منوعات

على خلاف ما يعتقد.. تعدد المهام يضعف الذكاء والإنتاجية ويزيد من التوتر

أحيانا ينظر إلى كثرة مهام الأشخاص على أنه مؤشر على فاعليتهم، وتظفي نظرة المجتمع قيمة كبيرة لكثرة المهام، وتتحول إلى عنوان للتصنيف والانتماء. وينظر مراكمو المهام إلى أنفسهم على أنهم الأفضل من الذين لديهم مهام أقل، ويعطيهم ذلك شعورا بالتفوق.

لكن نتائج الدراسات العلمية في هذا المجال، وفق ما ورد في تقرير نشره موقع Applied Psychology  التابع لجامعة سازرن كاليفورنيا، تنظر إلى كثرة المهام نظرة مناقضة، وتراها بالعكس أسلوبا مخالفا للطريقة التي يعمل بها الدماغ، و سببا في ارتفاع ارتكاب الأخطاء وضعف الاحتفاظ بالمعلومات، حسب العربية نت.

تعدد مهام المخ

وحسب التقرير، تبدأ قشرة الفص الجبهي في الدماغ بالعمل في أي وقت يحتاج فيه الإنسان إلى الانتباه. وتساعد هذه المنطقة من الدماغ في الحفاظ على الانتباه لهدف واحد وتنفيذ مهمة واحدة من خلال تنسيق الرسائل مع أنظمة الدماغ الأخرى، بما يعني أنه عند العمل في مهمة واحدة فإن كلا الجانبين من قشرة الفص الجبهي يعملان معًا في وئام. لكن تؤدي إضافة مهمة أخرى إلى إجبار الجانبين الأيمن والأيسر من الدماغ على العمل بشكل مستقل.

اكتشف العلماء في المعهد الوطني للصحة والبحوث الطبية INSERM في باريس ذلك عندما طلبوا من المشاركين في دراسة، إكمال مهمتين في نفس الوقت أثناء خضوعهم للتصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي fMRI. وأظهرت النتائج أن الدماغ ينقسم إلى نصفين بما يتسبب في حدوث نسيان لتفاصيل أو ارتكاب أخطاء أكثر بثلاث مرات عند إعطاء هدفين متزامنين.

المهام المتعددة الأكثر تعقيدًا

ومعلوم أن تعدد المهام الطبيعية، مثل تناول الطعام أثناء المشي، هي أسهل بكثير من المهام الأكثر تعقيدًا مثل كتابة رسائل نصية أثناء قيادة السيارة.

إن هذه المهام الطبيعية تتطلب ضغطًا أقل على قشرة الفص الجبهي، مما يخلق انتقالًا أسهل بين الأكل والمشي، لكن تعدد المهام الأكثر تعقيدًا يجعل الشخص أقل إنتاجية، بل ويمكن أن يؤدي أيضًا إلى خفض معدل الذكاء والكفاءة العامة في العمل.

التأثير على معدل الذكاء

توصلت دراسة، أجرتها جامعة لندن، إلى أن المشاركين الذين قاموا بمهام متعددة أثناء المهام المعرفية، عانوا من انخفاض في درجة الذكاء على غرار أولئك الذين بقوا مستيقظين طوال الليل.

وانخفض معدل الذكاء لدى بعض الرجال متعددي المهام بمقدار 15 نقطة، مما جعلهم يعملون بمتوسط معدل ذكاء طفل يبلغ من العمر 8 سنوات.

تقليل كفاءة الدماغ

يُعتقد أن القدرة على أداء مهام متعددة في العمل هي إحدى نقاط القوة، إلا أن دراسة، نُشرت نتائجها في دورية علم النفس التجريبي، تشير إلى أن تعدد المهام أقل كفاءة لأنه يستغرق وقتًا إضافيًا من أجل تحويل التروس العقلية في كل مرة ينتقل فيها الشخص بين المهام.

رجح البروفيسور جوشوا روبنشتاين، من إدارة الطيران الفيدرالية، والذي يقوم بوضع نماذج جديدة للتحكم المعرفي، أن تحويل الهدف، الذي ينطوي على اتخاذ قرار نشط لتغيير المهام، بمجرد أن يقرر الشخص تبديل العمليات، يؤدي إلى بدء الدماغ في تفعيل القاعدة، ويتطلب القيام بهذه الخطوة أن يبدأ الدماغ في إيقاف تشغيل القواعد المعرفية للمهمة القديمة وتشغيل قواعد جديدة للمهمة التالية. ويمكن رؤية هذه العملية في مكان العمل عندما ينتقل شخص ما من ملء أوراق التفوق المالي إلى كتابة رسائل البريد الإلكتروني. حيث يجب على دماغه أولاً أن يغير الأهداف ومن ثم أن يقرر أن ينتقل من العمليات الحسابية وأن يكون جاهزًا لبدء الكتابة. وقبل أن يبدأ في الكتابة، يوقف الدماغ قواعد الرياضيات وينشط قواعد اللغة.

ويحتاج الدماغ للتبديل الكامل للعمليات والقواعد المعرفية وقتًا أطول مما يؤدي إلى عدم الكفاءة في مكان العمل.

فاعلية بدون تعدد المهام

قد يكون من الصعب إيقاف القيام بمهام متعددة في العمل، خاصةً عندما يكون هناك الكثير من تكاليف ومتطلبات العمل. لكن هناك بعض التغييرات البسيطة والواعية، التي يمكن إجراؤها للعمل بكفاءة أكبر.

فبدلًا من الارتداد ذهابًا وإيابًا بين المهام كل دقيقة أو نحو ذلك، يمكن تخصيص فترات زمنية لكل مهمة. على سبيل المثال، يمكن قضاء 20 دقيقة في قراءة جدول المواعيد والمقابلات أو المهام المطلوب إنجازها اليوم ثم يتم الانتقال إلى المهمة التالية لمدة 20 دقيقة، وهكذا.

فحص البريد الإلكتروني

تتمثل إحدى المهام الشائعة في مكان العمل، التي تتحدى هذه الإستراتيجية في فحص وتصفح البريد الإلكتروني.

تشير الدراسات إلى أن المحترف العادي يقضي حوالي 23% من اليوم في إرسال رسائل البريد الإلكتروني.

واستوحت غلوريا مارك من جامعة سازرن كاليفورنيا وزميلها ستيفن فويدا فرضية دراسة مستقلة بناءً على تلك الإحصائية. حيث قاما بدراسة حالة لـ 13 موظفًا تم إبعادهم عن فحص البريد الإلكتروني لمدة خمسة أيام، مع ربطهم بأجهزة مراقبة القلب وتتبع استخدامهم للكمبيوتر.

وكشفت النتائج أن الموظفين أصبحوا أقل توتراً عند انقطاعهم عن البريد الإلكتروني، حيث ركزوا على مهمة واحدة لفترات أطول من الوقت وقاموا بتبديل الشاشات بمعدل أقل، وبالتالي تقليل تعدد المهام والعمل بكفاءة.

وينصح الباحثون بضرورة التركيز بشكل كامل على مهمة أو مشروع واحد في كل مرة من أجل الوصول إلى مستويات أعلى لجودة العمل والكفاءة والذكاء.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *