وجهة نظر

حمورو يكتب..دولة المؤسسات أم دولة المسرحيات!

تواصل الأبواق نفسها أو لنسميها “علبة الرسائل”، منابر صحافيية وحسابات فايسبوكية، لعب دور نقل الفتاوى المفهومة والشاذة فيما يتعلق بالحكومة بعد انقضاء شهرين على تكليف الأستاذ عبد الاله بنكيران بتشكيلها.

هذه الفتاوى التي تستند إلى قراءات وتأويلات دستورية لا تنتمي قطعا إلى المناخ السياسي الذي أفرزه دستور 2011، أو على الأقل المناخ الذي يُفترض أن يكون مؤطرا للممارسة السياسية في البلاد بعد تاريخ الاستقتاء على الدستور، حيث لم يستطع أصحابها إقناع من يعنيهم الأمر بصوابيتها وجديتها ومصداقيتها، فظلت مجرد آراء ومواقف، بل أضغاث أحلام فرضها هول صدمة نتائج انتخابات 7 أكتوبر وعدم اكتمال السيناريو الذي كان مُعدّا سلفا، كما شهد عليه ارتباك وزير الداخلية محمد حصاد وهو يُعلن على مضض بدون شك فوز حزب العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى.

من بين آخر الفتاوى طرحا، ما نقلته علب الرسائل ذاتها، متحدثة عن شيء اسمه دولة المؤسسات، وأن المغرب قد لا يكون في حاجة إلى حكومة، ما دامت الأمور تسير على ما يُرام، والإدارة تشتغل بما يلبي الحاجيات، هذا بعد ايام من طرح فتوى أخرى تتعلق بحكومة الوحدة الوطنية لا لهدف إلا لضمان مشاركة الحزب المعلوم في التدبير بغاية انتشاله من المعارضة ومحاولة تأجيل أو إبطاء مصير التحلل والتفكك الذي ينتظره في المعارضة لمدة خمس سنوات ستمر عليه وعلى من يراهن عليه عجافا لا ريب في ذلك.

طبعا لا أحد يمكن أن يرفض فكرة المؤسسات وأهميتها في قوة الدولة واستمرارها واستقرارها، هذا حق اذا جاء الحديث عنه في سياق سياسي عاد، حيث كل مؤسسة تعيش حياة طبيعية في جو من الاستقلالية والتكامل والتعاون، لكن أن تتم الإحالة على هذه الفكرة ومؤسستان محوريتان في الدولة تعيشان فترة انتقالية بين ولايتين، فإن هذا هو الحق الذي يُراد به الباطل.

عن أية دولة يتحدث هؤلاء المفتون وأية مؤسسات يقصدون، والسلطة التنفيذية في وضعية تصريف أعمال، والسلطة التشريعية متوقفة اضطرارا، مع ما يصاحب هذه الوضعية من أعراض تصيب مناح كثيرة في يومي باقي المؤسسات، لقد جرت في البلاد انتخابات قرر الشعب فيها ما قرر، وحسم فيها الملك الاختيار بمضمون ديمقراطي عندما كلف الأمين العام للحزب الفائز بتشكيل الحكومة، أين المشكل إذن، يبدو أنه كامنٌ في قناعة يتخذها بعض المسؤولين دينا في تدبير شؤون المواطنين وفي تحديد العلاقة معهم.

هذه القناعة ربما تفيد بأن المواطنين لا يستحقون الجدية، وأنه من السهل التمويه عليهم بما يشبه التنمية من خلال مشاريع تبدو في مرحلة “الماكيط” كأنها جنة الله على أرضه، لكنها تظهر على أرض الواقع إذا ظهرت أصلا، شيئا آخر تماما كالشيء الذي ظهر في فيديو الشاب ابن آسفي صاحب “فيديو الزفت” .. لا شك أنكم تذكرونه، وأنه من السهل التمويه عليهم أيضا بما يُشبه الديمقراطية من خلال اعطائهم حق التصويت، لكن ما يترتب عن التصويت قد لا يعني بالضرورة التطابق مع إرادتهم.

الحقيقة أن في هذه الدولة من ما يزالون يعتقدون أنهم قادرون على تدبير الشأن العام من خلال المسرحيات والأفلام، ولا يكفي سوى إعداد سيناريوهات محبوكة وحوار منسجم وشخصيات موهوبة في استطاعتها تمثل الادوار الموكولة إليها دون زيادة أو نقصان مقابل امتيازات حزبية أو عائلية، ليقضي المُخرج أمرا كان مفعولا.

لكن لسوء حظ هؤلاء، يبدو أن المغاربة تعبوا من هذه المسرحيات وملّوا من جميع الشخصيات، وقرروا أن يعيشوا الحقيقية لا غيرها بكل تفاصيلها، وأجمعوا أمرهم على الاحتكام إلى الديمقراطية التي تمنح الروح للمؤسسات المنتخبة، وتجعل من فكرة دولة المؤسسات ذات معنى، وذات أثر وليس مجرد كلام لربح الوقت في معركة خاسرة، في تقديري جزء من المتاعب التي يواجهها حزب العدالة والتنمية في المشهد السياسي، مرتبط أساسا برفضه المشاركة في هذا النوع من المسرحيات ولو من موقع البطولة!