أدب وفنون

أشهرها قبعة التخفي .. حكايات شعبية سبقت الخيال العلمي

ما يزال جيل حكايات الجدات المنقرضة يتذكر نماذج مثيرة من القصص والحكايات والأساطير التي كانت تشد انتباههم وهم صغارا إلى حكي جميل من أفواه جداتهم أو أمهاتهم. ويتذكرون أبطالا يستمدون قوتهم الخارقة من قدرتهم على الاختفاء والظهور متى شاءوا بوضع قبعة سحرية على رؤوسهم، فيقيموا العدل بين الناس أو يعثوا في الأرض فسادا دون أن يستطيع أحد إيقافهم. ويتذكرون حكايات عن عوالم لا تخضع لقوانين الجاذبية، ينتقل فيها الناس بين السماء والأرض وفي كل الاتجاهات بنطق كلمة سر يحصل عليها المحظوظون منهم…

وبعيدا عن حكايات الجدات، كانت الثقافة الشعبية غنية بأساطير وخرافات لا يتسع لها إلا الخيال، وكانت مقاومة الاستعمار أحد مغذيات ذلك الخيال، لينتج في المغرب مثلا أسطورة رؤية الملك الراحل محمد الخامس في القمر، والتي تحولت من إشاعة إلى وهم صدقته العامة دام ستة عقود مند أن نفا الاستعمار الفرنسي السلطان إلى جزيرة مدغشقر.

وفي مجال الأدب انفجر تأليف روايات الخيال العلمي، قبل أن تغزو مجال صناعة السينما.

ولا يعرف كثير من قراء الخيال العلمي اليوم، حسب الجزيرة نت، أن ثيمات تقليدية في روايات ذلك النوع الأدبي مثل الرجال غير المرئيين والسفر عبر الزمن وآلات الطيران الغريبة وحتى السفر بين النجوم والكواكب تتشابه بعضها مع عناصر مبثوثة في حكايات شعبية شهيرة من أزمنة العصور الإسلامية الوسطى مثل ألف ليلة وليلة.

وفي مقال بمجلة “آيون” (Aeon) الأسترالية، كتب محمد أورنجزيب أحمد، الأكاديمي بقسم علوم الحاسوب بجامعة واشنطن وعالم البيانات والذكاء الاصطناعي، حسب نفس المصدر، قائلا إنه غالبا ما يتم ربط الخيال التأملي مع الرومانسية الأوروبية ويُقرأ كرد فعل على الثورة الصناعية. لكن التفكير في التقنيات الخيالية، وتخيل الترتيبات الاجتماعية المثالية، ورسم الحدود الضبابية بين العقل والآلة والحيوان، ليست حكرا على الغرب وحده.

ويقول الكاتب إنه بحلول أوائل القرن الـ20، ظهر “الخيال التأملي” في العالم الإسلامي كشكل من أشكال مقاومة قوى الاستعمار الغربي، فعلى سبيل المثال، كتب محمدو بيلو كاجارا -وهو مؤلف نيجيري يكتب بلغة قبائل الهوسا- رواية “جانوكي” عام 1934، وهي رواية تدور أحداثها في غرب أفريقيا البديلة، حيث يشارك السكان الأصليون في صراع ضد الاستعمار البريطاني، ولكن في عالم يسكنه الجن والمخلوقات الأخرى.

وفي العقود التالية عندما بدأت الإمبراطوريات الغربية الكبرى في الانهيار كانت سمت (ثيمة) اليوتوبيا السياسية غالبا ما يتم تناولها بسخرية، فمثلا رواية “إكسير الحياة” للكاتب المغربي محمد عزيز لحبابي كانت تحكي عن اكتشاف إكسير يمنح الخلود، ولكن بدلا من أن يكون ذلك سببا في أن يسود المجتمع الأمل والسعادة فإنه تسبب في الانقسامات الطبقية وأعمال الشغب وتفكيك النسيج الاجتماعي.

ويسرد الكاتب تحولات أدب الخيال العلمي في العالم الإسلامي بالقرن الـ20، فيتوقف عند رواية الأديب العراقي أحمد سعداوي “فرانكشتاين في بغداد” والتي تناقش الحرب والعنف الطائفي بالعراق من زاوية وحش خيالي مجمع من أجزاء مختلفة من أجساد ضحايا الحرب والعنف.

مختارات قصصية

وأصدر أورنجزيب أحمد سلسلة “الإسلام والخيال العلمي” وهي مجموعة مختارة من قصص قصيرة من أدب الخيال العلمي جمعها لأنه لم ير تمثيلا كافيا للمسلمين في الخيال العلمي.

وفي مقدمة كتابه، كتب أحمد أنه بدأ مشروع الإسلام والخيال العلمي في عام 2005، وكان الدافع الرئيسي وراء المشروع هو سد فجوة في الأدبيات المتعلقة بالمسلمين والثقافات الإسلامية في الخيال العلمي.

وهكذا يكون التركيز على الثقافات ذات الأغلبية المسلمة وليس بالضرورة على الدين نفسه، على الرغم من وجود تداخل بين الاثنين، وشملت المختارات حوالي 78 مشاركة من كتّاب مسلمين وغير مسلمين في المجلد الأول.

وكتب أحمد “لم يصل مجال الخيال العلمي الإسلامي إلى مرحلة النضج حتى بعد أكثر من 150 عاما من ظهور الخيال العلمي من العالم الإسلامي وبعد ما يزيد على عقد من بدء مشروع الإسلام والخيال العلمي. في السنوات الأولى من هذا المشروع، شاركتُ بتحرير مختارات من قصص الخيال العلمي “مسجد بين النجوم” مع مؤلف الخيال العلمي الكندي أحمد خان في عام 2008″.

ونقل موقع  “جزمودو” (gizmodo) التقني عن أحمد قوله إن معظم القصص تناقش مجازات الخيال العلمي التقليدية (مثل السفر عبر الزمن أو غزوات الفضائيين) من خلال عدسة إسلامية، لكن البعض الآخر استلهم على وجه التحديد من الثقافة الإسلامية، مثل قصة “الخط” لأليكس كريس التي بدأ بها أحمد كتابه.

ويقول أحمد إن الإسلام يتم تمثيله في كل من الخيال العلمي التقليدي والحديث، وعلى سبيل المثال، تحمل رواية وفيلم “كثيب” (Dune) الكثير من الموضوعات والمصطلحات من الثقافة الإسلامية، وقال أحمد إن السبب جزئيا هو أن الدول الإسلامية لديها مجموعة واسعة من القصص الخرافية والأساطير التي يتردد صداها في الخيال العلمي، مثل ألف ليلة وليلة.

وأيضا يعود ذلك التمثيل لمساهمة الحضارة الإسلامية في المجتمع العلمي، فعندما كانت أوروبا في حقبة العصور الوسطى، كانت الحضارة الإسلامية في عصر ذهبي للاكتشافات العلمية والرياضية، من ساعة الفيل (اخترعها العالم والمهندس بديع الزمان الجزري 1136-1206م) إلى القمرة المظلمة لعالم البصريات ابن الهيثم، حيث جلبت الحضارة الإسلامية العديد من الأعاجيب التكنولوجية إلى العالم الحديث.

وقام علماء المسلمين أيضا بترجمة آلاف النصوص الإضافية في العلوم والطب والرياضيات، وهذا التفاني في العلوم والتكنولوجيا وبناء العالم ألهم أيضا العديد من الأعمال الخيالية التي تعد جزءا من جذور الخيال العلمي، وفق الكاتب.

وبينما يُعد فرانكشتاين لمؤلفته الإنجليزية ماري شيلي أول عمل من أعمال الخيال العلمي الحقيقي في رأي النقاد، هناك العديد من الكتب -بعضها لمؤلفين مسلمين- تحمل العديد من الخصائص التي تميز الخيال العلمي، ومن بين هذه الروايات “تاريخ حقيقي” من تأليف لوسيان أوف ساموساتا، وهي رواية من القرن الثاني الميلادي عن رجل يسافر إلى القمر من خلال صنبور ماء ويصادف مخلوقات غريبة، وهناك أيضا قصة حي بن يقظان لابن طفيل في القرن الـ12 الميلادي.

قناع الأدب

وعرف الأدب العربي الخيال العلمي منذ وقت مبكر، لكن الأعمال الحديثة غلب عليها الطابع الترفيهي والتعليمي، وليس الأدب الذي يتناول الواقع الاجتماعي المعاصر ويتعرض له بالنقد والتحليل.

ويرتبط أدب الخيال العلمي عالميا بالنقد السياسي والاجتماعي، وقد تضمنت روايات جورج ويلز المبكرة -مثل “آلة الزمن”- إسقاطات سياسية معارضة للسلطة غالبا، بينما تضمنت رواية “مواقع الأفلاك في وقائع تليماك” التي ترجمها رفاعة الطهطاوي عن الفرنسية في منتصف القرن الـ19 نقدا لاذعا للملك لويس الـ14.

وفي كتابه “الإسلام والخيال العلمي والحياة خارج كوكب الأرض.. ثقافة علم الأحياء الفلكية في العالم الإسلامي”، يرى يورغ ماتياس ديترمان الأكاديمي بجامعة “فرجينيا كومنولث” في قطر أن دولا ذات أغلبية مسلمة ودولا محكومة بأنظمة استبدادية أنتجت روايات خيالية عظيمة للغاية تنتمي لعلم الأحياء الفلكي أو البحث عن حياة خارج الأرض.

ويناقش الكتاب كيف كان العلماء من البلدان ذات الأغلبية المسلمة في طليعة البحث المثير عن حياة خارج كوكب الأرض، ويجادل بأن التقاليد الإسلامية كانت بشكل عام داعمة لمفاهيم الحياة خارج الأرض (مثل الإيمان بوجود الجن)، وفق تقرير سابق للجزيرة نت.

وفي هذا الكتاب الجذاب، يقدم المؤلف مسحا للنصوص والأفلام العربية والبنغالية والماليزية والفارسية والتركية والأردية، مستعرضا كيف كان العلماء والفنانون بالبلدان ذات الأغلبية المسلمة في طليعة البحث المثير.

ويخلص إلى أن القمع ساعد الخيال العلمي أكثر من إلحاق الضرر به، حيث شجعت الرقابة المؤلفين على إخفاء نقد السياسة المعاصرة من خلال وضع الحبكات القصصية في أزمنة مستقبلية وعلى كواكب بعيدة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *