لم يعد فيه الإسلام دين الدولة .. دستور قيس سعيد يمنحه حصانة وسلطات واسعة

يتوقع أن يكون شهر يوليو الجاري محطة تحول أخرى حادة في تاريخ تونس على اعتبار أنه سيشهد طرح دستور جديد ينسخ “دستور الثورة” بدستور رئيس عطل الدستور والبرلمان وانفرد بالسلطة، وعزل الأحزاب، ودخل في مواجهة مع القضاء وأكبر نقابة …
ومشروع الدستور الجديد، الذي لم تشرك في صياغته الأحزاب، وقاطعته النقابة والجامعات، يعيد النظام الرئاسي الذي أسقطته الثورة، ووسع من صلاحيات الرئيس واستهدف موقع الدين الإسلامي في أسمى قانون في البلد.
ويأتي الاستعداد لطرح مشروع الدستور، الذي فشل في محطة الاستشارة الالكترونية حول مشروعه، في سياق يهدد بانفجار اجتماعي في ظل أزمة أقتصادية متفاقمة، وفي ضل اشتداد المعارضة.
دستور يمنح الحصانة للرئيس وصلاحيات واسعة
أصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد في وقت متأخر من مساء الخميس قرارا بنشر مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية الذي يمنح الرئيس صلاحيات واسعة، ويعيد إرساء النظام الرئاسي الذي كان قائما قبل الثورة، ومن المقرر أن تعرض هذه المسودة على الاستفتاء في 25 يوليو/تموز، حسب الجزيرة نت.
وقد نص مشروع الدستور، الذي نشر في الجريدة الرسمية وتضمن 142 مادة، حسب نفس المصدر، على أن يتولى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، وهو النظام الذي يعرف دوليا باسم النظام الرئاسي، في حين أنه كان نظاما شبه برلماني في دستور 2014.
وينص مشروع الدستور الجديد على صلاحية رئيس الجمهورية بتعيين رئيس الحكومة وبقية أعضائها وإنهاء مهامهم.
كما تتضمن صلاحيات الرئيس إسناد الوظائف العليا المدنية والعسكرية في الدولة باقتراح من رئيس الحكومة.
كذلك يسمي الرئيس القضاة بترشيح من مجلس القضاء الأعلى.
وينص مشروع الدستور الجديد على تمتع الرئيس بالحصانة طيلة رئاسته وعدم جواز مساءلته عن الأعمال التي قام بها في إطار أداء مهامه.
وبحسب مسودة الدستور المقترح، فإن سعيد سيواصل الحكم بمراسيم لحين تشكيل برلمان جديد من خلال انتخابات من المتوقع أن تُجرى في دجنبر المقبل.
وسيسمح الدستور الجديد للرئيس بطرح مشاريع قوانين وبأن يكون مسؤولا دون غيره عن اقتراح المعاهدات ووضع ميزانيات الدولة.
كما سينشئ الدستور هيئة جديدة تسمى “المجلس الوطني للجهات والأقاليم”، ستكون بمثابة غرفة ثانية للبرلمان.
وفي مقابل توسيع سلطات الرئيس، تقلّص مسودة الدستور الجديد إلى حد بعيد صلاحيات البرلمان.
وأبقى دستور سعيد على معظم نصوص دستور 2014 المرتبطة بالحقوق والحريات، بما في ذلك حرية التعبير، والحق في التنظيم النقابي والحق في التجمعات السلمية
الإسلام لم يعد دين الدولة
وبخلاف ما كان في دستور 2014، الذي قال الرئيس قيس سعيد قبل أشهر إنه عفا عليه الزمن، حسب نفس المصدر السابق، لم يتم التنصيص في الفصل الأول من مشروع الدستور الجديد على أن تونس دينها الإسلام.
وبدلا من ذلك، تنص المادة الأولى فيه على أن “تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة”.
وتنص المادة الخامسة من المسودة التي ستطرح للاستفتاء على أن “تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدين والحرية”.
أما المادة السادسة فتنص على أن “تونس جزء من الأمة العربية واللغة الرسمية هي اللغة العربية”، في حين ورد في المادة السابعة أن “الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي الكبير تعمل على تحقيق وحدته في نطاق المصلحة المشتركة”.
يذكر أن الرئيس التونسي كان قد تسلم قبل نحو أسبوع مشروع دستور صاغته لجنة استشارية يرأسها الصادق بلعيد، وهو أستاذ قانون دستوري، ويعد من الداعمين للرئيس.
وفي المرسوم الذي أصدره هذا العام، الخاص بإجراء الاستفتاء، لم يحدد سعيد أي حد أدنى للمشاركة حتى يكون التصويت على النظام السياسي المستقبلي لتونس صحيحا.
ومضى الرئيس التونسي في صياغة دستور جديد رغم المعارضة التي أبدتها قوى سياسية عدة، منها جبهة الخلاص (التي تضم حركة النهضة)، ومجموعة أحزاب توصف بالاجتماعية.
وكان سعيد قد اتخذ في 25 يوليو من العام الماضي إجراءات استثنائية شملت حل الحكومة وتعليق أعمال البرلمان ثم حله لاحقا، وهو يعتبر أن هذه الإجراءات تهدف لإنقاذ البلاد، في حين يتهمه خصومه بالانقلاب على الدستور وتقويض المسار الديمقراطي الذي انطلق عام 2011.
توقع تمريريه بمشاركة ضعيفة
وقبل ساعات من نشر مشروع الدستور الجديد، حسب الجزيرة نت، أعلن فاروق بوعسكر رئيس هيئة الانتخابات -التي عين الرئيس أعضاءها مؤخرا- أن الهيئة جاهزة لتنظيم الاستفتاء على الدستور.
وقال بوعسكر في مؤتمر صحفي بالعاصمة التونسية إنه تم الانتهاء من تعيين رؤساء الهيئات الفرعية في الداخل والخارج.
وأضاف أنه تم انتداب 84 ألف موظف للإشراف على الاستفتاء على الدستور.
وأرجع الزيادة في عدد الموظفين إلى زيادة عدد ساعات الاقتراع خلال الاستفتاء، حيث ستنطلق عملية الاقتراع السادسة صباحا وتنتهي العاشرة مساء بينما كانت في السابق تنطلق الثامنة صباحا وتنتهي السادسة مساء.
ووفقا لهيئة الانتخابات، فقد ارتفع عدد الناخبين المسجلين إلى 9 ملايين و296 ألف ناخب.
وسوف يصوت الناخبون على الدستور المقترح في استفتاء يوم 25 يوليو/ تموز.
وفي ظل معارضة معظم الحركات السياسية لتحركات سعيد، وحث مؤيديهم على مقاطعة التصويت، حسب مصادر إعلامية، يرجح خبراء تمرير مشروع الدستور، ولكن بمشاركة شعبية محدودة.
وحسب نفس المصادر، لم يصدر أي تعليق فوري على مسودة الدستور من جهة الأحزاب الرئيسية، بما في ذلك حزب النهضة الإسلامي، الذي كان يحوز أكبر عدد من المقاعد في البرلمان المنحل ولعب دورا رئيسيا في الحكومات الائتلافية المتعاقبة منذ انتفاضة 2011.
وعلى الرغم من الضغوط التي يتعرض لها سعيد، قال طارق المجريسي، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وهو مؤسسة بحثية، إنه يتوقع أن يمضي الاستفتاء قدما وأن يتم إقرار الدستور، مشيرا إلى عدم وجود حد أدنى للمشاركة المطلوبة.
وسبق أن حظيت “الاستشارة” الإلكترونية، التي أطلقها سعيد في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى مارس الماضي للتحضير لصياغة الدستور، باهتمام ضئيل من التونسيين، ولم يشارك فيها سوى عدد قليل للغاية.
اترك تعليقاً