أدب وفنون

“في حب تودا” يثير عاصفة بمهرجان طنجة.. ناقد: “فيلم اللاشيء” وعيوش: “الشيخة جزء من ذاكرتنا”

أثار عرض فيلم “في حب تودا” للمخرج والمنتج المغربي نبيل عيوش، مساء أمس الخميس، في القاعة الكبرى لقصر الثقافة والفنون بطنجة، موجة واسعة من الجدل داخل أروقة المهرجان الوطني للفيلم في دورته الخامسة والعشرين، بين من رأى في مشاركته استهلاكا مفرطا لعمل جال معظم المهرجانات العالمية، وبين من حاول أن يناقش مضامينه الفنية والفكرية التي – برأي كثيرين–  لم تف بوعدها.

الفيلم الذي دخل المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، يحكي قصة تودا، امرأة من بلدة ريفية صغيرة تحلم بأن تصبح “شيخة”، فتغني ليلا في الحانات تحت أنظار الرجال، قبل أن تتعرض للإهانة وسوء المعاملة، فتقرر مغادرة قريتها نحو الدار البيضاء بحثا عن حريتها وضوء مختلف لحياتها.

الفيلم من إنتاج مشترك بين المغرب وفرنسا وبلجيكا والدنمارك وهولندا والنرويج، ويواصل عبره عيوش اهتمامه بقصص النساء المهمشات والواقع الشعبي المغربي، محاولا هذه المرة الدخول إلى عوالم “العيطة” والشيخات، وما يرافقها من جدل اجتماعي وثقافي، غير أن هذا المسعى، كما يرى بعض النقاد، لم يثمر فنيا بالشكل المأمول.

ولم يكن النقاش حول الفيلم على مستوى الموضوع فحسب، بل حول اختياراته الإخراجية التي أعادت إلى الواجهة النقاش الدائم حول “سينما عيوش”، بين من يراها “صوتا متمردا على التقاليد الفنية والاجتماعية”، ومن يعتبرها “إعادة تدوير للجدل بلا رؤية جمالية أو فكرية جديدة”.

وفي هذا الصدد، يرى الناقد السينمائي فؤاد زويرق أن الفيلم رغم جولاته في المهرجانات العالمية، لم يضف جديدا يبرر حضوره في المهرجان الوطني، وبحسب قراءته، فإن عيوش استهلك الفيلم حد الإنهاك قبل أن يعرضه في طنجة، ليصل متعبا ومفرغا من طاقته الأولى.

واعتبر زويرق، أن “عيوش لم يعد يبحث عن الفن بقدر ما يطارده كمنتج يعرف كيف يثير الضجيج ويجذب الانتباه”، مضيفا أن فيلم “الجميع يحب تودا” يعاني من فقر فني واضح، سواء في بناء قصته أو في معالجته الموسيقية والبصرية، فبدل أن يتحول إلى احتفاء فني بفن العيطة والشيخة، بدا –من وجهة نظره– عملا مضطربا بلا هوية، لا هو موسيقي ولا درامي ولا تجريبي، “فيلم اللاشيء” كما وصفه.

ورغم حدة موقفه، لم ينكر الناقد السينمائي، ذكاء عيوش واحترافيته، إذ اعتبره من أبرز المخرجين الذين أغنوا السينما المغربية بأعمال مهمة مثل “مكتوب” و”علي زاوا” و”يا خيل الله”، لكنه يرى أن تلك المرحلة انتهت، وأن المخرج اليوم تحول إلى ما يشبه “رجل أعمال سينمائي”، يوظف السينما لخدمة خطط إنتاجية أكثر منها فنية.

وحاول الفيلم الغوص في التراث الشعبي المغربي من بوابة “العيطة” كفن يحمل ذاكرة جماعية ومقاومة نسائية خفية، لكن النتيجة –بحسب بعض المتابعين– بدت سطحية، إذ لم يوظف هذا الموروث بعمق موسيقي وجمالي يليق بوزنه الثقافي.

وكان أداء الممثلة نسرين الراضي، التي رافقتها كاميرا عيوش منذ اللقطة الأولى إلى الأخيرة، موضع نقاش، فبين من أشاد بقدرتها على التعبير الجسدي وحضورها المكثف، ومن رأى أن اجتهادها ضاع وسط إيقاع السرد البطيء وغياب التماسك الدرامي.

من جهته، أوضح المخرج نبيل عيوش أن اختياره لشخصية “الشيخة” لم يكن بدافع تقديم قراءة تاريخية لهذا الفن الشعبي أو لسيرته النسائية الطويلة، بل لكونه وجد فيها مرآة لواقع اجتماعي معاصر يختزل أحلام نساء كثيرات في تحقيق ذواتهن رغم النظرة القاسية التي يواجهنها.

وقال عيوش في  تصريح لـ”العمق”، إنه يرى في “الشيخات” جزءا أصيلا من الذاكرة المغربية، نساء كان لهن دور في المقاومة ونقل رسائل وطنية في فترات صعبة من تاريخ البلاد، معبرا عن احترامه لهن ورفضه لما يعتبره ظلما لصورتهن في المجتمع اليوم.

وأضاف أن فيلم “الجميع يحب تودا” لا يسعى إلى توثيق تاريخ العيطة أو سرد سيرة “الشيخة”، بل يركز على قصة امرأة تحمل اسم “تودا” تحاول أن تحقق حلمها بأن تصبح فنانة حرة تمارس فنها بكرامة وتؤمن مستقبلها ومستقبل ابنها، بعيدا عن الأحكام المسبقة والوصم الاجتماعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *