اقتصاد، حوارات، مجتمع

المغرب يتجه لمرحلة “الإجهاد المائي” ومطالب بالتحرك قبل فوات الأوان

أستاذ جامعي متخصص في التغييرات المناخية والتشريعات البيئية

لا تزال النداءات تتواصل بالمغرب، على المستوى الرسمي والمجتمعي، من أجل التدخل ووضع آليات واستراتيجيات مستعجلة لمنع دخول المغرب في “أزمة مائية”، في ظل اعتراف الحكومة بدخول المملكة مرحلة “الإجهاد المائي” منذ سنوات، وسط مطالب بإجراءات مستعجلة وأخرى استراتيجية من أجل ضمان الأمن المائي للمغاربة.

وتتواصل نسبة ملء السدود بالمغرب في التراجع إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود، في ظل مخاوف من دخول المملكة في أزمة مياه حادة بسبب تأخر التساقطات المطرية، مع بروز مطالب بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لتقنين استعمال المخزون المائي الحالي، وإيجاد بدائل غير تقليدية لضمان مياه الشرب والسقي.

وبحسب تقرير أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، للعام الجاري، فإن منطقة شمال إفريقيا تواجه إجهادا مائيا حرجا يتجاوز 100 في المائة، مع زيادة مقلقة في الظاهرة ما بين 2015 و2020 بلغت 18 في المائة، حيث يرى التقرير أن تحسين كفاءة استخدام المياه يبقى أحد العوامل الرئيسية للحد من الإجهاد المائي.

وفي هذا الصدد، قال زين العابدين الحسيني، الخبير في التشريع البيئي والتغيرات المناخية، وأستاذ القانون بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، إن الوضع المائي الحالي بالمغرب لن يتغير مستقبلا وسيُحتم على السلطات والمجتمع التعايش مع شح الأمطار، مشددا على أنه يجب إعطاء هذا الموضوع نفس الاهتمام المسخر لجائحة “كوفيد 19” لأنه سيصبح أخطر مستقبلا.

ويرى الحسيني في حوار مصور مع جريدة “العمق”، أن العالم كله يعرف تغيرات مناخية شديدة تسببت فيما يُعرف بالظواهر القُصوى، وتتجلى أساسا في فيضانات مهولة بمناطق لم تكن تعرف فيضانات، أو جفاف وشح في الأمطار في مناطق خضراء، لافتا إلى أن الإنسان تسبب في هذه التغيرات لسوء تعامله مع الطبيعة وللتصنيع المفرط وما يُنتجه من انبعاثات غازية.

وأوضح الخبير البيئي أن المغرب يذل جهدا كبيرا في بناء السدود من أجل تخزين أكبر قدر ممكن من مياه الأمطار، مشيرا إلى أن جل مياه الأمطار تذهب إلى البحر دون الاستفادة منها، داعية إلى ضرورة تقوية سياسة بناء وتهيئة السدود من أجل ضمان تخزين جيد للمياه.

وأمس الأحد، كشف وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد الصديقي، أن المغرب يعاني حاليا من عجز مائي لم يعش مثله منذ 40 عاما، موضحا أن السنة الجارية عرفت نقصا في التساقطات بلغ %67 مقارنة مع سنة فلاحية عادية، و%64 مقارنة مع السنة الماضية.

وتراجعت نسبة ملء السدود في المغرب إلى %33 في المائة إلى غاية اليوم الإثنين، مقارنة مع %48.5 من نفس الفترة في السنة الماضية، حيث تبلغ حقينة سدود المملكة حاليا 5.3 مليار متر مكعب، بعدما كانت تبلغ خلال نفس الفترة من السنة الماضية 7.7 مليار متر مكعب، مسجلة تراجعا بـ2.4 متر مكعب.

أرقام “مفزعة”

كشف الحسيني في حواره مع “العمق”، عن أرقام “مفزعة” فيما يخص الوضع المائي للمغرب حاليا، مشيرا إلى أن نصيب الفرد من المياه نزل خلال السنة الجارية إلى أقل من 400 متر مكعب في السنة كمعدل وطني، بعدما كان في التسعينات يبلغ 2500 متر مكعب، متجاوزا المعدل العالمي المحدد في 700 متر.

وأشار إلى أن موسم 2012-2013 شكل نقطة التحول وبداية العد التنازل لنذرة المياه بالمغرب، حيث وصل نصيب الفرد من المياه حينها 700 متر مكعب سنويا، ومن تم بدأ يتراجع إلى أن وصل إلى أقل من 400 حاليا، وهو ما دفع مندوبية المياه والغابات إلى دق ناقوس الخطر حينها والإعلان عن دخول المغرب دائرة الإجهاد المائي.

وقال المتحدث إن هناك تفاوتا في هذه الأرقام حسب كل منطقة بالمغرب، لافتا إلى أن سد اللوكوس مثلا تبلغ نسبة ملئه حاليا أزيد من %70، وكانت قد بلغت السنة الماضية أزيد من %90، في حين أنقذ سد الخروب مدينة طنجة من أزمة مائية كانت قاب قوسين أو أدنى خلال السنوات الماضية.

كما أن سد الشريف الإدريسي بتطوان وصلت نسبة ملئه 100 في المائة خلال السنة الجارية، يقول الحسيني، وهو ما يجعل هذه المدينة في وضع مائي مريح ولها اكتفاء ذاتي لثلاث سنوات حتى وإن لم تسقط الأمطار، وذلك بعدما عاشت أزمة مائية خانقة سنة 2017 كان يتم خلالها تزويد السكان بالمياه لساعات محدودة في اليوم.

بالمقابل، فإن سد المسيرة الذي يُعد ثاني أكبر سد بالمغرب بعد سد الوحدة في وزان، تبلغ حقينته الإجمالية 2 مليار و650 ألف متر مكعب، غير أنه سجل أقل نسبة ملء وطنيا خلال السنة الحالية بأقل من %7، وهو ما دفع الجهات المختصة إلى توقيف الاستعمالات الفلاحية لهذا السد والاكتفاء بإمدادات مياه الشرب.

وفي حالة استمرار الوضع كما هو الآن، فإن السلطات المعنية قد تضطر إلى اعتماد برنامج تزويد صعب من سد المسيرة الذي يزود مراكش وجنوب البيضاء بالمياه الصالحة للشرب، ما سيجعل المياه تصل إلى السكان بشكل متقطع وفي ساعات محدودة في اليوم خلال الصيف المقبل، يقول الحسيني، لافتا إلى أن هناك تفاؤل بسقوط الأمطار في مارس وأبريل المقبلين.

وبخصوص سقي المساحات الخضراء بمياه الشرب، اعتبر الحسيني أن هذا الأمر غير مقبول وغير معقول وربما قد يتحول إلى مخالفة لأنه يهدد عيش ورزق وحياة الناس، مشيرا إلى أنه المساحات الخضراء وجمالية المدن أمر مطلوب، لكن بأي ثمن، وفق تعبيره.

وأضاف أن “لدينا مياه مستعملة كثيرة وهناك إمكانيات لمعالجتها، كما يمكن في المساحات الخضراء اعتماد نبتات خضراء لا تتطلب مياه كثيرة كنبتة “ظفر السبع” التي تُعد جزءا من الصباريات التي لا تحتاج إلى مياه وتكون في رمال وأحجار الشواطئ ويبقى لونها أخضرا حتى في الصيف”.

إجراءات مستعجلة

في ظل هذه الأرقام، يشدد الخبير البيئي ذاته على أنه وجب تدخل الجميع قبل فوات الأوان، مشيرا إلى أن أولوية الأولويات الآن هي إنقاذ الفلاحين ومربي المواشي وتوفير العلف للقطيع، وهي إجراءات باشرتها الحكومة مؤخرا بعد استقبال الملك لرئيسها عزيز أخنوش ووزير الفلاحة محمد صديقي.

وقال الحسيني: “نحن متفائلون بأن الأمطار ستسقط قبل الصيف المقبل، والسنوات الماضية كشفت أن هناك أمطارا مهمة تهطل في مارس وأبريل، ونتمنى من الله أن يكون نفس الأمر هذا العام من أجل توفير مياه الشرب وسقي الفلاحة والمواشي وغيرها”.

ودعا إلى سن تشريعات وتحيين القوانين من أجل جعل الماء الشروب “شيئا مقدسا لا يمسه إلا العارفون الذين يضعونه في استعمالاته المعقولة، لأنه مسألة حياة وأمن مائي المغاربة”، مقترحا إقرار قوانين تجعل ملء المسابح وغسل السيارات وغيرها بمياه البحر إلزاميا.

كما أوصى بتخصيص ميزانية رسمية لإنشاء محطات تصفية بجميع المدن الساحلية، مع تطوير وسائل الفلاحة التي اعتمدها مخطط “المغرب الأخضر” وتعميمها على الصعيد الوطني وتفادي السقي العشوائي، إلى جانب ابتكار تقنيات لمواجهة تبخر المياه السطحية بسبب ارتفاع درجة الحرارة.

وشدد الحسيني على ضرورة ترشيد الاستهلاك اليومي للمياه في المنازل والمقاهي والمطاعم وغيرها، مشيرا إلى أن مياه الحمام المنزلي مثلا يمكن إعادة استعمالها مجددا عبر تقنيات وابتكارات في هذا الصدد، مشددا على أن التبذير يبقى هو العدو الأول للمياه والسبب الرئيسي في ندرتها.

وفي هذا الصدد، دعا الأستاذ الجامعي إلى العودة إلى التاريخ المائي للمغرب من أجل الاستفادة منه، قائلا: “لدينا مغرب أمازيغي متميز بتقنيات الخطارات والسقي، ينضاف إليه التراث الأندلسي في مجال المياه والذي لا يوجد له مثيل في العالم”.

وأشار إلى أن المدينة العتيقة لتطوان مثلا، أنشأ فيها الأندلسيون شبكة “مياه السكوندو” بطريقة هندسية مبُدعة منذ قرون طويلة ولا زالت تعمل إلى اليوم، قصد الحفاظ على المياه واستثمارها بشكل معقلن، بحيث كان تحت كل منزل خزان (مطفية) يمتلئ بمياه الأمطار ويكفي العائلات طيلة العام.

هذه التقنيات المُبدعة ابتكرها أجدادنا المغاربة في وقت لم يكونوا بعيشون فيه ندرة المياه التي نعيشها نحن اليوم، يقول الحسيني، مشيرا إلى أنه يجب استخلاص الدروس والعمل على ابتكار تقنيات ومبادئ جديدة في هذا الصدد، مع ضرورة ترشيد استهلاك الماء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *