أدب وفنون

فشل السينما.. أفلام قليلة نجحت في مقاربة الاضطرابات النفسية

في كتابه “السينما وعلم النفس: علاقة لا تنتهى” يقول “سكيب داين يونج” إن الأفلام – شأنها شأن كلّ الفنون – مشبّعة بالعقل البشري؛ فهي من صُنع البشر، وتّحِسّد أفعالًا بشرية، ويشاهدها جمهور من البشر. إنها شكلٌ فنيٌ مفعم بالحيوية البالغة، يستخدم صورًا متحرّكة أخَّاذة، وأصواتا نابضة بالحياة، للربط بين صُّنَاع السينما والجمهور عبر شريط السيلولويد والحواس.

وأضاف أنه لا عجب أن يُثار جَدَلٌ واسع حول طريقة تصوير المرض النفسي دراميًا في الأفلام والوسائط الأخرى؛ فلقد ظلّ الأطباء النفسيون وعلماء النفس وغيرهم من اختصاصيي الصحة يشعرون بالقلق مما تنَّسم به تلك النوعية من الصور من مبالغة، وتنا قضن، وعدم دقة، فضلًا عن تأثيرها المدمّر المحتمّل على مَن يعانون من مشاكل نفسية حقيقية، وعن كونها تُعرقل ما يَبذّله اختصاصيو الصحة النفسية من محاولات لعلاج أناس أظهَّرَ التشخيص أنهم يعانون من مثل تلك الاضطرابات. فمع اقتحام “الجوكر” بتصرّفاته العنيفة وأطواره الغريبة ووجهه الشائه للوعي العام، بدأ اختصاصيوى الصحة النفسية يُقلّقون من أن هذه الصورة صارت تمثّل الآن مصدرًا لإنتاج المزيد من الصور المسيئة.

الظاهرة التي تناولها “سكيب داين يونج” في كتابه، تنبه إلى أن الأفلام يمكنها وصم أو تشويه كثير من معاني المرض النفسي، وتكون لتلك التشويهات تداعيات خطيرة على الجمهور.

وحسب الجزيرة نت، هناك قلة من الأفلام نجحت في تحقيق المعادلة الصحيحة وحققت جاذبية ومتعة للمشاهد وفي الوقت نفسه ناقشت المرض النفسي مناقشة علمية بعيدا عن الوصم.

وفي ما يأتي بعض الأفلام التي استطاعت أن تجمع بين جاذبية المشهد والخروج بفيلم يستطيع أن يسرد معنى المعاناة من الأمراض النفسية:

الساعات (The Hours)

يرسم الفيلم حياة 3 نساء من أجيال مختلفة، يتأثرن جميعا برواية السيدة دالاوي، حتى مؤلفة الرواية السيدة فيرجينيا وولف. يعالج الفيلم موضوع الشعور بالوقت إذا كان الشخص مصابا بمرض نفسي، وكيف يمكن أن تؤدي الأمراض النفسية كالاكتئاب واضطراب ثنائي القطب إلى الانتحار.

ويتمحور الفيلم حول صراع التفكير في الانتحار وكيف يجعل المرض النفسي مجرد الشعور بالوقت حملا ثقيلا ويجعل الدقائق كأنها سنوات، ويفسر الفيلم المعاناة اليومية لمن يعانون من الاكتئاب عن قرب شديد.

أفكّر في إنهاء الأمور (I’m Thinking Of Ending Things)

يروي الفيلم قصة فتاة تسافر مع صديقها الجديد إلى مزرعة والديه المنعزلة، تعلن في بداية الفيلم أنها “تفكر في إنهاء الأمور”، أي العلاقة التي تربطها بصديقها، وتفكر في هذا الأمر طوال الرحلة لكنها تجد نفسها مع مخاوف غريبة وتشعر كأن الرحلة لا تنتهي ولا تستطيع العودة.

الفيلم مأخوذ من رواية عن قصة “جاك” وهو رجل يعاني من مرض نفسي ناتج عن اضطراب تعدد الشخصية أو الفصام، عُثر على المخطوطة بجوار جثة جاك بعد أن قتل نفسه في المدرسة حيث كان يعمل حارسا على مدى أكثر من 30 عامًا. جميع الشخصيات بمن فيهم الفتاة هم أجزاء من نفسية جاك، والأحداث هي في الواقع استعارة ممتدة لحياته.

كعكة (Cake)

يروي الفيلم قصة كلير التي تفقد ابنها في حادث سيارة مأساوي وتعاني من إصابة في العمود الفقري كما تعاني من الهلاوس السمعية والبصرية بعد انتحار فتاة من مجموعة الدعم “لمكافحة الصدمات النفسية” تعتقد أنها تتواصل معها روحيا، وتواجه صعوبة في تقبل الحادثتين، ويؤدي ذلك إلى إدمانها الأدوية المسكنة.

يعالج الفيلم مدى تأثير الشعور بالحزن في الأشخاص؛ فالشعور بالحزن أمر طبيعي ولكن عندما يكون نتيجة لحادث ضخم فيمكن أن يتعارض مع الحياة اليومية.

فيلم الكعكة تمثيل عاطفي لآثار التضرر من الحزن والاكتئاب، وكيف يمكن أن يؤدي إلى أعراض نفسية أخرى مثل النوم المفرط، وفقدان الاهتمام بالحياة، والهلاوس السمعية والبصرية، والاكتئاب.

مشاركة السر (Sharing the secret)

يسرد الفيلم قصة المراهقة بيث التي تنعم بحياة تبدو من الخارج مثالية، وتتمتع أيضا بشكل جذاب، ومع ذلك تشعر أنها لا ترتقي إلى مستوى التوقعات ولا تتحكم في حياتها، فتلجأ إلى الإفراط في الطعام والتطهير عن طريق التقيؤ للسيطرة على جانب واحد على الأقل من حياتها.

يفسر الفيلم معنى المعاناة من مرض “البوليميا” أو الشره العصبي، وكيف يمكن إخفاء المرض إخفاء تاما، فطوال الفيلم تستطيع بيث إخفاء أعراض الآثار الجانبية للبوليميا ببراعة، حتى تُشخّص طبيا على أنها مصابة بفقر الدم نتيجة للبوليميا، كما يظهر الصراع النفسي بين بيث ووالدتها وبين بيث ونفسها.

الجوكر (Joker)

آرثر فليك شاب فقير يحلم بأن يصبح ممثلا كوميديا لكنه يعمل مهرجا، يحاول أن يجد فرصة بين شوارع مدينة غوثام المزدحمة لكن العالم لا يعطيه الكثير، يبدأ فليك الانحدار إلى الجنون فيتحول من شاب لطيف إلى قاتل ويصبح العقل الإجرامي المعروف باسم الجوكر.

عند إصدار فيلم “الجوكر” (Joker) سرعان ما أصبح مركزا للجدل بسبب مشاهد العنف وبسبب أداء الممثل خواكين فينيكس الاستثنائي باعتباره شرير شاشات السينما الأيقوني، وعلى الرغم من ذلك فقد أُشيد بالفيلم لمعالجته الجيدة لموضوع المرض النفسي، فقد صوّر الفيلم تصويرا رائعا تدرج الجوكر من مراحل المرض النفسي الطفيفة إلى الجنون، وأوضح كيف أثرت العوامل المختلفة فيه مثل خلفيته وحياته وبيئته.

فتاة قوطعت” (Girl, Interrupted)

الفيلم مأخوذ عن القصة الحقيقية لسوزانا كايسن، وتعود لأواخر الستينيات، حين وضعت في مستشفى نفسي شهير للشابات اللاتي يعانين من اضطرابات نفسية بعد أن حاولت الانتحار، وهناك تتوطد الصداقة بينها وبين نزيلات المصحة.

يطرح هذا الفيلم سؤالًا حول معنى “الجنون”؛ فهل يعني الدخول إلى مستشفى الأمراض النفسية أن الشخص مجنون؟ وهل الشعور بالحزن الشديد يعني بالتأكيد المعاناة من مرض الاكتئاب؟ هذه هي الأسئلة التي تنظر إليها شخصية سوزانا.

تم تشخيص سوزانا باضطراب الشخصية الحدّية، وترتبط ببعض المرضى المختلفين، من بينهم ليزا المصابة باضطراب الشخصية الاجتماعية، وديزي المصابة بالبوليميا، والعديد من المصابين بأمراض أخرى يعالجها الفيلم أيضا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *