمن الصحي؟

إن ديمومة وسلامة الدورة الاقتصادية وحماية مصادر رزق أفراد المجتمع موازاة مع ضمان الحقوق الأساسية للإنسان والحفاظ على السلامة الصحية للسكان يستدعي القول، في تقديري المتواضع، بأن الحفاظ على هذه السلامة أَوْلىَ لكن شريطة احترام مقتضيات الأمن القانوني عند اعتماد ما يلي:

تأسيس الإجراءات المزمع اعتمادها وتفعيلها على أُسٍّ قانوني بمفهومه العام (وليس بواسطة بلاغات)،

القيام بحملات تحسيسية توضيحية إقناعية لتشجيع المواطنين وحثهم على إجراء التلقيح بغاية بلوغ المناعة الجماعية،

توضيح الحالات الممكن أن تكون عرضة للضرر جراء التلقيح، مع تكفل الدولة بجميع تكاليف استشفاء المتضررين،

ضرورة التنزيل التدريجي والجزئي لإلزامية جواز التلقيح، في حالة اعتمادها قانونيا، ليتسنى للراغب في التلقيح إجراء التلقيح في ظروف مواتية لا تشكل خطرا على الصحة العمومية،

تحديد الحالات المعفاة من التلقيح وتمكينيها من حيازة جواز صحي ينتج نفس آثار جواز التلقيح في حالة اعتماد إجباريته قانونيا، تكريسا وتعزيزا لموقف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان المعبر عنه في رسالته الموجهة لرئيس الحكومة في هذا الشأن بتاريخ 25 أكتوبر 2021 يطالب باستبدال “جواز التلقيح “”بالجواز الصحي”،

العمل، في أقرب الآجال، على إدراج الأدوية الثابت طبيا فعاليتها ونجاعتها في الشفاء من كوفيد 19 ضمن البروتوكول الطبي المعتمد في محاربة هذا الفيروس.

وفي خاتمة الختم فإن هذا الطرح المتواضع، مبتغاه ليس الدفاع عن موقف معين، وإنما تمسكا بالمنطق القانوني ليس إلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *