منتدى العمق

لا تنتظر شيئا من الحكومة

نحنُ ننتظِرُ أن تتكوَّن الحكومة، وكلُّنا يعلم أنها لن تنفعنا في شيء إنْ لم تَضُرَّنا أكثر من الضرر الذي لاقيناه من كل الحكومات المتعاقبة.

المهم ليس أن يكون هذا أو ذاك رئيساً للحكومة؛ فقد قال اللهُ سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم:”…تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشبٌ مسندة ”.

فالقولُ ليس هو الفعل.والنظرية ليس هي التطبيق.
ويمكن القول أنَّنا ننتظرُ الأشياء التالية أن تحصلَ وتُطبَّقَ.

ننتظرُ أن يكون هناك مناصب شغل: فالأسر تعاني وتُكرِهُ فتياتها على البغاء؛ وقد أصبح أبناؤها يحترفون الإجرام من شدة البؤس والتهميش.

ننتظرُ أن تكون هناك مستشفيات بأوصاف إنسانية ومعقولة. فمن شدة البؤس، الكثير لا يجدُ القدرة على الاستشفاء في المصحات، ناهيك عن أثمنة الوصفات والتحليلات والاختبارات.

ننتظر أن يكون هناك تعليمٌ بما للكلمة من معنى. فإن كانت المنظومة لا تُسايرُ تطلعات العصر؛ فالكثير من الأطر والمدارس والتجهيزات غير صالحة للارتقاء بالتعليم. وأنا على يقين أنَّ ذلك المجلس الذي يتسنى لهُ أن يجد حلولا لمعضلة التعليم، يجبُ أن يقدِّمَ استقالته ويترك المكان لمن هم أحق بتغيير وضعية التعليم.

ننتظرُ أن يكون هناك أمنٌ بالصيغة التي يجبُ أن يكون عليها. فالإجرام أخذ يخيفُ المواطن، حتى أنك عُدْتَ لا تستطيعُ التنفس بحرية في الشوارع. لذا وجبَ أن يكون هناك رجالُ أمنٍ غلاظ شِداد ويطوفون الأزقة ليل نهار كما هو الشأن في أمريكا؛ وإن اقتضى الحال لو مكَّنتنا الدولة من حيازة الأسلحة لندافع عن أنفسنا.

نحن ننتظِرُ أن تفتَحَ مراكزٌ للأيتام والعجزة. فأنتَ تُلاحظ كثرة هؤلاء العجزة الذين امتهنوا حرفة التسول.
نحن ننتظِرُ أشياء كثيرة ليس هذا المقالُ كافيا لطرحها جميعا.

فليس المهم أن يكون هذا أو ذاك رئيسا للحكومة…فكل شخص بإمكانه أن يصبح ذلك؛ لكن ليس كل شخص بإمكانه أن يحقق انتظارات الشعب من إصلاحات جذرية.

نحن نريد أن تصبح لنا حكوماتٌ تعي بأنَّ المواطن المغربي يُعاني:
البطالة، الفقر، التهميش،… وزد على ذلك معضلاتٍ شتى…
فهناك من ينام تحت السماء…

وهناك من فقد عقله من كثرة الانتظار…
وهناك من لا يجد أكلا أو دواء…
وهناك وهناك…
ودائما ما نرى المشاريع تُعرضُ هنا وهناك…لكنه لا يتغيرُ شيء.

نحنُ نعرف أن رئيس الحكومة لا يُحيي ولا يميتُ…فهو مغربي مثلنا؛ فلماذا يتغيَّر بسرعة ويعلو ويصبح من الحاقدين على هذا الشعب وهو من يدفع له نفقاته ويؤدي فواتيره. وكم من رئيس حكومة أو وزير أول مرُّوا وكأن لم يمُرّوا ولن تجد من يتحدَّثُ عنهم بالكلمة الطيبة.

المسألة هي مسألةُ ضمير وقناعة وتفان وشفافية.

وقد كنتُ أجلسُ في مقهىً كان يرتادُه أحد الوزراء قبل أن يصبح وزيرا. فكان هذا الشخص وقورا لطيفا لا تفارق الإبتسامةُ شفتيه؛ وكانتْ لهُ سيارة لا تتحرَّكُ إلا بشقِّ الأنفس.

وفي أحد الأيام، حين أصبح وزيرا،رأيتهُ صدفة. ولم أرَ نفس ذلك الشخص…بل رأيتُ شخصا مهلوعا خائفا وهو ينظُرُ كالسارق يُمنة ويُسرة، ثم هرول نحو سيارة أنيقة وانطلق.

فكيف يُفرِّطُ الإنسان في السلم الداخلي حين يكون إنسانا ثمَّ يتغيَّرُ ويفقد إنسانيته ويصبح كالضَّنين مرعوباً من خياله. فلو لم يكن يعرف أنهُ أخطأ في حق المواطنين وسرق أموال الشعب لما ظهرتْ عليه علامات الخوف والذعر.

نحن ننتظِرُ أن يسيِّرنا أشخاصٌ يتوفَّرون على كامل إنسانيتهم وبضمائر حية وشفافة.

لكن على ما يبدو، فمن وجوه زعماء الأحزاب يبدو أن الأمر مستحيل؛ لأن أول شيء تحسُّ به وأنتَ تنظُر إلى وجوههم هو عدم الإطمئنان وعدم اليقين بأنهم قومٌ صالحون.