وجهة نظر

مراقبة الحدود الدولية وإشكالية محاربة الهجرة غير النظامية

عادت إلى واجهة الأحداث السياسية والحقوقية والدولية ظاهرة وفاة المهاجرين في المعابر الحدودية الدولية، بفعل الأحداث المؤلمة التي وقعت في السياج الذي يربط بين مدينة الناظور ومليلية المحتلة، وعادت معه إشكالية مراقبة الحدود الدولية مع بروز ظاهرة جديدة تتطلب الدراسة القانونية والحقوقية والمعالجة السياسية، وهي ظاهرة الاقتحام المنظم لحواجز المراقبة.

من المؤكد أن إزالة الحدود المادية بين دول الاتحاد الأوربي بمقتضى اتفاقية ماستريخت التي كرست الحدود المفتوحة بين دولها، أدى إلى ظهور ما يسمي بالقلعة الأوربية المحصنة من أي اختراق للمهاجرين، والتي لا يمكن عبور حدودها إلا لمن يتوفر على وثائق وتأشره الدخول التي تمنح في إطار استراتيجية دول المقصد التي ترتكز على الهجرة الأمنة والمنظمة، والهجرة المنتقاة حسب تعبير الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي.

وقد قامت دول المقصد بتشديد حماية حدودها البرية والبحرية والجوية للحد من تدفق المهاجرين واللاجئين مستعملة في ذلك مختلف الأجهزة الأمنية والأسلاك الشائكة والتكنولوجيا الحديثة لرصد أي حركة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوربي، والحواجز العالية التي تقام على الحدود التي كان الناس يعبرونها بحرية، كما جاء في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة سنة 2016.

أمام هذه الإجراءات الصارمة للمراقبة التي يعجز معها المهاجر الولوج القانوني إلى دول المقصد، سوف تظهر ظاهرة الهجرة غير النظامية، التي تحاول التملص من إجراءات المراقبة على الحدود الدولية، من خلال الاقتحامات المنظمة وركوب قوارب الموت والمغامرة باستعمال المعابر الوعرة والخطيرة التي تفلت من دائرة المراقبة، مستعينة في ذلك بعصابات التهجير والاتجار بالبشر.

ونظرا لما تشكله الهجرة غير النظامية من تحديات أمنية على مستوى مراقبة الحدود بين الدول، لم تعد الحدود هي تلك النقطة الفاصلة بين دولتين وذلك الخط الذي يحدد النطاق الإقليمي التي تبدأ وتنتهي عنده سلطة الدولة وسيادتها، بل أصبحت الحدود الدولية هي تلك النقطة التي تباشر فيها مختلف الإجراءات الإدارية والتدابير الأمنية المختلفة لحماية حدود الدولة وأمنها من التهديدات التي يمكن أن تشكلها الانسلالات الخارجية، ونقطة مراقبة تتقاطع فيها جملة من الإجراءات وأجهزة المراقبة المختلفة التي تشكل في مجموعها نسقا متكاملا من العمليات التي تهدف إلى حماية الأمن القومي للدول، هكذا نجد أمن الحدود وإدارة الحدود وضبط الحدود.

فأمن الحدود حسب وزارة الأمن الداخلي الأمريكية هو حماية الحدود الدولية، من الانتقال غير القانوني للأسلحة والمخدرات وتهريب الأشخاص والبضائع، من خلال تعزيز التجارة والسفر القانونين، مما يحقق أمن البلاد ورخائها ويعزز سياتها الوطنية.

أما إدارة الحدود فهي مختلف الاليات التي تستعملها الدولة لتيسير انتقال الأفراد والسلع بين الدول بالطرق القانونية والمشروعة، والحد في نفس الوقت من دخول أي منها بالطرق غير مشروعة. ويشكل مفهوم إدارة الحدود والأمن المعتمد سنة 2005 من طرف منظمة الأمن والتعاون في أوربا الإطار المرجعي المتعلق بتعاون دول أوروبا بشأن قضايا إدارة الحدود، وهو التعاون الذي يقوم على مبادئ القانون الدولي والثقة المتبادلة والشراكة المتساوية والشفافية والقدرة على التنبؤ على المستويات العالمية والدولية والإقليمية.

وبالنسبة لضبط الحدود فهو كل الأنشطة التي تقوم بها السلطات الحدودية المسؤولة على إنفاذ القانون الوطني والقانون الدولي والتي يتم القيام بها على مستوى الحدود الدولية، والتي تشكل استجابة لأي محاولة للعبور أو فرض تهديد على مناطق جوارها المباشر، بحيث يتجاوز عملية عبور الحدود ليشمل تأسيس نظام متكامل يعتمد بالأساس على المعلومات ويشمل مراقبة التدفقات العابرة للحدود في كل مراحل تحركها بين نقطتي الانطلاق والوصول كما جاء في المبادئ التوجيهية الموصى بها من طرف الأمم المتحدة.

ضمن هذه المقاربة الأمنية لضبط الحدود الدولية، اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2017 ما يسمى “سياسة عدم التسامح مطلقا” المطبقة على المهاجرين، بما يشمل أسر ملتمسي اللجوء اللذين يعبرون حدود الولايات المتحدة الأمريكية دون وثائق، وكان الهدف من هذه السياسة هو ردع عبور الحدود بصفة غير نظامية، إلا أن الغضب الشعبي الذي أعقب هذه السياسية وما خلفته من مأساة إنسانية دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى التراجع عنها.

بالنسبة لدول الاتحاد الأوربي فهي تستخدم تدابير وضوابط كثيرة عند حدودها الخارجية، عقوبات على شركات النقل، استخدام كاميرا تحت الحمراء وأجهزة كشف الحركة والحرارة، وإنشاء الوكالة الأوربية لحراسة الحدود والسواحل لمراقبة الحدود الخارجية لدول الاتحاد الأوربي، وتقوم في نفس الوقت بإرسال خبرائها وشرطتها لدول المنشأ والعبور لتدريب أجهزتها الأمنية على منع الهجرة غير النظامية التي تحاول الهجرة إلى أوروبا.

فضلا عن ذلك تقوم دول الاتحاد الأوربي بالاستعانة بمصادر خارجية لمراقبة حدودها خارجة الحدود الجغرافية والسياسية لدولها، من خلال إجراءات في دول المنشأ والعبور، والتي لا تعني إلا شيئا واحد ا هو إسناد المسؤولية القانونية والسياسية لدول العبور والمنشأ، وإعادة توطين فعلية للحدود الخارجية لدول الاتحاد الأوربي، وإسناد المسؤولية القانونية لها في محاربة الهجرة غير النظامية مما يجعل من دول ثالثة هي الحارسة لحدود القلعة الأوربية، إلا أن هذا لا يعني أن دول المقصد تبقى بمنأى عن المساءلة القانونية والأخلاقية والسياسية، بل تبقى شريكا استراتيجيا في تحمل جزء كبير في حل هذه المعضلة الدولية، والمساهمة في معالجتها.

* أستاذ القانون العام بكلية الحوق السويسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *