وجهة نظر

ممثلي السلطة المركزي والجماعات الترابية.. قراءة دستورية في طبيعة العلاقة

يمثل العامل في الإقليم والوالي في الجهة السلطة العليا، إذ هو المحرك الفعلي للجهاز الإداري برمته ومدير الدينامية المحلية. وهذا الدور تعزز عبر مسار الإدارة في المغرب منذ إحداث هيئة العمال بمقتضى ظهير 20 مارس 1956، مرورا بظهير 6 أكتوبر 1993 الذي غير وأتم الظهير الأول، وبمقتضاه توسعت اختصاصات الولاة والعمال لدرجة أصبحت معها باقي المناصب والمصالح مركزية وغير مركزية بدون أي اعتبار مقارنة مع السلطات والاختصاصات التي اسندت إليه.

ورغم التحولات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسة ضلت مؤسسات ممثلي السلطة المركزية تعزز موقعها يوما بعد يوم، فحتى المراجعات الدستورية الأخيرة بقيت مثل مثيلاتها السابقة، حيث جعلت منه فاعلا أساسيا في المجال الترابي، مع بعض التغيرات البسيطة والمحتشمة التي حددت من خلالها مجال تدخلاته لصالح المنتخبين، وذلك وفق مقتضيات قانونية وتنظيمية.
وفي هذا الصدد يتطارح إلى أذهاننا السؤال التالي:

ما هي حدود تدخل سلطات ممثلي السلطة المركزية؟ وماهي حدود العلاقة بينها وبين الجماعات الترابية؟

1- الاختصاصات الجوهرية للمثلي السلطة المركزية حسب دستور 2011:

لا شك أن ما تمخض عنه الإصلاح الجستوري الجديد كان إلى صالح المجالس المنتخبة، لا على مستوى الاختصاص فقط وإنما على مستوى علاقة ممثلي السلطة المركزية بها، حيث لم تعدد تعاني الأولى من الوصاية الثقيلة للعمال والولاة. بحيث انتقل دور العمال والولاة من الوصاية الإدارية حسب دستور 1996، إلى دور المراقبة الإدارية حسب الفقرة الثانية من الفصل 145 من دستور 2011.

وهذه الصلاحيات التي يمارسها الولاة والعمال على أنشطة الوحدات الترابية سواء اللامركزية أو اللاممركزة تنطوي على التأكد من أن البنيات المحلية تسير وفق النمط الذي تحدده الاختصاصات المخولة لها والخطط المعتمدة من قبل مجالسها المنتخبة.

وهذه الصلاحيات تخول للولاة والعمال القيام بمجموعة من التصرفات القانونية بعد اساءة الجماعات التاربية لاستعمال اختصاصاتها المخولة لها، وذلك بغرض تصحيح الوضعية القانونية وفقا لما حددخ القانون. وتجعلنا هذه المقاربة أمام نوع جديد من التدخل، يتجاوز الأساليب القديمة المتمثلة في المراقبة القبلية ومراقبة الملائمة، ومن بين اجابياتها تقليص آجال جواب السلطة المختصة وحصر القرارات والأعمال التي تخضع لها المراقبة.

غير أن السؤال المطروح أمام هذه التغيرات الجوهرية هو مدى قدرة النخب المنتخبة على ممارسة هذه الحقوق التي جاء بها المشرع…

2- طبيعة وأشكال تدخل ممثلي السلطة المركزية في الجماعات الترابية:

كما أشرنا في الفرع السابق، قد أحدث دستور 2011 قطيعة مع ما كان سابقا فيما يخص العلاقة بين ممثلي السلطة المركزية والمجالس المنتخبة. بحيث تنص الفقرة الثالثة في الفصل 145 من دستور 2011 على أن الولاة والعمال يساعدون رؤساء الجماعات التاربية وخاصة المجالس الجهوية على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية، وتكمن طبيعة هذه المساعدات في حرص ممثلي السلطة على التزام البرنامج والمخططات التنموية مع التوجه الوطني ثم تلاؤمها مع ما تتوفر عليه الجماعات الترابية من موارد وإمكانيات. غير أن أشكال تدخلها ينطوي على بعدين كامنين، أحدهما ذو مدلول إيجابي والأخر سلبي.

أما بالنسبة للمدلول الإيجابي فيرتكز على ما في يد الولاة والعمال من امكانيات وموارد سواء البشرية منها أو التقنية وكذا المعطيات والخبرات اللازمة، وهذا نظرا لتراكماتها التاريخية في المجال الترابي، في مقابل عدم توفر المجالس المنتخبة على هذه الموارد، خصوصا المجالس الجهوية التي لا تتوفر على ادارات خاصة بها، تمكنها من الاضطلاع بتدبير شؤونها بمعزل عن ولاة الجهات وعمال الأقاليم.

وأما بالنسبة للمدلول السلبي لشكل المساعدات المقدمة من طرف ممثلي السلطة المركزية، فيتعلق بالحد من استقلالية الجماعات الترابية عن الأخير، وبالتالي ما قد يصيب عمق وجوهر الاصلاحات القانونية والتنظيمية. خصوصا وأن بعض التجارب الحالية –مجلسي مدينة الرباط ومراكش مثلا- تحيلنا على استمرار نفس التدخل عند بعض الولاة، من خلال ربطهم للمساعدات بمدى موافقة الجماعات التاربية لتوجيهاتهم.

وعليه يبقى رهان التنمية في الأخير مرتبطا بمدى انسجام ممثلي السلطة المركزية برؤساء المجالس المنتخبة، ما لم تمنح للأخيرة الصلاحيات اللازمة مقرونة بالموارد والإمكانيات التي يتطلبها تنفيذ البرنامج والمخطط التنموي. وبالتالي سيبقى سؤال استقلالية الجماعات الترابية معلقا بلا جواب نهائي، ما لم تقتنع السلطة بضرورة استقلالية ما هو محلي عن ما هو مركزي وفسح مجال أرحب للامركزية حقيقية. وإلى ذلك الحين يجب على المنتخبين تقوية جبهتهم في خضم النقاشات العمومية.

ــــــــ

 باحث في القانون العام