سياسة

“أنبوب” غاز نيجيريا ـ المغرب يزعج موسكو ويغضب الجزائر

أثار الاتفاق المغربي ـ النيجيري لإقامة أنبوب لنقل الغاز النيجيري إلى دول أوروبا عبر دول غرب أفريقيا، غضبا جزائريا عبرت عنه الصحف المقربة من المؤسسة العسكرية، كما أدى إلى تحرك روسي رسمي عالي المستوى تجاه الرباط.

وبعد أقل من 48 ساعة على ترؤس الملك محمد السادس جلسة عمل خصصت لمشروع خط أنابيب الغاز الرابط بين نيجيريا والمغرب، مرورا عبر العديد من بلدان غرب أفريقيا، سارعت دولتا الجزائر وروسيا إلى التعبير عن مخاوفهما من مستقبل الملف.

اتفاق الغاز

ترأس الملك محمد السادس، الثلاثاء، بالقصر الملكي بالدار البيضاء، جلسة عمل خصصت لمشروع خط أنابيب الغاز الرابط بين نيجيريا والمغرب، مرورا عبر العديد من بلدان غرب أفريقيا.

وقال بلاغ صادر عن الديوان الملكي، نشر أمس الخميس، إن “المشروع تقرر في مراكش، خلال اللقاء الذي جمع بين قائدي البلدين على هامش مؤتمر (كوب 22)، وتم وضع اللمسات الأخيرة عليه في أبوجا”.

وحضر الجلسة عن الجانب المغربي، رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، ومستشارا الملك، فؤاد عالي الهمة وياسر الزناكي، وصلاح الدين مزوار، وزير الشؤون الخارجية والتعاون، ومحمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية، ومولاي حفيظ العلمي، وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة بالنيابة، ومصطفى التراب الرئيس المدير العام لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ومديرة المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن أمينة بنخضراء، ورئيس المجلس المديري للوكالة المغربية للطاقات المستدامة (مازين)، مصطفى بكوري، ومدير المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، علي الفاسي الفهري.

وعن الجانب النيجيري، حضر أحمد أبو بكر الرفاعي، مستشار الرئيس النيجيري، والمدير العام المكلف بالهندسة والخدمات التقنية بالشركة الوطنية النيجيرية للنفط، سعيد فاروق غاربا، والمدير العام المكلف بالقانون التجاري بالشركة الوطنية النيجيرية للنفط، أحمد علي أدامو، ومدير مشروع بالشركة النيجيرية لمعالجة ونقل الغاز إبراهيم أودو، والمدير العام للموارد والغاز والطاقة، عصمان يوسف، والقائم بأعمال بسفارة جمهورية نيجيريا الفدرالية بالرباط إبراهيم فولورونسو أجادي.

وأضاف بلاغ الديوان الملكي: “تميزت جلسة العمل، بحضور مسؤولين نيجيريين من مستوى رفيع، عينهم رئيس الجمهورية الفدرالية لنيجيريا، محمد بوخاري”، و”همت المحادثات، الجدوى التقنية وتمويل المشروع”.

وأفاد المصدر ذاته: “المشروع سيمكن من ربط البلدين بالسوق الأوروبية، والتشجيع على انبثاق منطقة شمال -غرب إفريقية مندمجة، فضلا عن تمكين المنطقة من تحقيق الاستقلالية الطاقية وتسريع وتيرة إنجاز مشاريع الكهربة لفائدة الساكنة وتطوير أنشطة اقتصادية وصناعية مهمة”.

الغضب الجزائري

قالت جريدة “الشروق” الجزائرية، المقربة من المؤسسة العسكرية، عن ملف خط الغاز الضخم الذي يربط نيجيريا بشمال القارة الإفريقية، ثم أوروبا، إنه تحول إلى “لغز اقتصادي” بسبب موقف أبوجا غير الواضح من الملف، ففي الوقت الذي أبرمت فيه اتفاقيات عدة مع الجزائر سابقا في انتظار انطلاق الأشغال، يجري مسؤولون نيجيريون اجتماعات في الرباط حول نفس المشروع.

وسجلت اليومية الجزائرية في تقرير نشرته الخميس، أن زيارة قام بها نائب الرئيس النيجيري ييمي أوسينباجو، يومي الثلاثاء والأربعاء إلى الجزائر، قد تم خلالها بحث المشروع الجزائري ـ النيجيري حول الغاز المتوقف منذ 2002.

ونسبت إلى نائب الرئيس النيجيري ييمي أوسينباجو تمسك بلاده بالمشروع المسمى خط أنابيب الغاز العابر للصحراء والذي يربط البلدين، عقب استقباله من قبل الرئيس بوتفليقة مساء الثلاثاء.

وأفادت أن “وكالة الأنباء النيجيرية، أكدت أن الملف كان ضمن جدول أعمال هذه الزيارة، بشكل طرح تساؤلات حول ما يحدث بشأن المشروع وسط شح المعلومات الرسمية”.

ووفق نفس المسؤول: “الجزائر ونيجيريا تربطهما علاقات تاريخية قوية تعززت من خلال عقد مجموعة اتفاقات في إطار اللجنة الثنائية العليا الجزائرية النيجيرية، ومنها مشاريع مشتركة مثل الطريق العابر للصحراء بين الجزائر ولاغوس وأنبوب نقل الغاز العابر للصحراء الرابط بين نيجيريا وأوربا عبر الجزائر”.

وأضافت: “موازاة مع ذلك يرى خبراء أن خط نيجيريا- المغرب، الذي تجري حاليا دراسات تقنية بشأنه في الرباط، أكثر تكلفة وتعقيدا من الخط الأول، كونه سيمر عبر قرابة عشر دول إلى جانب الصحراء المغربية كما تخطط السلطات المغربية”.

وأوضحت: “حسب هؤلاء المختصين، فإن مرور أنبوب عبر أراض متنازع عليها مثل الأراضي الصحراوية، أمر مستحيل في الواقع، كما أن موريتانيا التي تشهد علاقاتها مع الرباط توترا، ستعارض أي مشاركة في المشروع فضلا عن غياب أي تجربة للمغرب في مجال الصناعة الغازية”.

وقالت: “يعود إطلاق مشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء لعام 2002 خلال اجتماع اللجنة العليا الجزائرية النيجيرية أين تم الإعلان عن اتفاق بشأنه بين سوناطراك وشركة النفط النيجيرية (أن أن بي سي)”.

وبقي المشروع مجمدا إلى غاية العام 2009 أين تم إحياؤه مجددا خلال زيارة لوزير الطاقة الأسبق شكيب خليل إلى أبوجا حيث تم توقيع الاتفاق الرسمي مع نظيريه النيجيري بمشاركة النيجر كدولة يمر عبرها الأنبوب.

ورغم توقيع الاتفاق رسميا، إلا أن المشروع بقي يراوح مكانه ليعيده رئيس نيجيريا السابق جوناثان جون لاك إلى الواجهة مطلع العام 2013 في قمة للاتحاد الإفريقي، عندما أكد قرب بداية الأشغال وأعلن أن التكلفة قد تصل إلى 20 مليار دولار.

الانزعاج الروسي

لم يتأخر الجواب الروسي على التحرك المغربي حول أنبوب الغاز النيجيري، المقرر أن يعبر 10 دول أفريقية ليصل إلى دول أوروبا الغربية عبر ميناء طنجة المتوسطي شمال المغرب.

وحل وفد أمني روسي رفيع المستوى برئاسة أمين المجلس الأمني الروسي “نيكولاي باتروشيف” أمس الخميس بالمغرب لمواصلة البحث الأمني بين البلدين الذي انطلق منذ زيارة الملك محمد السادس لموسكو.

وتمتد الزيارة لمدة يومين، يعقد خلالها الوفد لقاءات ثنائية مع المسؤولين المغاربة، بحسب ما صرح به المتحدث باسم مجلس الأمن الروسي “يفجيني أنشين” للصحافة.

ومن المقرر أن يجري الوفد الروسي خلال هذه الزيارة مشاورات روسية مغربية حول مسائل تطوير الحوار الثنائي في مجال الأمن.

ورغم الصمت المغربي والروسي عن مضامين الزيارة، إلا أن الباحث في الشؤون الاستراتيجية خالد يايموت، اعتبرها جوابا روسيا على الرغبة المغربية في توصيل الغاز النيجيري إلى أوروبا.

وقال خالد يايموت في تصريح لـ”عربي21″، إن “روسيا غير مرتاحة للاتفاق المغربي النيجيري، لأن ذلك يشكل خطرا عليها، فهو يعني خسارة سوق غرب أوروبا في الغاز”.

وأضاف يايموت: “كما يعني أن المغرب ماض للانخراط في تكتل جديد تكون بريطانيا أحد محاوره الأساسية، ولاحظ زيارة المسؤول الروسي اليوم هي في هذا الإطار”.

وشدد: “الزيارة سببها الأنبوب الغاز النيجيري”، واستدرك: “ولكن الروس قد يشجعون البوليساريو (جبهة تدعو لانفصال جنوب المغرب) على تهجير السكان من الشرق وإسكانهم بالقرب من (الكركرات) مما يعني تهديدا مباشرا للمشروع”.

وتابع: “المغرب واع بالقضية، وسيسير في الاتجاه الذي رسمه، ولا حل سوى المساومات، هي غير ظاهرة لحد الآن ولكن المغرب لا بد أن يبحث عن مخرج معين”.

اقتصاد بطعم السياسة

وقال خالد يايموت: “في الواقع ما ورد في الجريدة فيه حيثيات صحيحة وأخرى لا أساس لها، لماذا؟ أولا الاتفاق الأول بين الجزائر ونيجيريا أصبح غير قابل للتنفيذ بسبب رفض الجزائر للمشروع، والرفض تبين لنيجيريا من خلال التماطل من سنة 2002”.

وأضاف في تصريح لـ”عربي21″: “ثانيا: من الناحية العملية لم تتخذ الجزائر أية تدابير تقنية أو تشاورية لإنجاز المشروع مما دفع نيجيريا للبحث عن شريط ثان وهو المغرب”.

وزاد: “ثالثا: تنفيذ المشروع بالصيغة التي تطرحه نيجيريا سيسبب ضررا بالغا للاقتصاد الجزائري وسيجعل نيجيريا منافسا جديدا للجزائر في تصدير الغاز لأوروبا، وكانت قطر قد بنت مصفاة للغاز قرابة السواحل الإيطالية منذ سنوات مما أدى لتوتر العلاقات بين قطر والجزائر”.

وعن المغرب أفاد: “بالنسبة للمغرب نسجل أن الاتفاق الجديد من الناحية المالية والتقنية مازال سريا، فكلمة “سري ولم يخرج للعلن” لعدم منح أي منافس فرصة للتشويش على الاتفاق”.

وتابع: “المغرب يعرض على نيجيريا خطا أكثر أمنا من الخط الذي اقترحته الجزائر والذي يمر عبر مالي، فالخط الجديد يربطه بالتعاون باتفاقية مع المكتب الشريف للفوسفاط لإنشاء مصنع للأسمدة بنيجيريا، وهو مشروع ضخم بقيمة 9 مليارات دولار، ويتضمن أيضا إقامة مصفاة نفط”.

وسجل: “الوفد النيجيري الذي زار المغرب وانعقاد اللجنة المشتركة التي أسست بين الطرفين تعني أن أشغال بداية المشروع قد انطلقت فعليا ولم يعد المشروع الجزائري النيجيري قائما”.

وعن مصادر التمويل بالنسبة للمغرب، قال: “يمكن أن تكون محلية وخليجية، لأن المغرب يحظى بدعم كبير من طرف السعودية والإمارات وقطر في غرب أفريقيا، خاصة أن المغرب يمثل دعامة أساسية لمحاصرة التشيع، عن طريق التصوف والطريقة التيجانية من فاس إلى وسط وشرق نيجيريا”.

وسجل أن “المغرب يسارع الخطى من أجل القيام بهذا المشروع، لذلك هناك أعمال توسيع ميناء في الداخلة وفي هذا السياق نفهم تجدد النزاع حول (الكركرات)”.

ووقعت نيجيريا والمغرب اتفاقية لمد خط أنابيب للغاز الطبيعي بين البلدين، بالإضافة إلى بلدن أفريقية أخرى، مع إمكانية مده إلى أوروبا، وتم التوصل إلى هذه الاتفاقية خلال زيارة ملك المغرب محمد السادس لنيجيريا بدأت الشهر الماضي ضمن جولة أفريقية.

هذا، ووفق المعلومات المنشورة عن المشروع، فإن مساره سيكون على طول 4 آلاف كيلومتر، وسيمر عبر بنين وتوغو وغانا وساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا.