منوعات

لاستمرار الحياة .. لماذا لا يمكن الاستغناء عن الماء؟

ارتبطت الحياة بالماء مند بدايتها، ويستمر الماء في لعلب دور المحدد لاستمرارها من عدمه. وعكس الكثير من العناصر الطبيعية لا يوجد بديل للماء يمكن أن يعوضه وتستمر الحياة بدونه.

فالعلوم تؤكد أن أول ظهور للحياة على الأرض كان في الماء، كما تؤكد أن الأرض التي تنفرد بالحياة في الكون، إلى حدود ما هو معلوم لحدود الساعة، تتمتع بوجود الماء كعنصر حاضن لها، وأن جميع الاكتشافات التي تقف على وجود الماء خارج الأرض تثير فرضية وجود الحياة فيها أيضا. وأن جميع الكائنات الحية، أو الحياة إجمالا، لا غنى لها عن الماء.

وهذه الحقيقة يدركها الجميع، إما عن طريق تجربة الحياة نفسها، أو عن طريق ما أكده العلم مند القدم. لكن الذي يحتاج إلى بيان هو معرفة لماذا لا يمكن الاستغناء عن الماء؟ أو ما هي الخصائص الكيميائية التي تجعل الماء ينفرد بهذه الخصوصية؟

“وجعلنا من الماء كل شيء حي”

يشكل الماء نحو 75% من وزن جسم الإنسان، حسب الجزيرة نت، ويؤدي فقدان 4% فقط من هذه النسبة إلى الإصابة بالجفاف، فيما فقدان 15% يمكن أن يكون قاتلا.

وعلى الرغم من أنه يمكن لأي شخص أن يعيش شهرا بدون طعام فإنه لا يستطيع العيش 3 أيام دون ماء، هذا الاعتماد الحاسم على الماء يحكم بشكل عام جميع أشكال الحياة الأخرى.

يقول الله تعالى في سورة الأنبياء “وجعلنا من الماء كل شيء حي”، أي أنه لا يوجد شيء حي بدون ماء، حسب نفس المصدر، وقد توصل علماء الفلك إلى النتيجة نفسها، فحينما يبحثون عن حياة خارج نظامنا الشمسي فهم يبحثون عن الماء أولا لأنهم يتبعون قاعدة “حيث توجد المياه ربما توجد حياة”.

وفقا لموقع “هاو ستاف وركس” (howstuffworks)، فإن جزءا من السبب الذي يجعل العلماء يعتقدون أن الماء أفضل من أي مادة أخرى في الحفاظ على الحياة هو أننا لم نكتشف أبدا كائنا عضويا ثبت تخليه عن الماء، وفي حين أن بعض الكائنات الحية تحتاج إلى ماء أقل من غيرها فإن كل كائن حي نعرفه يحتاج إلى الماء للبقاء على قيد الحياة.

أما جامعة هارفارد الأميركية فتذكر على موقعها أنه لا يوجد جزيء آخر يضاهي الماء عندما يتعلق الأمر بخصائصه الكيميائية الفريدة التي تدعم الحياة، إذ لا يستطيع الماء فقط إذابة أي شيء تقريبا، ولكنه أيضا إحدى المواد القليلة التي يمكن أن توجد في صورة صلبة وسائلة وغازية ضمن نطاق من درجات الحرارة التي تحدث على الأرض.

أمر آخر وهو أن كل أشكال الحياة على الأرض تستخدم غشاء يفصل الكائن الحي عن بيئته، وللبقاء على قيد الحياة يأخذ الكائن الحي مواد مهمة لإنتاج الطاقة، فيما ينقل المواد السامة إلى الخارج، والماء ضروري في هذا الصدد ببساطة لأنه سائل في درجات حرارة شبيهة بالأرض، ونظرا لأنه يتدفق فإنه يوفر وسيلة فعالة لنقل المواد من الخلية إلى بيئتها.

التركيب الكيميائي للماء

الجزء الآخر من معادلة أن الماء يمكن أن يحمل الأشياء داخل وخارج الخلية يتعلق بتكوينه الكيميائي الفريد، إذ ترجع أدوار عدة للماء في دعم الحياة إلى تركيبه الجزيئي وبعض الخصائص الأخرى.

فالماء عبارة عن جزيء بسيط يتكون من ذرتين صغيرتين من الهيدروجين موجب الشحنة وذرة أكسجين كبيرة سالبة الشحنة، وعندما يرتبط الهيدروجين بالأكسجين فإن ذلك يخلق جزيئا غير متماثل بشحنة موجبة على جانب وشحنة سالبة على الجانب الآخر، ويسمى فارق الشحنة هذا بالقطبية، وهي تحدد كيفية تفاعل الماء مع الجزيئات الأخرى.

وبسبب الظاهرة التي تجذب فيها الشحنات المعاكسة بعضها البعض فإن الماء يتفاعل كجزيء قطبي مع الجزيئات القطبية الأخرى وحتى مع نفسه، وبسبب ذلك فإن للماء توترا سطحيا مرتفعا، إذ إن جزيئاته الموجودة على السطح تنجذب لبعضها البعض وتتماسك، ولهذا التماسك فوائد عديدة حيث إن النباتات تصبح قادرة على سحب المياه من الأرض إلى أعلى ضد الجاذبية، كما يساهم هذا التماسك أيضا في ارتفاع درجة حرارة غليان الماء، مما يساعد الحيوانات على تنظيم درجة حرارة الجسم.

وفيما يتعلق بارتباط جزيئات الماء بالجزيئات القطبية للمواد الأخرى فإن الماء يتلوى في طريقه إلى جميع الزوايا والشقوق بين الجزيئات ويفككها بشكل فعال ويذيبها، وهذا ما يحدث عندما تضع بلورات السكر في الماء، فالماء والسكر قطبان، مما يسمح لجزيئات الماء الفردية بتطويق جزيئات السكر الفردية وتفكيكه وتذويبه.

وعلى غرار القطبية تتكون بعض الجزيئات من أيونات أو جسيمات مشحونة بشكل معاكس، ويفكك الماء هذه الجزيئات الأيونية أيضا من خلال التفاعل مع كل من الجسيمات الموجبة والسالبة الشحنة، وهذا ما يحدث عند وضع الملح في الماء، لأن الملح يتكون من أيونات الصوديوم والكلوريد.

فوائد الماء كمذيب “كوني”

ووفقا لموقع جامعة هارفارد، فإن قدرة الماء الواسعة على إذابة مجموعة متنوعة من الجزيئات أكسبته تسمية “مُذيب عالمي” (Universal Solvent)، وهذه القدرة هي التي تجعل الماء قوة لا تقدر بثمن للحفاظ على الحياة.

وعلى المستوى البيولوجي يساعد الماء كمذيب الخلايا على نقل واستخدام المواد المهمة مثل الأكسجين والعناصر الغذائية، وتساعد المحاليل القائمة على الماء كالدم في نقل الجزيئات إلى المواقع الضرورية، مثل تسهيل نقل الأكسجين للتنفس وكذلك تسهيل وصول الأدوية إلى أهدافها في الجسم.

وللماء أيضا دور هيكلي مهم في علم الأحياء، إذ إنه يملأ الخلايا للمساعدة في الحفاظ على الشكل والبنية، حيث يخلق الماء داخل العديد من الخلايا -بما في ذلك تلك التي يتكون منها جسم الإنسان- ضغطا يقاوم القوى الخارجية مثل وضع الهواء في بالون.

ويسمح الماء لكل شيء داخل الخلايا بالحصول على الشكل الصحيح على المستوى الجزيئي، لأن الشكل مهم للعمليات الكيميائية الحيوية، ويعد هذا أيضا أحد أهم أدوار المياه.

حالات الماء الثلاث

ميزة أخرى للماء هي أنه يمكن أن يعمل كمادة صلبة وسائلة وغازية ضمن نطاق درجات الحرارة التي تحدث على الأرض، أما الجزيئات الأخرى غير الماء التي تم تحديدها على أنها مرشحة جيدة لدعم الحياة فإنها تميل إلى أن تكون سائلة في درجات حرارة أو ضغوط قد تكون غير مضيافة لمعظم أشكال الحياة المعروفة.

يقول عالم الأحياء الفلكية كريس ماكاي لموقع “لايف ساينس” (Live Science) إن الأمونيا والميثان هما بعض المتنافسين الرئيسيين مع الماء، فالأمونيا مثل الماء جزيء قطبي وفير نسبيا في الكون، أما الميثان فهو ليس قطبيا لكن يمكنه إذابة العديد من المواد الأخرى.

ووفقا لموقع وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” (NASA)، فإن العلماء وجدوا أن نطاق درجات الحرارة التي يبقى فيها الماء سائلا كبير إلى حد ما مقارنة بالأمونيا والميثان، فعند مستوى سطح البحر يتجمد الميثان عند -182 درجة مئوية ويغلي عند -162 درجة مئوية (نطاق 21 درجة مئوية)، وتتجمد الأمونيا عند -78 درجة مئوية وتغلي عند -34 درجة مئوية (نطاق 44 درجة مئوية)، وفي الوقت نفسه يتجمد الماء عند صفر درجة مئوية ويغلي عند 100 درجة مئوية.

وهذا يعني أن نطاق درجات الحرارة حيث يكون الماء سائلا يزيد على ضعف نطاق الأمونيا وحوالي 5 أضعاف نطاق الميثان، وهذا يساعد الكائنات التي تستخدم الماء على تنظيم درجة حرارة الجسم.

وإلى جانب كونه ضروريا لعمل أجسامنا فإن الماء أيضا يعزز الحياة بعدة طرق أخرى، فبدون المياه لا يمكننا زراعة المحاصيل أو تربية الماشية أو غسل الطعام أو تنظيف أنفسنا، وقد ساهمت المياه كذلك في تقدم الحضارة، فقد وفرت وسيلة للسفر لأجزاء كاملة من العالم ومثلت مصدرا مهما للطاقة بالمصانع.

ونظرا لأن الماء يمكن أن يوجد أيضا كبخار فإنه يمكن تخزينه في الغلاف الجوي ونقله عبر الكوكب في صورة مطر.

كما تساعد المحيطات أيضا في تنظيم مناخ الكوكب، وتمتص الحرارة في الصيف وتطلقها خلال الشتاء، وتعد المحيطات أيضا بمثابة موطن لعدد لا يحصى من النباتات والحيوانات.

هل يمكن أن توجد حياة في مكان آخر بدون ماء؟

يجيب عن ذلك موقع “هاو ستاف وركس” بأنه ليس لدينا حتى الآن ما يكفي من المعلومات لنقول ما إذا كان من الممكن أن توجد الحياة بدون ماء أم لا، ولكننا نعلم جيدا على وجه اليقين أن الحياة على الأرض لا يمكن أن تستمر بدون ماء.

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *