خارج الحدود

تسجيلات صوتية تكشف تفاصيل آخر لحظات هروب بن علي من تونس عام 2011

كشفت تسجيلات مسربة لمكالمات هاتفية أجراها الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، قبيل وأثناء مغادرته البلاد جواء في 2011 بعد ثورة الياسمين بالبلاد، تفاصيل اللحظات الأخيرة من حكمه للبلاد

وتشير التسجيلات، التي نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية، إلى أن بن علي، الذي حكم تونس لقرابة 23 سنة، تحول في آخر الساعات من حكمه إلى إنسان مرتبك تحت رحمة تعليمات وزرائه.

أحد هذه التسجيلات يتعلق بمكالمة هاتفية لبن علي مع أحد المقربين منه، يعتقد أنه الإعلامي الثري طارق بن عمار، وكان بن علي قد ألقى، في وقت سابق من ذلك اليوم، خطابًا متلفزًا في محاولة لإخماد زخم المظاهرات الجماهيرية المندلعة آنذاك.

وكانت الاحتجاجات قد اندلعت قبل أسابيع عدة على نطاق واسع نتيجة السخط الشعبي على تردي ظروف المعيشة وعلى عقود من الحكم الاستبدادي والفساد، وذلك بعد أن أضرم البائع المتجول محمد البوعزيزي، النار في نفسه عندما منعه مسؤولون من بيع سلعه في بلدة سيدي بوزيد.

ورغم أن تصدى السلطات للاحتجاجات تسبب في مقتل 100 شخص في العاصمة التونسية، فإن بن علي كان يبدوا مطمئنا عندما كان بن عمار يثني عليه.

و يقول بن عمار في التسجيل: “كنت رائعا، هذا هو بن علي الذي كنا ننتظره!”، أما بن علي، فقد انتقد نفسه ، قائلاً إن خطابه كان يفتقر إلى الطلاقة. لكن بن عمار طمأنه قائلا: “لا على الإطلاق… إنها عودة تاريخية. أنت رجل الشعب. أنت تتحدث لغتهم”.

وفي اليوم التالي، اشتدت الاحتجاجات، وكان المتظاهرون على وشك احتلال مقر وزارة الداخلية، ليتم اتخاذ الترتيبات الضرورية لنقل أسرة بن علي جوا إلى خارج البلاد خوفا على سلامتهم، وفعلا توجهت الأسرة إلى المملكة العربية السعودية رفقة بن علي.

وعندما كان على متن الطائرة، أجرى بن علي سلسلة من المكالمات مع ثلاثة أشخاص، يُعتقد أنهم وزير دفاعه وقائد الجيش وأحد المقربين منه اسمه كمال لطيف.

وسأل بن علي وزير الدفاع رضا قريرة، في إحدى المكالمات، حول الموقف السائد على الأرض في تونس، ليخبره قريرة بأن رئيسا مؤقتا يتولى زمام الأمور في البلاد، وطلب بن علي من قريرة تكرار هذه المعلومة ثلاث مرات، قبل أن يرد بأنه سيعود إلى تونس “في غضون ساعات قليلة”.

بعد ذلك، اتصل بن علي بصديقه المقرب كمال لطيف، وأخبره بأن وزير الدفاع طمأنه بأن الأحداث تحت السيطرة. لكن لطيف صحح هذا الافتراض بكل صراحة، إذ قال “لا، لا، لا، الوضع يتغير بسرعة والجيش لا يكفي”، فقاطعه بن علي وسأله: “هل تنصحني بالعودة الآن أم لا؟” وكان عليه أن يكرر السؤال ثلاث مرات قبل أن يجيب لطيف بشكل مفهوم: “الأمور ليست جيدة”.

ثم اتصل بن علي بقائد الجيش، الجنرال رشيد عمار، فطمأنه الأخير بأن “كل شيء على ما يرام”، وطرح عليه بن علي نفس السؤال الذي طرحه على لطيف: “هل يجب أن يعود إلى تونس الآن؟” ليخبره قائد الجيش بأنه من الأفضل له “الانتظار بعض الوقت”.

واتصل بن علي بوزير دفاعه مرة أخرى، وسأله مرة أخرى عما إذا كان يجب أن يعود إلى تونس، ولكن قريرة كان أكثر صراحة هذه المرة، إذ قال لبن علي إنه “لا يمكنه ضمان سلامته” إذا فعل ذلك.

وبعد منتصف الليل بقليل، هبطت طائرة الرئيس بن علي في جدة بالمملكة العربية السعودية، وأمر الرئيس التونسي الطيار بالاستعداد لرحلة العودة، لكن الطيار عصى الأمر، إذ ترك بن علي وعاد أدراجه إلى تونس.

واتصل بين علي بوزير دفاعه مرة أخرى صباح اليوم التالي. وفي تلك المكالمة، اعترف له قريرة بأن الحكومة فقدت السيطرة على ما يحدث في الشوارع، وأخبر بن علي أن ثمة أقاويل عن حدوث انقلاب، ولكن بن علي رفض ذلك معتبرا هذه الأقاويل من عمل “الإسلاميين” حسب تعبيره، وذلك قبل أن يعود للحديث عن عودته إلى تونس.

وتطرق بن علي مرة أخرى إلى موضوع عودته، ولكن قريره بدا وكأنه يحاول التحدث مع رئيسه بمنتهى الصراحة هذه المرة، إذ قال له: “يسود الشارع غضب لا أستطيع وصفه”. وبدا حريصًا على أن يكون واضحًا مع الرئيس، وأضاف: “أقول لكم ذلك لكي لا تقولوا إني ظللتكم، ولكن القرار لكم”.

وامتنع وزير الدفاع رضا قريرة وقائد الجيش رشيد عمار التعليق على التسجيلات الصوتية، ونفى كمال الطيف وطارق بن عمار المقربان من بن علي، أن تكون الاتصالات معهما قد حدثت، وأضاف بن عمار أنه لم يحاول طمأنة الرئيس بشأن حكمه.

وقالت هيئة الإذاعة البريطانية إنها أمضت أكثر من سنة في إجراء بحوث حول صحة التسجيلات، بحيث تم تحليلها من قبل عدد من خبراء الأدلة الجنائية الصوتية الرائدين في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الذين بحثوا عن أي علامات أو مؤشرات للتلاعب أو التحوير، أو وجود أي معالجات “مزيفة عميقة” تقوم بتكرار الأصوات بشكل مصطنع، ولم يتمكن الخبراء من العثور على أي دليل لوجود أي نوع من التلاعب.

وفي عام 2011، أثناء إقامته في منفاه في المملكة العربية السعودية، حُكم على بن علي بالسجن مدى الحياة غيابياً بعد أن اتهم بالمسؤولية عن سقوط قتلى من المتظاهرين أثناء الثورة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *