أخبار الساعة

دراسات: التوتر يعزز الأنانية وإنكار الذات قد يخرب العلاقات الاجتماعية

أغرب ما يتوقع المرء أن تكشف عنه دراسة علمية أن تقول إن التوتر يزيد من الأنانية. وبصفتها أحد عوامل تخريب العلاقات الاجتماعية، وتشكلت حولها صورة تجعلها منبوذة من الجميع، فالحياة مليئة بالتوتر وأسبابه منتشرة داخل الأسرة وفي العمل وفي الشارع!

لكن أغرب ما قد ينتظره الناس أيضا أن تؤكد لهم الدراسات العلمية أن إنكار الذات، الذي هو نقيض الأنانية، بإمكانه أيضا أن يخرب العلاقات الاجتماعية.

كيف يزيد الإجهاد من الأنانية

ما الإجهاد؟

الإجهاد هو استجابة طبيعية للمواقف الصعبة وعوامل التوتر المختلفة، ولدى أغلب الناس أصبح جزءا من الحياة اليومية، حسب الجزيرة نت. وهناك فرق بين المستويات الصحية للإجهاد، والإجهاد المزمن؛ فالإجهاد الصحي يعمل على إنتاج الهرمونات التي تساعد الجسم على الثبات، أما الإجهاد المزمن فيبقي الجسم في حالة تحفز مدة طويلة.

وفي تقرير نشره موقع “باور أوف بوزيتيفيتي” (Power Of Positivity) الأميركي، تقول الكاتبة لاكيشا إيثانز، حسب نفس المصدر، إن الإجهاد المزمن يمكن أن ينجم عن الاضطرابات العقلية والظروف الصعبة والوظائف ذات الضغط العالي والمشاكل الشخصية وغيرها من عوامل التوتر.

ويمكن أن تؤدي هذه المواقف إلى آثار جسدية طويلة الأمد تؤثر سلبا في الصحة البدنية والعقلية، ويبلغ الأمر درجة الإصابة بعدد من الأمراض.

ما الأنانية؟

المفهوم السائد أن الإنسان الأناني هو ذلك الشخص لا يهتم إلا بنفسه، ويتفاخر بتجاهل حاجات الآخرين ومشاعرهم، مما يتسبب في نفورهم منه وتجنبه. ولكن مصطلح الأنانية يشير في الحقيقة إلى من يضع رغباته واحتياجاته فوق رغبات الآخرين واحتياجاتهم.

كيف يزيد التوتر من الأنانية؟

حسب صحيفة عكاظ، قالت دراسة كندية جديدة إن هرمونات التوتر تؤثر على استجابات الدماغ وطريقة التفاعل مع الآخرين، لكن الإجهاد لا يؤثر على الجميع بالدرجة نفسها. ورصدت الدراسة زيادة الأنانية كلما زادت درجة الإجهاد والتوتر.

وبحسب موقع “ميديكال إكسبرس”، قام فريق الدراسة بقياس نشاط دماغ المشاركين أثناء عطاء خيري، قبل وبعد الإجهاد، باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي.

وتبين أن هناك منطقة في الدماغ تتوسط تحولاً متعلقاً بالكورتيزول في الإيثار، هي قشرة الفص الجبهي الظهراني. ومن المعروف منذ فترة طويلة أن هذه المنطقة تلعب دوراً رئيسياً في اتخاذ القرارات الإيثارية والتحكم المعرفي.

وأظهر الفحص أن هرمون الإجهاد الكورتيزول قد غيّر أنماط التنشيط في منطقة الدماغ هذه، ولعب دوراً في الآثار السلبية للضغط على السلوك الإيثاري.

وخلال التجربة تم منح كل مشارك 20 يورو، مع إمكانية الاحتفاظ أو التبرع بها، وتم تعريض المشاركين لإجهاد بدني، وتبين أن أصحاب المهارات العقلية الأعلى كانوا أكثر تأثراً بالإجهاد، وأكثر أنانية تحت الضغط.

إنكار الذات قد يخرب العلاقات الاجتماعية

يعتقد كثيرون أن إنكار الذات يساعد على بناء علاقات شخصية قوية وصادقة، على عكس الأنانية التي يمكن أن تهدم أي علاقة إنسانية.

وفي تقرير نشرته مجلة “سيكولوجي توداي” (psychologytoday) الأميركية، يقول المختص في علم النفس السريري دانييل لوبيل إن هذه الفكرة الشائعة ليست صحيحة تماما، لأن إنكار الذات يُمكن بدوره أن يهدم العلاقات الحميمة.

ويرى الكاتب أن تحقيق التوازن بين الأنانية وإنكار الذات، هو الوصفة السحرية لبناء علاقة تقوم على الصدق والمشاركة وتفهّم رغبات الطرف الآخر.

ما إنكار الذات؟

يُعتبر إنكار الذات عند أغلب الناس من الخصال الجيدة، ويُنظر إلى من يتصفون به على أنهم كرماء وعاطفيون وقادرون على بناء علاقات إنسانية تتسم بالألفة والمحبة.

ولكن هذا المصطلح يعني من وجهة نظر علمية: الشخص الذي ينبذ ذاته ويقدّم احتياجات الآخرين على احتياجاته، لأنه لا ينظر إلى ذاته بكثير من التقدير بل يربط سعادته الذاتية بإيثار الآخرين، وهو ما يُعرف بسلوك “إرضاء الناس”.

ما الفرق بين الأناني وغير الأناني؟

من أهم ركائز بناء العلاقات الحميمة: التعبير عن الذات، أي أن تفصح عن أفكارك ومشاعرك والأشياء التي تحبها، وهو ما يكسر الحواجز ويساعد على توطيد العلاقات الإنسانية.

وفيما يلي، يتخيّل الكاتب محادثة بين سالي “غير الأنانية”، وصديقتها هايلي:

+ هايلي: أين تودين أن تذهبي لتناول العشاء الليلة؟

+ سالي: حيثما تريدين، أنا موافقة.

+ هايلي: ماذا تريدين أن تأكلي؟ 

+ سالي: لا يهم، اختاري أنت المكان وسأجد ما آكله.

للوهلة الأولى، نرى أن من السهل التعايش مع سالي الودودة، إلا أنها باستسلامها لقرارات صديقتها، لم تفصح عن شخصيتها ورغباتها، بل على عكس ذلك تماما، أخفت مشاعرها ولم تُظهر ميولها، وبذلك عرقلت بناء علاقة حميمة صادقة مع هايلي.

لنتخيل أن المحادثة ذاتها كانت مع شخص أناني.

+ ماك: أين تحب أن نتناول العشاء الليلة؟

+ سام: أعرف مطعما جيدا يقدم وجبات لحم شهية.

+ ماك: أين يقع؟

+ سام: يبعد حوالي ساعة من هنا. لمَ لا تذهب وتحضر سيارتك؟ لا أفضل القيادة اليوم.

مع أن سام يبدو شخصا يصعب التعامل معه -وفقا للكاتب- إلا أن صديقه يعرف عنه الكثير، لأنه يهتم بنفسه ويعبّر بوضوح عن رغباته، ولا يكترث لمشاعر ماك أو أي أحد من حوله.

كيف نبني علاقة صادقة؟

يؤكد الكاتب أن التعبير عن الذات لا يكون مجديا في بناء العلاقات الحميمة إلا إذا تفاعل معه الطرف الآخر بشكل إيجابي.

ظاهريا، تبدو سالي صديقة متفهمة، إذ إنها مستعدة لمسايرة كل رغبات صديقتها، لكن هايلي لم تطرح السؤال حتى توافقها سالي، بل لتأخذ رأيها وتتبادل معها الأفكار وتعرف رغباتها، غير أن سالي لم تتجاوب.

أما سام، فإنه لم يبذل أي جهد ليُظهر لصديقه أنه يتفهمه ويسايره، لكنه جعل ماك يتفهم رغباته ويسايره.

وفي كلتا الحالتين، فإن العلاقة لم تصل إلى درجة الحميمية والتفاهم بين الطرفين، إذ إن سالي التي تنكر ذاتها رفضت الإفصاح عن مشاعرها ورغباتها، وسام الأناني لم يكن مهتما بتاتا بمعرفة رغبات صديقه.

وهنا يتساءل الكاتب، لماذا تُعتبر شخصية سالي مقبولة اجتماعيا، ويُنظر إليها كشخصية متفّهمة، رغم أنها لا تستطيع بناء علاقة حميمة صادقة؟

والجواب من وجهة نظره أن سالي تستطيع أن تكون الشخصية التي يحبّذها الطرف الآخر، من خلال موافقتها على كل رغبات صديقتها، لكن دون الوصول إلى درجة الحميمية في العلاقة.

أما أكبر عائق أمام بناء العلاقات الحميمة للأشخاص الأنانيين، فهو عدم اكتراثهم بالشخص المقابل. حينها سيظهر الصديق كأنه غير موجود تماما، وأن مشاعره وحاجاته ليست لها أي أهمية، ولن يشعر ماك بالتالي أن سام صديق مقرّب.

كيف تحقق التوازن بين الأنانية وإنكار الذات؟

العلاقة الحميمة تتطلب الصدق والتفهم بين شخصين يستطيعان تحقيق التوازن بين الأنانية وإنكار الذات، ويكون ذلك من خلال:

  • التمتع بالقدر الكافي من “الأنانية” الكافية للتعبير عن احتياجاتك والإفصاح عن رغباتك.
  • الإيثار الكافي لوضع مشاعرك جانبا والإحساس بمشاعر الشخص الآخر.
  • بعض “الأنانية” ضرورية للتفاعل مع الآخر دون أن تفقد شخصيتك.
  • وبعض إنكار الذات ضروري بقدر يسمح بالتمتع بشعور إسعاد الآخر والتجاوب معه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *