منوعات

عكس دراسات سابقة.. دراسة علمية جديدة تؤكد أن العقل يتعب من كثرة التفكير

حين الحديث عن التعب يذهب ذهن كثيرين إلى الأعمال البدنية التي تتطلب جهدا جسديا مضنيا، ومنهم من يستخف بالحديث عن التعب في المهام التي لا تتطلب جهدا بدنيا كبيرا لكنها تتطلب في المقابل جهدا فكريا أكبر.

وتنتشر في الأوساط الشعبية “كليشيهات” ترفض الحديث عن التعب في بعض المهن والمهام، مثل الدراسة، ووظيفة التدريس، أو الطب، أو المحاماة، أو الترجمة، أو حتى المهام القيادية في مجالات الإدارة والأعمال والسياسة وغيرها من المهن التي تبدو هادئة من حيث النشاط البدني لكنها تتطلب جهدا فكريا لا يُدرِك قدر التعب فيه إلا من يكتوون به.

والدراسات العلمية أيضا، وإلى وقت قريب، ساهمت في تعزيز تلك الثقافة الشعبية حيث كانت تعتبر التعب العقلي مجرد وهم يصنعه الدماغ بحثا عن الأنشطة الأقل جهدا، لكن دراسة جديدة عززت شهادات المُجهدين فكريا بحقائق علمية تؤكد أن التفكير الكثير يتعب الدماغ، ويشعر أصحابه بأعراض التعب، ويدفعهم إلى البحث عن فترات للاستراحة.

ليس وهما

أفادت دراسات سابقة، حسب موقع “أخبار القارة الأوروبية” أن الإرهاق العقلي غالبا ما يكون وهميا، ومجرد خدعة يلعبها الدماغ، لتقليل التركيز ومتابعة أشياء أقل أهمية.

لكن دراسة جديدة أجراها فريق بحثي من قسم علوم الأعصاب بجامعة “بيتي سالبترير” الفرنسية، حسب نفس المصدر، فندت ما خلصت إليه الدراسات السابقة، مؤكدة أن التعب العقلي ليس وهما، ولكنه استجابة فسيولوجية حقيقية تتضمن تراكم مادة سامة تسمى “حمض الجلوتاميك”، في منطقة قشرة فص الجبهة للدماغ.

والباحثون في الجامعة الفرنسية، وجدوا أن حمض الجلوتاميك يمكن أن يؤثر على عملية صنع القرار؛ ما يدفع إلى اختيار مهام تتطلب قدرا أقل من التفكير.

الفريق البحثي أكد أنه، “نظرا لأن التعب العقلي يؤثر على عملية صنع القرار، فلا ينبغي اتخاذ قرارات مهمة عند الإصابة بالتعب العقلي”.

وأجرى الفريق البحثي بالجامعة الفرنسية، دراسة تجريبية لمعرفة سبب الشعور بالإرهاق الذهني أثناء القيام بمهام فكرية جادة.

العقل يتعب من كثرة التفكير

وحسب الجزيرة نت، توصلت الدراسة الحديثة التي نشرت نتائجها في مجلة “كارنت بيولوجي” (Current Biology)، إلى أن العقل يتعب من كثرة التفكير.

ونظرت الدراسة، حسب نفس المصدر، في منطقة الدماغ المسؤولة عن التعلم والذاكرة التي تسمى “قشرة الفص الجبهي”، وتم تقسيم المشاركين في الدراسة إلى مجموعتين: الأولى تضطلع بحل ألغاز صعبة، والثانية تعمل على حل ألغاز سهلة، ثم قاس الباحثون كيفية تغير نظام الرسائل في الدماغ وفقًا لمستوى الصعوبة، كما استخدموا فحوص العين لقياس مدى اتساع حدقة العين أثناء الإجابة عن الأسئلة، وهو عامل آخر محدد لنشاط الدماغ.

ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين قاموا بمهام أكثر صعوبة وتتطلب كثيرا من التفكير ظهرت عليهم علامات التعب في الدماغ. وبمرور الوقت، أصبح لديهم توسع أقل في بؤبؤ العين، وهو الأمر الذي يشير إلى أنهم متعبون عقليًّا.

ونتيجة لذلك، وبسبب المجهود الكبير المبذول اختاروا في نهاية الاختبار الإجابات السهلة التي تتطلب القليل من الجهد العقلي وتقدم المزيد من المكافآت الفورية، وهو الشيء نفسه الذي يجعل موظفا منهكا بعد يوم طويل من العمل المكتبي الذي يتطلب كثيرا من الجهد الذهني يطلب وجبة سريعة بدل طبخ وإعداد وجبة صحية مغذية في المنزل، وذلك حسب ما ذكره موقع “هيلت دايجست”  (HealthDigest) الذي نشر بعضا مما ورد في الدراسة.

حمض الجلوتامات

وربط العلماء التعب بارتفاع مستوى مادة حمض الجلوتامات، وهو ناقل عصبي يلعب دورا مهما في ضمان الأداء الأمثل للدماغ من خلال مراقبة المزاج والذاكرة والقدرة على التعلم. ولديه القدرة على تحفيز الخلايا العصبية حتى تتلقى المعلومات بسهولة، للتكيف مع مواقف الحياة المختلفة.

ولكن عندما يتراكم حمض الجلوتاميك بشكل زائد يصبح مشكلة، ويعتقد الباحثون أن التعب العقلي الناتج عن ارتفاع مستويات حمض الجلوتاميك يمكن أن يكون في الواقع آلية دفاعية لتجنب الإرهاق.

ووجدت الدراسة أن المهام الأصعب تتطلب من الخلايا العصبية في الدماغ إطلاق المزيد من هذه المادة.

ولكن كمية الجلوتامات في خلايانا يجب أن تكون متوازنة بشكل صحيح، لأن ارتفاعها يؤدي إلى مشاكل، وهو ما يحدث إذا وجد الكثير منها خارج الخلايا في نقاط الاشتباك العصبي في الدماغ.

وهذا ما يحدث بالضبط أثناء الإجهاد العقلي عندما تحتاج أدمغتنا إلى العمل بجد ولمدة طويلة، حيث تتراكم هذه الجلوتامات خارج الخلايا، وعندما يصبح تركيزها عاليا جدا خارج الخلايا يصبح من الصعب بمكان اتخاذ قرارات مهمة أو سليمة، وهذه هي الطريقة التي نشعر بها بالتعب العقلي، ولا تعود مستوياتنا إلى التوازن إلا عندما نأخذ قسطا كافيا من الراحة.

وأصدر الباحثون بيانا صحفيا يوضحون فيه ما توصلوا إليه من نتائج، وقال مؤلف الدراسة ماتياس بيسيجليون من جامعة “بيتي سالبتيير” الباريسية في البيان “اقترحت بعض النظريات المؤثرة أن التعب نوع من الوهم الذي يصنعه الدماغ ليجعلنا نوقف كل ما نفعله ونتحول إلى نشاط أكثر إرضاءً، ولكن النتائج التي توصلنا إليها تظهر أن العمل المعرفي ينتج عنه تغيير وظيفي حقيقي بسبب تراكم المواد الضارة والسامة في الدماغ، لذا فإن التعب سيكون بالفعل إشارة تجعلنا نتوقف عن العمل، ولكن لهدف مختلف: الحفاظ على سلامة وظائف الدماغ”.

ولكن هل هناك طريقة ما للتغلب على هذا الحد من قدرة عقولنا على التفكير بجد؟

يجيب بيسيجليون “لا يوجد حقا مثل هذه الطريقة، ولكنني سأستخدم وصفات قديمة جيدة تتمثل في الراحة والنوم. هناك أدلة قوية على أن الجلوتامات يتم التخلص منها من نقاط الاشتباك العصبي أثناء النوم”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *