مجتمع

تقرير رسمي يرصد “فوضى” في توزيع الدعم العمومي على الجمعيات بالمغرب

أفاد تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أن تدبير الدعم العمومي المقدم للجمعيات لا يزال يفتقر إلى رؤية إستراتيجية أفقية وشاملة، بما يضمن تجانس وتكامل تدخلات القطاعات الوزارية في هذا المجال، بالرغم من وضع “خطة للنهوض بالدعم العمومي لجمعيات المجتمع المدني”.

وقد حالت هذه الوضعية،بحسب تقرير المجلس لسنتي 2019 و2020، دون تحديد والتقائية الأهداف المتوخاة من الدعم العمومي، والقطاعات ذات الأولوية، وطرق التعامل مع الجمعيات المستهدفة، مع تحديد مستوى ونوع الدعم اللازم لبلوغ هذه الأهداف، بالإضافة إلى تحديد الآليات اللازمة لتقييم النتائج المحصل عليها.

وأشار المجلس إلى أن تقييمه لتدبير الدعم العمومي المقدم للجمعيات جاء بناء على تحليل المعطيات والاتفاقيات المقدمة للمجلس من طرف 20 قطاع وزاري، وكذا الاستعانة باستمارة تم إرسالها إلى 15 قطاعا وزاريا مانحا، تمحورت حول الإطار الاستراتيجي والميزانياتي للدعم المقدم والمسطرة المعتمدة لتدبير الدعم المالي والعيني وآليات تتبع المشاريع الممولة.

غياب إطار قانوني

سجل المجلس الأعلى للحسابات، غياب إطار قانوني يعرف ويحدد الجمعيات “المهتمة بقضايا الشأن العام”، وكذا آليات تدبير الدعم وطرق صرفه، إلى جانب القواعد العامة المتعلقة بالدعم، كما أشار إلى برنامجي الحكومة لسنتي 2012 و 2017 نصا على ضرورة تحيين النصوص الخاصة بالجمعيات من أجل ملاءمتها مع مقتضيات الدستور، غير أن هذه النصوص لم يتم إصدارها بعد.

وبحسب تقرير قضاة العدوي، فإن تدبير الدعم العمومي يبقي خاضعا لمقتضيات الظهير الشريف لسنة 1958 المتعلق بتنظيم حق تأسيس الجمعيات، كما لم يتم تحيين قرار وزير المالية الصادر بتاريخ 31 يناير 1959 بشأن الجمعيات التي تتلقى سنويا بصفة مباشرة أو غير مباشرة إعانات مالية من جماعة عمومية والذي يضم بعض القواعد التي تهم تنظيم محاسبة الجمعيات التي تتلقى هذه الإعانات.

غياب نظام محاسباتي

وسجل التقرير الذي تتوفر “العمق” على نسخة منه، غياب نظام محاسباتي خاص بالجمعيات، بحيث لم يتم بعد اعتماد مشروع المخطط المحاسبي المقترح منذ سنة 2003 من طرف الجمعية العامة للمجلس الوطني للمحاسبة، مشيرا إلى أن المادة 87 من مدونة المحاكم المالية تنص على وجوب أن تقدم الجمعيات الحسابات المتعلقة باستخدام الأموال والمساعدات العمومية الأخرى التي تلقتها إلى المجلس الأعلى للحسابات، وذلك حسب الكيفيات والشروط المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. غير أن هذه النصوص لم يتم إصدارها بعد.

وبحسب التقرير، فقد بلغ إجمالي الإعانات المالية المقدمة للجمعيات من طرف القطاعات الوزارية، ما بين 2014 و2019 ، حوالي 11,2 مليار درهم، أي بمعدل يناهز 2 مليار درهم سنويا)باستثناء سنة 2016 التي عرفت انخفاضا بحيث لم يتجاوز الدعم المقدم 0.82 مليار درهم.(كما تجدر الإشارة إلى أن ما يناهز 92% من الإعانات المقدمة للجمعيات تم منحها من طرف 7 قطاعات وزارية من أصل 33 قطاعا.

غياب التنسيق

سجل التقرير كذلك، غياب سجل وطني موحد خاص بالجمعيات، حيث تضطلع الأمانة العامة للحكومة بمهمة وضع منظومة إعلامية وطنية خاصة بالجمعيات بالتنسيق مع القطاعات الوزارية المعنية، غير أن هذه المنظومة الإعلامية لم يتم إنجازها بعد، وهو ما انعكس سلبا على نجاعة تدبير الدعم العمومي المقدم للجمعيات، لاسيما من حيث شح المعطيات والمعلومات المتعلقة بمكونات النسيج الجمعوي.

وأرجعت الأمانة العامة للحكومة في معرض جوابها على ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات “أسباب التأخير في وضع المنظومة الإعلامية الوطنية الخاصة بالجمعيات، إلى عدم مراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة، وكذا إلى عدم انخراط القطاعات الوزارية المعنية”.

في السياق ذاته، كشف التقرير، أنه في ظل غياب سجل وطني موحد خاص بالجمعيات، يتم تدبير العلاقة مع الجمعيات من طرف كل قطاع حكومي على حدة في غياب تنسيق واضح فيما بينهم. فعلى سبيل المثال، قام القطاع المكلف بالعلاقات مع المجتمع المدني بإحداث قاعدة معطيات خاصة به تضم الجمعيات الشريكة. كما أن الأمانة العامة للحكومة بصدد تطوير تطبيق معلوماتي، خاص بها، لتدبير المهام المنوطة بها في مجال الجمعيات.

ولاحظ المجلس، أن القطاعات الوزارية عموما، لاسيما القطاع المكلف بالعلاقات مع المجتمع المدني، لا تتوفر على آليات تمكنها من تنسيق تدبير الدعم العمومي المقدم للجمعيات وضمان تجانس تدخلات الدولة في هذا المجال، مشيرا إلى أن القطاع المكلف بالعلاقات مع المجتمع المدني لا يتوفر على الآليات الكفيلة بتمكينه من معرفة الدعم المزمع تقديمه من طرف كل قطاع وزاري.

ولفت إلى أن القطاع سالف الذكر لم يقم بوضع إطار مرجعي يمكن من توحيد طرق تدبير الدعم العمومي، كما هو الشأن بالنسبة لدليل إعداد دفاتر التحملات والمساطر الواجب اعتمادها ونماذج الاتفاقيات الممكن إبرامها مع الجمعيات لضمان الشفافية وتكافؤ الفرص.

وعلى مستوى التنفيذ، فرغم حث منشور رئيس الحكومة رقم 2016 / 04 ، المتعلق بإحداث بوابة إلكترونية للتمويل العمومي للجمعيات، على ضرورة نشر إعلان طلب مشاريع الجمعيات ونتائج عملية الانتقاء بالبوابة الإلكترونية، فإن معظم القطاعات الوزارية لا تقوم بنشر هذه المعلومات، وهو ما يعرقل عملية تتبع تنفيذ الدعم المالي المبرمج.

ويتجسد ضعف التنسيق والتتبع، بحسب المصدر ذاته، على مستوى التقرير السنوي حول وضعية الشراكة بين الدولة والجمعيات، والذي يجب أن يتضمن، حسب منشور الوزير الأول رقم 2003 / 07 ، تقييما عن الأعمال التي تم القيام بها واقتراحات حول التدابير التي من شأنها ضمان استهداف أفضل للساكنة المستفيدة والرفع من فعالية الشراكة.

غياب التوثيق

أكد تقرير مجلس العدوي، أن اعتماد مساطر موثقة يساهم في ضمان الوضوح والشفافية في مسطرة تقديم الدعم للجمعيات، وفي هذا الإطار، تعتمد بعض القطاعات الحكومية على مساطر موثقة، كما هو الشأن بالنسبة لقطاع الشباب والرياضة ووزارة الصحة ووزارة التضامن والأسرة. في حين لا تقوم قطاعات أخرى بتوثيق هذه المساطر، كما هو الشأن بالنسبة للقطاع المكلف بالسكنى وقطاع الثقافة وقطاع الصناعة التقليدية.

وأضاف، أن تحليل البيانات الواردة في الاستمارات الموجهة للقطاعات الحكومية بيّن غياب معايير واضحة تؤطر توزيع الدعم بين الجمعيات، عند بعض القطاعات، بحيث يبقى توزيع الغلاف المالي خاضعا للسلطة التقديرية للجنة الانتقاء التي تعتمد في تقديرها على دراسة طلب الجمعية وتقييم المشروع.

دعم بدون أهداف

بين تحليل عينة من الاتفاقيات (25% من الاتفاقيات المبرمة) الذي قام به المجلس وجود عدة نقائص مرتبطة بتحديد أهداف الدعم العمومي. فعلى سبيل المثال، لا تتضمن الاتفاقيات المبرمة خلال سنة 2018 من طرف وزارة العدل ( 57 اتفاقية) تعريفا دقيقا للمشاريع الممولة، بحيث اقتصرت على تعريف طرفي الاتفاقية والأهداف العامة والالتزامات. نفس الأمر بالنسبة لوزارة الشباب والرياضة، بحيث أن 34 اتفاقية من أصل 140 أبرمت خلال سنة 2017 لا تعرف المشاريع المزمع إنجازها.

وذكر التقرير، أن الجمعيات المستفيدة من الإعانات العمومية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تبقى مطالبة بتقديم حساباتها السنوية للجهات المانحة، كما أن القطاعات المعنية مطالبة بتفعيل الرقابة الإدارية على هذه الحسابات. غير أن جل القطاعات الوزارية لا تتلقى الحسابات السنوية من الجمعيات المستفيدة من الدعم، بحيث تكتفي بتقديم التقارير المالية أو المحاسبية المرحلية، بالرغم من كون هذه التقارير لا تقدم الوضعية الشاملة عن الموارد والعمليات المالية المدبرة من طرف هاته الجمعيات لاسيما العمومية منها.

توصيات

أوصى المجلس الأعلى للحسابات، على السهر على تحسين نجاعة الدعم المقدم للجمعيات من خلال منحه في إطار برمجة متعددة السنوات تحدد المجالات ذات الأولوية التي ستستفيد من الدعم والأهداف المتوخاة منه، مع جدولة زمنية لتنفيذه وتحديد آليات تتبعه وتقييمه، كما دعا جميع القطاعات الوزارية إلى اعتماد مساطر موثقة وموحدة من أجل إضفاء المزيد من الوضوح والشفافية على عمليات تقديم وتتبع الدعم المالي وغير المالي للجمعيات.

وحث المجلس، جميع القطاعات الوزارية على إرساء نظام متكامل لتتبع الاتفاقيات مع جمعيات المجتمع المدني، يروم تجويد مضمونها تماشيا مع مقتضيات منشور الوزير الأول رقم 2003 / 07، لاسيما فيما يتعلق بالتعريف بالجمعية المستفيدة وبالمشاريع الممولة والتزامات الأطراف وآليات التتبع والمراقبة الميدانية والمالية.

في السياق ذاته، أوصى مجلس العدوي بتفعيل التتبع على أساس النتائج وكذا المراقبة الإدارية على الحسابات السنوية للجمعيات التي تستفيد دوريا من الدعم العمومي المقدم من طرف القطاعات الوزارية، بما يمكن من تتبع استخدام الأموال الممنوحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • جواد
    منذ سنتين

    لي بغا يدير لاباس كجمع تناش وواحد كشد عندهم لاكارط معارفين والو كدير جمعية وكبدا تسمسير