مجتمع

بعد تعنيف أطفال مدرسة عتيقة .. تربية بلا عقوبات هل هي ممكنة وناجعة؟

أثار فيديو تعنيف أطفال من طرف معلم في إحدى مدارس التعليم العتيق بمدينة طنجة جدلا كبيرا في مواقع التواصل الاجتماعي، أبرز انقساما حادا حول مسألة اعتماد العنف في التربية والتعليم، بين من يبرره ويجد للمعلم المعنف أعذارا، وبين من يرفضه ويدعو إلى محاسبته.

ويقدم شريط الفيديو نموذجا في التربية والتعليم كان سائدا عبر العالم في العقود الماضية، يعتمد أحد أقسى أشكال العنف في التربية والتعليم، ويظهر الشريط لجوء المعلم إلى وسيلة “الفلقة” بمساعدة شخص ثان ضد أطفال يصرخون ويستعطفون بدون جدوى.

ويظهر الشريط المعلم، الذي يبدو أنه أنزل العقاب الجماعي على تلامذته، يصرخ في وجوه الأطفال بصوت غاضب، ويضربهم بقوة وبطريقة قاسية كأنه ينتقم.

ورغم أن الأمن تدخل وأقف إمام أحد المساجد التي كانت مسرحا لتعنيف قاصرين يتابعون دروسا في التعليم العتيق، وقد ينتهي بإدانته بعقوبة، إلا أن ظاهرة اعتماد العنف في التربية والتعليم تتجاوز أسوار مدرسة عتيقة ليسجل حضوره الثقيل في ثقافة المجتمع، فنجد المقاربة العنيفة في التربية الأسرية وفي أقسام المدارس، بل وحتى في ممارسات من طرف بعض الأساتذة تجاه طلابهم في الجامعات.

وفي سياق مجتمعي تحضر فيه ثقافة العنف بشكل قوي، تبدو التربية بدون عقاب أمراً غير معقول، رغم التطور الهائل الذي عرفته نظريات التربية حول مسألة العنف، والتي تطورت من نظريات قديمة تبرر العنف إلى نظريات تعتمد العقاب الذكي، إلى نظريات حديثة تتحدث عن تربية بدون عقاب، وتؤكد أن العقاب في التربية لا يفيد.

مساهمة منها في النقاشات الدائرة حول التربية والعنف، اختارت “العمق المغربي” تقديم هذا المقال حول التربية بدون عقوبة. فهل التربية بدون عقاب ممكنة؟

العقوبة تحل مشكلة مؤقتة فقط

كل أم وأب يعرف تلك المشكلات اليومية المتعلقة بتربية الأطفال، ومعظم الآباء اختبروا من قبل الموقف، حيث يصرخ الطفل بدون سبب أو يلقي بنفسه أرضا في المتجر محاولاً الحصول على حلوى أو أي شيء آخر، بل وأحياناً لا يعرف الآباء ماذا يريد الطفل بالضبط. ورغم هذا، حسب الجزيرة نت، فمعظم هذه التصرفات المستفزة في كثير من الأحيان، تعتبر تصرفات طبيعية متوافقة مع عمر الطفل ونموه النفسي حسبما يؤكد موقع psychologytoday  المتخصص في العلوم الإنسانية.

وبينما أصبح من المعروف أن العنف لا يساعد في التربية، وانتشرت الفكرة القائلة إن الأهم هو اتخاذ عقوبات ونتائج حازمة لما يقوم به الطفل من تصرفات غير مقبولة، تعلو الآن الأصوات التي تدعو لتربية “بلا عقوبات”. فالدراسات الحديثة تقول، حسب نفس المصدر،  إن العقوبات لها نتائج سلبية.

ويرى خبير علم النفس، إد ديسي، من جامعة روكستر أن العقاب يؤدي إلى السيطرة على تصرفات الطفل لكنه لا يساعده على اختيار التصرف الجيد وتمنع بالتالي الاستقلالية والسيطرة على الذات والاتصال الصحي بالآخرين، فهي بالتالي تحل مشكلة مؤقتة لكنها لا تؤدي إلى نتائج جيدة على المدى البعيد.

وتذهب الباحثة في جامعة ستانفورد، كارول دويك، والمتخصصة في التربية وعلم النفس الاجتماعي أبعد، إذ تقول حتى أدوات التشجيع المختلفة من نجوم ذهبية وهدايا مختلفة سلبية، إذ أنها تقتل حماس الطفل الطبيعي، وتجده بحاجة دائمة إلى دافع مادي لأداء عمل ما.

وينصح خبراء التربية بتغيير طرق التربية التقليدية ليتعلم الأطفال كيفية كبح جماح الغرائز الطبيعية والاتصال مع الآخرين، حتى لا يصبحوا فقط سعداء وناجحين في الكبر، ولكن ليصبحوا أكثر احتراماً للآخرين وأكثر حساسية واهتماماً بالآخرين. ولكن كيف؟

نصائح من أجل تربية بدون عقاب

يوضح موقعParenting Today ، حسب المصدر السابق، أن  العقاب يعطي الطفل الرسالة أن تصرفاته سيئة، والطفل الصغير غير قادر على التفرقة بين كون تصرفاته سيئة، وكونه هو نفسه شخصاً سيئاً.

ومن بين النصائح التي يعطيها الداعون لهذه الطريقة من التربية أي الامتناع عن معاقبة الطفل:

– علم طفلك التصرفات الصحيحة بناء على القيم الأخلاقية ووضح له الأنماط السلوكية الصحيحة
– ابق على الرابطة بينك وبين طفلك حتى يبحث دائماً عن أداء التصرفات الجيدة.
– وضح لطفلك وسائل السيطرة على مشاعره وبالتالي على تصرفاته
– امنح الطفل الفرصة لمشاهدة نتائج تصرفاته بنفسه ليعرف لماذا تريده أن يتصرف بهذا الشكل.
– كن قدوة لطفلك: فالطفل يتعلم من تصرفاتك أكثر بكثيراً مما يتعلمه من أقوالك.
– اجعل طفلك يتعامل مع النتائج المنطقية لتصرفاته: فالعقوبات من نوع منعه من التلفاز أو من الألعاب الالكترونية وغير المرتبطة بتصرفاته تكون غير مفهومة بالنسبة للطفل. لكن لو رفض الطفل تنظيف أسنانه لا تجبره على ذلك بل اتركه ولكن وضح له أنه لا يمكنه أكل الحلوى في هذه الحالة لأنها ستضر بأسنانه أكثر.

– وضح لطفلك أنكما “فريق واحد”، ولستما في صراع أو تنافس على أحدكما أن يكسبه، بل إنكما شريكان وتحاولان حل المشكلة معا.
– استمع لما لا يقوله طفلك: فهناك شيء ما وراء تصرفه، وفهم رغباته تساعدك على التعامل معه بشكل أفضل.

9 أساليب عقابية ذكية
قد لا يستوعب بعض المربين جيدا فكرة التربية بدون عقاب، ورغم ذلك فهي أرقى أساليب التربية التي تحترم كرامة الطفال، وتراعي نموه الطبيعي السليم، ومستقبله. وهؤلاء يمكنهم التدرب على أساليب العقوبة الذكية، فهي أقل سوءا.

ويمكن إجمالا الحديث عن تسعة أساليب مهمة، حسب الجزيرة نت:

التجاهل النشط:

التجاهل النشط إستراتيجية فعالة لإدارة السلوك ينصح بها خبراء سلوك الأطفال، ويمكن تطبيقه عن طريق تعمد سحب انتباهك عندما يبدأ الطفل في إساءة التصرف. فعندما يتعلم الطفل أن سلوكه السيئ لا يجذب انتباه الآخرين، فسيقلل فعل ذلك. أحد المكونات المهمة للتجاهل النشط هو إعطاء الطفل اهتماما إيجابيا فوريا بمجرد أن يظهر سلوكا جيدا، كما أنه يجب استخدام هذه النتيجة فقط لسوء السلوك البسيط، وليس عندما يكون الطفل عدوانيا أو يفعل شيئا خطيرا.

العقاب المنطقي:

وفقا لموقع “فيري ويل مايند” (verywellfamily)، تعد العقوبات المنطقية طريقة رائعة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من مشاكل سلوكية معينة. فعلى سبيل المثال، إذا كان طفلك لا يتناول عشاءه، فلا تسمحي له بتناول وجبة خفيفة قبل النوم. أو إذا رفض تجميع ألعابه فلا تسمحي له باللعب لبقية اليوم. إن ربط النتيجة مباشرة بمشكلة السلوك يساعد الأطفال على رؤية أن اختياراتهم لها عواقب مباشرة.

العقاب الطبيعي:

تسمح العقوبات الطبيعية للأطفال بالتعلم من أخطائهم. فعلى سبيل المثال، إذا قال طفلك إنه لن يرتدي سترة، اتركيه يخرج ويشعر بالبرد، ما دام أن ذلك آمن. راقبي الموقف للتأكد من أن طفلك لن يواجه أي خطر حقيقي. ولكنه في كل الأحوال سيتعلم الدرس.

زاوية المشاغبين:

وفقا لموقع “بارنتنغ”، فإن معظم الآباء يمنحون أطفالهم وقتا مستقطعا للسلوك السيئ، حيث يجلس الأطفال بصمت في الزاوية. ومع ذلك، قد لا يكون الجلوس في وضع الخمول مناسبا للأطفال النشيطين. ويمكن للوالدين في هذه الحالة تجربة زاوية المشاغبين، وبدلا من الجلوس وعدم القيام بأي شيء، يحصل الطفل على مهمة مناسبة لسنه. يمكن أن تتضمن هذه المهام حفظ قصيدة أو كتابة أحرف أبجدية أو تلوين صورة أو حل مسائل رياضية.

ممارسة التمارين:

ممارسة التمارين لا تعد عقوبة ولكنها قد تكون مفيدة للأطفال ممن لا يحبون ممارسة الرياضة، على سبيل المثال، إذا ترك الطفل الأطباق المتسخة على المنضدة بعد إخباره بعدم القيام بذلك عدة مرات، فيمكنك جعله يقوم بتمرين القرفصاء 10 مرات أو قفز الحبل 20 مرة. سوف يتعلم ابنك ممارسة الرياضة، التي ستكون مفيدة له في المستقبل، ولكن لا تفرطي في ذلك لأنه قد يسبب إرهاقا عضليا لطفلك.

القيام بالأعمال المنزلية:

قومي بعمل قائمة من 25 إلى 30 مهمة منزلية مثل سقي النباتات، ونفض الغبار عن الأرفف، وتجفيف الأطباق، وغيرها. خصصي نقاطا لكل مهمة، سقي النباتات 20 نقطة، غسل الأطباق 40 نقطة، وهكذا. إذا دخل ابنك في شجار مع أصدقائه، فعليه أن يكسب 150 نقطة قبل أن يلعب مع أصدقائه مرة أخرى. بهذه الطريقة، تقومين بتأديبه وسوف يتحسن في الأعمال المنزلية كذلك.

عداد الوقت:

إذا استغرق طفلك وقتا طويلا لإنهاء مهمة ما، مثل إكمال واجباته المدرسية أو تنظيف غرفته، اضبطي عداد الوقت. أخبري الطفل أنه إذا رن جهاز ضبط الوقت قبل الانتهاء، فسوف يفقد بعض الامتيازات مثل مشاهدة الرسوم المتحركة لمدة يومين أو الخروج للعب مع الأصدقاء ليوم واحد. سيشجع هذا الطفل على إكمال المهمة في الوقت المحدد، وستصبح عادة عادية تدريجيا.

جرة العقاب:

ضعي مع طفلك قائمة بالعقوبات الإبداعية، مثل إخراج القمامة أو غسل الأطباق أو طي الملابس أو تنظيم خزانة ملابسهم. اكتبيها على قطع من الورق ومن ثم ضعيها في برطمان. في المرة التالية التي يتصرف فيها طفلك بطريقة سيئة، اطلبي منه سحب قطعة صغيرة من جرة العقاب والقيام بكل ما هو مكتوب عليها.

وقت مبكر للنوم:
يحب الأطفال اللعب ويكرهون النوم. لذا، إذا أساؤوا التصرف، أخبريهم أن وقت اللعب الخاص بهم سيقل وسيتعين عليهم الذهاب إلى الفراش مبكرا.

  

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *