خارج الحدود

روسيا والحجاب يهيمنان على مناظرة لوبان وماكرون

هيمنت قضية منع الحجاب في الفضاء العام والتبعية لروسيا على النقاش الحاد الذي عرفته المناظرة الرئاسية المتلفزة -مساء الأربعاء- التي جمعت الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون ومنافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان.

وشهدت المناظرة تبادل اتهامات خطيرة، خاصة المتعلقة بتعبعية لوبن للرئيس الروسي فلاديمير بوتن، وتهديدها المجتمع الفرنسي بالحرب الأهلية.

وتأتي المناظرة، الوحيدة بين المتنافسين، أربعة أيام فقط قبيل الجولة الثانية والأخيرة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي يتوقع تنظيمها الأحد.

وتقدم “العمق المغربي” هذا التقرير المفصل عن المناظرة، اعتمادا على مصادر مختلفة (الجزيرة نت، قناة الحرة، سكاي نيوز عربية، صحيفة عكاظ).

الحجاب والحرب الأهلية

كانت إحدى لحظات النقاش الأكثر حدة في المناظرة حول موضوع الحجاب في فرنسا، عندما سئلت لوبن عن اقتراحها بحظر الحجاب في جميع الأماكن العامة، وقالت إنها “ستجعل فرنسا أول دولة في العالم تحظر الرموز الدينية، و”سيكون لديها ضباط شرطة يركضون في الشارع يطاردون فتيات يرتدين الحجاب أو فتيان يرتدون الكيباه”

واغتنم ماكرون ذلك، ليهاجم “ترشيح لوبن الراديكالي”، مضيفا أن “بعض المواطنين الفرنسيين لن يتمكنوا من مغادرة منازلهم بموجب القانون”.

واتهم ماكرون لوبن، خلال المناظرة، بالمخاطرة بإشعال “حرب أهلية” بفرنسا في حال انتخبت رئيسة ونفذت تعهدها بحظر الحجاب الإسلامي في الأماكن العامة.

وأكدت لوبان مرشحة اليمين المتطرف، تمسكها بفكرتها المثيرة للجدل بشأن حظر حجاب الرأس الإسلامي الذي تعتبره “زيا موحدا فرضه الإسلاميون”، لكنها شددت على أنها “لا تحارب الإسلام”. ورد ماكرون عليها بالقول “سوف تتسببين بإشعال حرب أهلية. أقول ذلك بصدق”.

وقال ماكرون “إنك تدفعين الملايين من مواطنينا إلى خارج الفضاء العام”، معتبرا أن ذلك سيكون “قانون نبذ”، لكن لوبان ردت قائلة إنه سيكون “قانونا للدفاع عن الحرية”.

وبعد أن بدت وكأنها تراجعت في الأيام الأخيرة عن هذا المشروع، عادت المرشحة الرئاسية وأكدت في المناظرة أنها “مع حظر الحجاب في الأماكن العامة”.

واعتبرت مرشحة اليمين المتطرف أن الحظر أمر “يتعلق بتحرير المرأة، وكبح الأيديولوجيا الإسلامية”. وأردفت “أنا لست ضد الإسلام، وهو دين له مكانه” في فرنسا.

ومسألة الحجاب موضوع حساس وله حضور متكرر في السياسة الفرنسية منذ سنوات. ويُحظر حاليا ارتداء الرموز الدينية الظاهرة في المدارس وفي إدارات الدولة، ولكن ليس في الأماكن العامة.

التبعية للسلطة الروسية

وعلى صعيد السياسة الخارجية، اتّهم ماكرون غريمته بـ”التبعية للسلطة الروسية و(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين”، وذلك بسبب قرض مالي حصلت عليه المرشّحة اليمينية من بنك روسي.

وقال ماكرون لمنافسته “أنتِ تعتمدين على القوة الروسية، وتعتمدين على السيد بوتن”.

وأضاف في هجوم على مواقف لوبان السياسية “يمكن تفسير الكثير من خياراتك من خلال هذا الاعتماد”.

وردّت لوبان بنفي هذا الاتهام بحدة، مؤكدة أنها “امرأة حرة تماما وقطعا”، وبرّرت لجوءها إلى البنك الروسي لأن ما من مصرف فرنسي وافق على منحها قرضا.

ورد ماكرون، قائلاً: «هذا حدث في 2015، ولم تعيدي القرض أو تسدديه حتى اليوم»

وهنا، قالت لوبان التي بدا عليها الغضب: «لم نسدده لأننا حزب فقير»

ماكرون هاجم منافسته بحدة، وقال: «هذا القرض يخلق اعتماداً معيناً على السلطات الروسية.. يجب أن تتحملي مسؤولية هذا الخيار»

وتابع: «هناك مرشحون يتبنون أفكاراً قريبة منك ولم يلجأوا للمصارف الأجنبية»، في إشارة إلى مرشح اليمين المتطرف في الجولة الأولى من الانتخابات، إريك زيمور، «لكنك اتخذتِ هذا القرار الذي يجعلك غير مستقلة»، على حد قول الرئيس الفرنسي.

ودافعت لوبان عن نفسها قائلة: «أنا مثل الفرنسيين، لدي ديون وقروض مثل تلك الخاصة بشراء سيارة ومنزل»، قبل أن يقاطعها ماكرون قائلاً: «نحن (أي الفرنسيين) لم نلجأ للبنوك الروسية»

ثم تدخلت مديرة المناظرة وأنهت الجدال في هذه النقطة وانتقلت للحديث عن الاتحاد الأوروبي.

وكانت أقوى نقاط الهجوم لدى ماكرون هو القرض الذي حصل عليه حزب لوبان لحملتها في انتخابات 2017 من بنك روسي.

وحاولت لوبن الرد على الإشارة إلى قربها من الرئيس الروسي، وقالت “أدعم أوكرانيا حرّة، لا تتبع لا للولايات المتحدة ولا للاتحاد الأوروبي ولا لروسيا، هذا هو موقفي”، مشيرة إلى تغريدة نشرتها عام 2014.

وخلال المناظرة، أعربت لوبن عن “تضامنها وتعاطفها” مع الشعب الأوكراني، ووعدت بتقديم مساعدات إنسانية ودفاعية، بل وأشادت بجهود ماكرون الدبلوماسية، لكنها عارضت فرض حظر على النفط والغاز الروسيين، قائلة إن ذلك لن يضر بروسيا لكنه سيكون “كارثيا” بالنسبة لفرنسا

وحذرت من أن إرسال أسلحة معينة إلى أوكرانيا يمكن أن يجعل فرنسا “شريكة في القتال”، وأن الجهود المبذولة لعزل موسكو يمكن أن تؤدي إلى تحالف روسي صيني، وفق لوبن

وهاجم ماكرون لوبان بشدة بسبب إشادتها السابقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولسرعتها في الاعتراف بالسيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم في عام 2014.

قضايا أخرى

وبينما اتهم ماكرون منافسته بأن لديها رغبة غير منقوصة في إخراج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، ردت لوبان بتعهد بإعادة الأموال إلى جيوب ملايين الفرنسيين الذين زادوا فقرا خلال خمس سنوات من رئاسة ماكرون.

وقال ماكرون للوبان “كفي عن خلط الأمور ببعضها”، وذلك خلال نقاش محتدم حول ديون فرنسا، التي تضخمت مثل ديون الدول الأخرى بسبب التدابير التي اتخذت للدعم بسبب الجائحة.

وردت لوبان، التي تجنبت الزلات التي وقعت فيها في مناظرة سابقة في انتخابات 2017، قائلة لماكرون “لا تعطني دروسا”.

وقال ماكرون إنه لا يزال من بين تلك المواقف التي تكشف تبعيتها لروسيا “مشروعا لا تجرؤ على الإفصاح عنه” بإخراج فرنسا من الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة.

ونفت لوبان، التي خففت من نبرة خطابها الذي كان معارضا بشدة للاتحاد الأوروبي في محاولة لزيادة استمالة الناخبين، كلا من الاتهام بأنها تريد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي وبأنها مهددة سياسيا بسبب قرض البنك الروسي.

وقالت “أنا امرأة حرة ومستقلة تماما”.

مع انخفاض معدل البطالة إلى أدنى مستوى له في 13 عاما، قال ماكرون إنه فخور بخلق فرص عمل خلال فترة ولايته، وأضاف “أفضل طريقة لاكتساب القوة الشرائية هي محاربة البطالة”.

وظل المرشحان يتبادلان الاتهامات بالفشل في التجاوب مع مخاوف الناخبين الحقيقية، إذ قالت لوبان إن مقترحاتها “في الحياة الواقعية”.

وقالت “سأجعل الأولوية القصوى بالنسبة لي خلال السنوات الخمس القادمة هي أن أعيد للفرنسيين أموالهم” وأضافت أن الفرنسيين “عانوا” في فترة ولاية ماكرون.

ماكرون أكثر إقناعا ولوبن أكثر هدوءا

أشار ت مصادر إعلامية إلى أن لوبن لم تفقد هدوءها، كما حدث في أدائها الكارثي في مناظرة عام 2017، وحافظت على سلوك هادئ وظلت مبتسمة خلال ما يقرب من 3 ساعات من النقاش، لكنها كانت ترتبك في بعض الأحيان عندما يضغط عليها ماكرون بشأن أرقام ومواقف سياسية محددة.

وقالت نفس المصادر إن النقاد يرون أن المناظرة أكدت أن ماكرون يتقن القضايا السياسية، لكنه بالمقابل قد يكون “أبعد الناخبين الذين يميلون بالفعل إلى اعتباره متعجرفا”.

وبذل الرئيس المنتهية ولايته والمرشحة اليمينية المتطرفة خلال أكثر من ساعتين و45 دقيقة كل ما في وسعهما لمحاولة إقناع الناخبين المترددين والممتنعين عن التصويت في الجولة الأولى، ولا سيما ناخبي اليسار الذين ينتظر أن يؤدوا دورا حاسما في الاقتراع الأحد.

وأظهر استطلاع سريع للرأي أجرته شركة إيلابي لصالح محطة بي.إف.إم التلفزيونية أن 59 بالمئة من المشاهدين الذين شملهم الاستطلاع يرون أن ماكرون أكثر إقناعا عن لوبان، لكن من غير الواضح كيف ستترجم هذه النتيجة في اتجاهات التصويت يوم الأحد.
وجرى كثير من المساومات خلف الكواليس قبل المناظرة، بدءا بدرجة حرارة الغرفة إلى اللجوء إلى عملة لتحديد بأي موضوع ستبدأ المناظرة، تكاليف المعيشة، ومن الذي سيتحدث أولا.

تأثيرات المناظرة المتوقعة

لا تخلّ المناظرة الرئاسية عادة بتوازنات نوايا التصويت، لكن هذه المرة يمكنها إعادة تعبئة بعض الناخبين و”حشد أصوات أكثر من أي وقت مضى منذ بداية الجمهورية الخامسة” عام 1958 ، بحسب تقديرات بريس تينتورييه نائب المدير العام لمعهد “إبسوس” للاستطلاعات.

وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة أوبنيان واي-كيا بارتنرز لصالح صحيفة ليزيكو أن حوالي 14 بالمئة من الناخبين كانوا ينتظرون المناظرة لتحديد من سيصوتون له، بينما قال 12 بالمئة إنهم سيحسمون أمرهم إذا كانوا سيصوتون من الأساس.

ويعني ذلك انه بعد تصويت أكثر من نصف الناخبين إما لمرشح اليمين المتطرف أو لمرشح اليسار المتشدد في الجولة الأولى التي جرت في العاشر من أبريل، فإن تقدم ماكرون في استطلاعات الرأي أقل بكثير عما كان عليه قبل خمس سنوات عندما هزم لوبان بنسبة 66.1 بالمئة من الأصوات.

لكن من المتوقع أن يكون الفارق في جولة الإعادة يوم الأحد أصعب مما كانت عليه قبل 5 سنوات، عندما خاض المرشحان أيضاً منافسة أخرى حسمها ماكرون بعد حصده 66% من الأصوات.

وقبل 4 أيام من موعد الجولة الثانية، لا تزال استطلاعات الرأي تمنح الأفضلية للرئيس المنتهية ولايته باتجاهات تصويت تراوحت بين 54% إلى 56.5% مقابل 43.5% إلى 46% لمنافسته اليمينية، وهي فجوة أضيق بكثير مما كانت عليه عام 2017 عندما فاز ماكرون بنسبة 66% من الأصوات.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *