منوعات

تفتقر إلى الشعبية .. إليك اختلافات كرة القدم النسائية عن الرجالية وفق دراسات

إذا جاز لنا أن نتحدث عن وجود معضلة لكرة القدم النسائية، فإن البحث عن تلك المعضلة ينبغي أن يكون خارج إطار اللاعبات، إذ الأمر لا يتعلق بنقص في المهارات الفنية ولا في الحدة الجسدية.

والذي تؤكده الدراسات الإحصائية أن معضلة كرة القدم النسائية تكمن في ذكورية شعبية تلك الرياضة، في ظل انحصار تلك الشعبية في صفوف النساء أنفسهن.

وتُظهِر الدراسات الإحصائية المتعددة، حسب الجزيرة نت، أن عدد الرجال الذين يشاهدون الرياضة النسائية عموما، وعلى رأسها كرة القدم، يفوق عدد النساء. على وجه التحديد، فإن 54% من مشاهدي كرة القدم النسائية هم من الرجال مقابل 46% من النساء، والأهم أن عدد النساء اللاتي يشاهدن كرة القدم الرجالية كذلك يتفوق على عدد مشاهِدات الكرة النسائية.

كرة القدم الرجالية والنسائية .. ما الفوارق؟

بالطبع يجادل الكثيرون بأن هذا راجع إلى الفوارق التاريخية بين النساء والرجال في الرياضة عموما، إذ ظلَّت الرياضة، حتى وقت قريب، مجالا ذكوريا تُمنع النساء من المشاركة فيه، بالإضافة إلى ما يُسميه بعض الباحثين بالقوالب الاجتماعية التي تُعزِّز هذه الفوارق، مثل أن يُدفع الأولاد في طفولتهم إلى اللعب بالمسدسات والكرات والمضارب، في الوقت الذي تقضي فيه البنات طفولتهن مع العرائس، فيما يشبه التدريب على أدوارهن المستقبلية المتوقَّعة.

خُطبٌ ما هي فكرة وجيهة فعلا، خاصة أن بعض هذه القوالب يتضح خطؤه بالتجربة، فعلى عكس المتوقَّع مثلا، يُظهِر الرجال عاطفة أكبر في لعبتهم مقارنة بالنساء، وفي لحظات الخيبة أو الحسرة أو الفرح، يُعبِّر الرجال عن مشاعرهم بحِدَّة وكثافة أكبر، بل إن بعض الدراسات أظهرت ميلهم الشديد إلى الدراما -تخيل- مقارنة بالنساء، خاصة في لحظات ادعاء الإصابة أو الاحتفال مع الزملاء والجماهير.

التفسير المضاد هنا أن لعبة الرجال يشاهدها الملايين والمليارات، وكلما زاد عدد المشاهدين، عَلَت الرغبة في الاستعراض ولفت الأنظار كنتيجة طبيعية، ولكن المشكلة الحقيقية التي تواجه أغلب الرجال عند مشاهدة كرة القدم النسائية لا علاقة لها بكل ذلك، بل هي متمحورة بالأساس حول عنصرين من أهم العناصر التي تميز لعبتهم عن لعبة النساء؛ العدائية، والحِدَّة البدنية.

“ما يميز كرة قدم الرجال عن نظيرتها النسائية فعلا هو الحِدَّة البدنية. الفوارق فيها أوضح من الفوارق في المهارة أو التقنية”

كان ذلك أحد استنتاجات الدراسة التي قام بها الباحث الإنجليزي بول برادلي من جامعة جون مورز بليفربول عام 2013 رفقة 4 من زملائه. الدراسة عمدت إلى ملاحظة أداء 54 لاعبا و59 لاعبة ضمن مباريات دوري أبطال أوروبا على عدة معايير.

المفاجأة أن النتائج لم تكن مفاجِئة؛ لم تظهر فروقات ضخمة في عدد المراوغات أو لمسات الكرة، ولكن خسرت اللاعبات الاستحواذ بمعدلات أكبر وسجّلن دقة أقل نسبيا من الرجال في التمرير. الفارق الأضخم على الإطلاق لم يكن في كمية الأمتار المقطوعة خلال المباراة الواحدة، بل في كيفيتها، إذ أظهر الرجال قدرة أكبر على قطع المسافات بسرعة أعلى، وبحِدَّة وكثافة مختلفتين عن أقرانهم من النساء، خاصة عندما نتحدث عن مراكز الأطراف، كالأجنحة والأظهرة، مقارنة بنظيراتها في مباريات النساء.

يزداد الأمر وضوحا إذا جرَّبت المقارنة بين مباراتين للنساء والرجال من حيث لغة الجسد، فالحِدَّة البدنية المقصودة لا تظهر فقط في سرعة الركض، بل في تقنية الحركة عموما، فالرجال مثلا يميلون إلى استخدم أكتافهم وأذرعهم في المواقف الدفاعية بكثافة أكبر، لحجز الخصوم أو منعهم من التقدم والتخطي. النساء يستخدمن أذرعهن لحفظ التوازن فقط لا غير، بينما يملن إلى محاولة استخلاص الكرة مباشرة بأقدامهن. الصراع الجسدي واستعراض القوة جزء أساسي من لعبة الرجال، بينما المثل ليس صحيحا في لعبة النساء

كذلك عادة ما يتخذ الرجال وضعيات جسد أكثر تحفزا من النساء في مواقف الضغط والمراوغة، بجذوع منحنية للأمام وسيقان منثنية متأهبة، على عكس النساء اللاتي غالبا ما يستخدمن رشاقتهن ونحافتهن النسبية في الانسلال بين خصومهن، بجذوع مفرودة مرفوعة، ومستوى نظر أعلى نسبيا من الرجال

بوتِيّاس.. ألِكسيا بوتِيّاس كل شيء يختلف بمجرد النظر إلى الأمر من هذه الزاوية؛ بمزيد من التدقيق تلاحظ أن النساء يتخذن خطوات أقصر نسبيا أثناء الركض، ويحافظن على أذرع مفرودة أغلب الوقت، بالكرة وبدونها، وهذا هو ما يجعل لغة حركتهن أقل عدائية بكثير من الرجال، وأقل قدرة على استدعاء الصراعات البدنية والمكاتفات وغيرها

في المقطع التالي مثلا تظهر مجموعة من أبرز لقطات الإسبانية ألِكسيا بوتِيّاس، المتوَّجة بالكرة الذهبية العام الماضي 2021، التي تنشط في مركز صانع الألعاب لحساب برشلونة الإسباني، وللوهلة الأولى، تكاد تجزم أن الكثير من حركاتها ومراوغاتها شبيهة بتلك التي يُنفِّذها ليونيل ميسي، خاصة أن كلًّا منهما يُفضِّل قدمه اليسرى، ولكن بعد بضع دقائق تتضح الفوارق.

مهارات ألِكسيا بوتِيّاس أفضل لاعبة في العالم لعام 2021

في الثانية 00:20 مثلا، تُنفِّذ ألِكسيا مراوغة بعد تعرُّضها للضغط من الخلف، ورغم نجاحها في ذلك، فإن أي عين اعتادت مشاهدة لعبة الرجال ستدرك أن وضعية جسدها كانت خاطئة تماما، وضعية تُسهِّل من سقوطها في حال نجح الخصم في استخلاص الكرة؛ جذع مائل إلى الخلف وذراع مفرودة مع استخدام أطراف الأصابع للتحكم في الكرة، من دون ارتكاز صحيح على القدم الثابتة. هذه وصفة مثالية للسقوط قبل إتمام المراوغة.

المشكلة هنا ليست في قدرات ألِكسيا الذهنية، أو سرعة بديهتها وقدرتها على التصرف، بل بالعكس، تُظهِر الإسبانية رؤية استثنائية في صناعة الفرص من بينيات بالغة الصعوبة في التنفيذ والتوقع، وحتى في المراوغات ومواقف الواحد ضد واحد، تُظهِر ألِكسيا قدرة لا يُظهِرها الكثير من الرجال في المواقف ذاتها، ولا يوجد سند علمي واضح يُفضِّل الرجال على النساء في العمليات الذهنية المعقدة، ربما باستثناء تلك المتعلقة بالمساحة.

المشكلة الأساسية تظهر بملاحظة مجال رؤية ألِكسيا قبل استلام الكرة، وهنا تدرك أن جزءا كبيرا من تفوُّقها على أقرانها مبني على قدراتها الخارقة على الارتجال وحسن التصرف في المساحات الضيقة، لا قراءة هذه المواقف قبل وقوعها بعد مسح الملعب بصريا. هذه واحدة من مشكلات لعبة النساء؛ أن القدرات الاستباقية في الدفاع والهجوم شبه منعدمة، وبالتبعية لا حاجة إلى التوقع إلا في أصعب المواقف، حتى وإن كانت لاعبة مثل ألِكسيا قادرة عليه.

هذا كله يمنح اللعبة إيقاعا بطيئا، تبدأ فيه الحوارات الثنائية الهجومية-الدفاعية عقب استلام الكرة أو تحريكها، بهوامش زمنية كافية لتدارك الأخطاء المعتادة في وضعيات الجسد أو مسح الملعب، وهذا ما يمنحك الانطباع، عند مشاهدة لاعبة متفردة مثل ألِكسيا، أن الأمر أسهل مما يبدو عليه فعلا، وهو أيضا ما يمنحك الانطباع، عند مشاهدة الباقيات، بأن هناك قدرا من الحمق يسهل تمييزه

الأسس البيولوجية للاختلافات

“بالطبع يمكننا هزيمتهم! أعتقد أن الرجال أقوى بدنيا كما هو واضح، ولكن فيما يخص التقنية والمهارة فأعتقد أننا بكفاءة الرجال نفسها، وهذا يدفعنا إلى المحاولة على الأقل!”

هذا ما قاله هوب باول، مدربة منتخب إنجلترا الأول النسائي لكرة القدم في حوار للمترو الإنجليزية سنة 2014.

للأسف لم تُختبر تصريحات باول على الأرض، ولكن الأمر ليس متعلقا بالتفوق التاريخي الرياضي للرجال على النساء، بل في ملاءمة لعبة مثل كرة القدم لمواصفاتهم البدنية والفيزيولوجية. أمر بديهي للغاية إن وضعت في اعتبارك أنهم مَن ابتكروها وصكّوا قوانينها.

في الحقيقة، نجحت النساء في التفوق على الرجال، أو مجاراتهم على الأقل في ألعاب أخرى. في 1996 مثلا، نجحت الدراجة شونا هوغان في تحقيق رقم قياسي جديد للوقت المقطوع في قيادة الدراجة بين لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو، بلغ 19 ساعة و11 دقيقة، ولم يتمكَّن أي رجل أو امرأة من كسره حتى اللحظة.
إنجاز مشابه حققته بيلّي جين كينغ في التنس، وآخر لجاكي توناواندا، التي لُقِّبت بالنسخة النسائية من محمد علي، في الملاكمة، ولكن الأدلة العلمية لا تُسعفنا للافتراض بأن شيئا مماثلا قد يحدث في كرة القدم مستقبلا.

السبب الأول بالطبع هو النشاط الهرموني المختلف بين الجنسين، كما تصفه دورية “سبورتس ميديسين” (Journal of Sports Medicine) عبر إحدى دراساتها المنشورة في 1986، التي لم يثبت خطؤها حتى الآن، ببساطة لأنها تعتمد على إفرازات كلٍّ من الأستروجين والتستوستيرون لدى الرجال والنساء. الهرمون الأخير يمنح الرجال حزمة من المزايا الرياضية البدنية عند الولادة؛ مثل نسبة أقل من الدهون في الجزء السفلي من الجسم، وكتلة عضلية أكبر بنسبة 50% عن النساء، وحتى نسبة أعلى من كرات الدم الحمراء التي تحمل الأكسجين للعضلات.

دراسة أخرى نُشرت في المكتبة الوطنية الأميركية للطب في 1993 أثبتت أن أفضلية الرجال العضلية ليست كمية وحسب، بل كيفية كذلك، فإلى جانب الكتلة العضلية الأكبر، يتمتع الرجال بنسبة أكبر من النوع الثاني من أنسجة العضلات (Muscle Fiber II)، المسؤولة عما يُعرف بالقوة الانفجارية (Explosive Power)

“النساء يملكن تقريبا 52% و66% من قوة الرجال في الجزء العلوي والسفلي من الجسم على الترتيب. هذا راجع بالأساس إلى تكوين الرجال العضلي المختلف، وامتلاكهم نوعا مختلفا من الأنسجة، أكبر في الحجم مقارنة بما تملكه النساء”.

الفوارق الفسيولوجية لا تتوقف هنا، فالرجال، بداهة، يملكون رئات أكبر في المطلق ونسبيا، وهذا يمنحهم قدرة أكبر على ضخ الأكسجين لعضلاتهم، وبالتبعية هم يملكون نسبة أعلى من الهيموغلوبين، تسمح بتوصيل هذا الأكسجين أسرع إلى جميع أنحاء الجسم. هذا ما دفع العلماء من جامعة نيويورك إلى استنتاج أن الرجال أكثر اقتصادية وكفاءة في بذل المجهود العضلي من النساء، وأكثر قدرة على التحمل على المدى البعيد والقريب.

هذا كله لا يمنع كرة القدم النسائية من جمع مشاهدين جدد كل يوم لأسباب مختلفة تماما؛ أسباب تتعلق بمحيط اللعبة نفسها مقارنة بلعبة الرجال التي لوَّثتها السياسة وتحكمات رأس المال والرغبة في الاستعراض والتعصب المقيت. لعبة النساء ما زالت نقية على درجة من البراءة، وما زالت متمحورة حول الرياضة كفكرة خام لم تعلق بها شوائب الزمن بعد. من هذه الزاوية، يبدو أنه، رغم كل شيء، هناك الكثير لتتعلمه لعبة الرجال من لعبة النساء.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *